الرئيسية » , » قصائد من الأرجنتين - خورخي لويس بورخيس / ترجمة نزار سرطاوي Poems From Argentina -Jorge Luis Borges/Translated by Nizar Sartawi

قصائد من الأرجنتين - خورخي لويس بورخيس / ترجمة نزار سرطاوي Poems From Argentina -Jorge Luis Borges/Translated by Nizar Sartawi

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 7 أغسطس 2015 | أغسطس 07, 2015

 – مقدمة


يعد الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس واحداً من أعظم كتّاب وشعراء أمريكا اللاتينية وأكثرهم تأثيراً.  
 ولد بورخيس في 24 آب / أغسطس عام 1899 في العاصمة الأرجنتينية، بوينس آيرس. وبعد سنوات قليلة انتقلت عائلته إلى الضاحية الشمالية لمدينة باليرمو. تلقى تعليمه المبكر في منزله، فتعلم اللغة الإنجليزية وقرأ الكتب الانكليزية في مكتبة والده. وعندما بلغ التاسعة من عمره التحق بالمدرسة.
 في عام 1914 سافرت عائلة بورخيس إلى أوروبا. وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى استقرت العائلة في سويسرا حيث أنهى بورخيس تعليمه في إحدى كليات جنيف. وبحلول عام 1919، عندما انتقلت العائلة إلى إسبانيا، كان بورخيس قد تعلم لغات عدة وبدأت بكتابة وترجمة الشعر. وكان يتردد على التجمعات الأدبية في اشبيلية ومدريد، حيث تعلم الكثير من أصحاب النظريات الشعرية الحديثة في ذلك الوقت، وتأثر بصورة خاصة بالأفكار المتطرفة.
عندما عادت العائلة إلى الأرجنتين في عام 1921، راح بورخيس يكتب القصائد عن بوينس آيرس، المدينة التي أعاد اكتشافها وأحبها. وقد تعاون مع عدد من أدباء الأرجنتين الشباب في إصدار مطبوعات جديدة غلب عليها طابع التطرف.
في عام 1923 أصدر بورخيس ديوانه الشعري الأول بعنوان "توهج بوينس آيرس." وبعد عامين صدر ديوانه الثاني "قمر في منتصف الطريق" ثم صدر له ديوان "دفتر سان مارتن" في عام 1929. وبع ذلك بدأ بورخيس يبدي اهتماما بالنقد الأدبي. واصبحت المقالات النقدية والفلسفية تملأ معظم كتبه التي نشرت خلال الفترة 1925 – 1940.
 في عام 1938 حصل بورخيس على وظيفة في مكتبة البلدية في بوينس آيرس.  وقبل نهاية السنة توفي والده. وقد أوشك بورخيس نفسه أن يموت بتسمم الدم، وكذلك بسبب مضاعفات نتجت عن إصابة في الرأس.
 كان لتلك الفترة العصيبة أثرها الكبير على أعمال بورخيس. فقد بدأ يكتب قصصاً خيالية نثرية ذات طابع غريب نشر عشراً منها في كتاب عام 1944، أتبعه بكتابٍ ثانٍ مماثل عام 1949. وقد اكتسب بورخيس شهرة واسعة من وراء هذبن الكتابين، اللذين أضيفت إليهما قصص أخرى في طبعات لاحقة.  في عام 1955، في أعقاب الإطاحة بنظام البيرونية في الأرجنتين عُيّن بورخيس مديراً للمكتبة الوطنية في بوينس آيرس. وفي ذلك العام ضعف بصره لدرجة أنه أصبح شبه أعمى.
في عام 1952 نشر مجموعة هامة من المقالات. كما صدرت له بعد ذلك عدة مجموعات شعرية ونثريه من بينها "نمور الأحلام" (1960)، "في مدح الظلمة" (1969)، "الوردة العميقة" (1975)، "قطعة النقد الحديدية" (1976)، ومجموعتان من القصص القصيرة الجديدة هما "تقرير الدكتور برودي" (1970) و"كتاب الرمال" (1975). كما ألف بورخيس أكثر من اثني عشر كتابا بالتعاون مع كتّاب آخرين.
في عام 1961 نال بورخيس بالاشتراك مع صمويل بيكيت جائزة الناشرين الدولية. ومنذ ذلك الحين اكتسب اعترافاً عالمياً ونال عدداً كبيراً من الجوائز.
تزوج بورخيس من إلسا أستيت ميلان في عام 1967 لكنه طلقها في عام 1970. ثمّ تزوج ماريا كوداما في عام 1986، قبل وفاته بوقت قصير. وقد توفي في 14 حزيران / يونيو في مدينة جنيف في سويسرا.

----------------------------------


– لحظات 

لو كان لي أن أعيش حياتي من جديد،

في المرة القادمة – سأحاول

أن أرتكب المزيد من الأخطاء،

لن أحاول جاهداً أن أصل إلى درجة الكمال،

سوف أكون أكثر استرخاءً،

سوف أكون أكثر امتلاءً ممّا أنا عليه الآن،

بل سوف تكون الأمور التي آخذها على محمل الجدّ أقلّ،

سوف أكون أقل اهتماماً بالصحّة،

سوف أقوم بالمزيد من المجازفات، 

سوف أذهب في المزيد من الرحلات،

سوف أشاهد غروب الشمس أكثر،

سوف أتسلق المزيد من الجبال،

سوف أسبح في المزيد من الأنهار،

سوف أزور المزيد من الأماكن – أماكن لم يسبق لي أن زرتها،

سوف أتناول المزيد من البوظة وأقللّ من  تناول الفاصوليا،

سوف أتعامل مع مشاكل واقعية بصورة أكبر – وخيالية بصورة أقلّ. 

