الرئيسية » , , » البجعة | شارل بودلير | حنا الطيار | جورجيت الطيار

البجعة | شارل بودلير | حنا الطيار | جورجيت الطيار

Written By هشام الصباحي on الخميس، 13 أغسطس 2015 | أغسطس 13, 2015





البجعة


LE CYGNE


*


مهداة إلى الشاعر فيكتور هوغو


أفكر بك يا اندروماك


هذا النهر الصغير الفقير


الذي كان المرآة الكئيبة التي تألق عليها في الماضي


جلال آلام ترمُّلك


وهذا