لقد كنت واحدا من أولئك الذين يعيشون

حيوات مليئة بالحرص زاخرة بالخصب –

في كل دقيقة من حياته،

بطبيعة الحال كانت لي لحظات من الفرح – لكن

لو كان لي أن أعود إلى الوراء لحاولت أن أحظى باللحظات الطيبة دون سواها.


إن كنت لا تعرف – فالحياة مصنوعة من ذلك،

لا تُضيّع اللحظة الحاضرة!

كنتُ واحدا من أولئك الذين لا يذهبون إلى أي مكان

بدون ميزان حرارة،

بدون زجاجة ماءٍ ساخن،

وبدون مظلة واقية وبدون مظلّة هبوط.


لو كان لي أن أعيش حياتي من جديد – فسوف أسافر متخففاً من
حمولتي،

لو كان لي أن أعيش حياتي من جديد – فسوف أحاول أن أعمل حافيَ القدمين

من أول الربيع إلى


آخر الخريف،

سوف أركب المزيد من العربات،

سوف أشاهد المزيد من شروقات شمس وألعب مع عدد أكبر من الأطفال،

لو كنت لي حياة أعيشها – لكنني الآن قد بلغت سنّ الـ 85،

– وأعلم أنني أحتضر...
----------------------------------


– فن الشعر 


أن نطيل النظر إلى نهرٍ مصنوعٍ من الوقت والماء  

ونتذكر أن الزمن نهر آخر 

أن نعلم أننا نسير على غير هدى مثل النهر  

وأنّ وجوهنا تتلاشى كالماء 


أن نشعر بأن اليقظة هي حلم آخر 

نحلم فيه بأننا لا نحلم، وأن الموت

الذي نخشاه في عظامنا هو الموت  

الذي نسميه كل ليلةٍ حلماً  


أن نرى في كل يومٍ وكل عامٍ رمزاً  

لكل أيام الإنسان وسنينه، 

ونحوّل غضب السنين  

إلى موسيقى وصوتٍ ورمز    


أن نرى في الموت حلماً، وفي الغروب 

حزناً ذهبياً – هكذا هو الشعر، 

متواضع وخالد، شعرٌ 

يعود كما الفجر والغروب 


أحياناً في المساء هناك وجه 

يرانا من أعماق المرآة.  

الفن حتماً هو ذلك النوع من المرآة،  

الذي يكشف لكل واحدٍ منا عن وجهه. 


يقولون إن عوليس بعد أن أنهكته العجائب 

بكى حبّاً حين وقع بصره على إيثاكا 

البسيطة الخضراء. الفن هو تلك الإيثاكا، 

خلودٌ أخضر، لا عجائب. *



الفن لا نهاية له مثل نهر دافق، 

عابر، لكنه باقٍ، مرآة لنفس   

هيراقليطس المتقلب، والذي هو نفسه 

وفي نفس الوقت إنسان آخر، مثل النهر الدافق. 2


----------------------------------


– تاريخ الليل  



عبر مسيرة الأجيال 


شيّد الناس اللّيل. 

في البدء كان عماءً؛ 

أشواكاً تخدش الأقدام الحافية، 

فزعاً من الذئاب. 

لن نعرف أبداً من الذي صاغ الكلمة 

الدّالة على فترة الظلّ 

الذي يفصل بين الشفقين؛ 

لن نعرف في أي عصر أصبح يعني 

الساعاتِ الزاخرةَ بالنجوم.

أناسٌ آخرون ابتدعوا الأسطورة.

جعلوا الليل أمّاً للأقدار الثابتة  

التي تحيك مصيرنا، 

قدموا لها القرابين من النعاج السوداء والديك

الذين يصيح معلناً موته بنفسه.

الكلدانيون خصصوا له اثني عشر بيتاً؛ 

بالنسبة إلى زينون كان الليل كلمات لانهاية لها. 3

أخذ شكله من أبيات الشعر اللاتينية سداسية المقاطع  

ومن رعب باسكال.4  

لويس دي ليون رأى فيه وطناً 5

لروحه المنكوبة.  

الآن نحس أنه لا ينضب 

مثل النبيذ المعتّق  

وأنْ لا أحد يقدر أن يطيل النظر إليه دون أن يصيبه دوار 

وأنّ الزمن قد أسبغ عليه الخلود.  


ويظنّون أنْ ليس له وجود 

إلا بالنسبة لتلك الآدوات الهشّة، العيون. 

----------------------------------
هوامش:

1 عوليس أو أوديسيوس هو بطل ملحمة الأوديسة للشاعر الإغريقي هوميروس. بعد فتح طروادة وأحراقها عاد الإغريق إلى بلادهم. لكن العواصف الجامحة أخذت سفن عوليس بعيداً عن مدينته إيثاكا. وظل عوليس وجنده تائهين في البحر 20 عاماً قبل أن يتمكن من العودة إلى إيثاكا.

2 هيراقليطس (535 – 475 قبل الميلاد) فيلسوف يوناني كان يعتقد بمبدأ التغير الدائم. اشتهر بقوله إنه لا يمكن للمرء أن ينزل في نفس النهر مرتين، فمياه النهر تتغير على الدوام. فالنهر هو نفسه وليس هو نفسه في آن واحد.

3 زينون الرواقي (334 – 262 ق.م.)، مؤسس المدرسة الرواقية، وهو فينيقي من قبرص.

4 بليس باسكال (1623 – 1662) عالم رياضيات وكاتب ومخترع وفيلسوف كاثوليكي فرنسي اشتهر عنه قوله: "صمت هذه القضاءات اللانهائية يبعث الرهبة في نفسي." 

5 لويس دي ليون (1527 – 1591) شاعر وعالم أديان إسباني.


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads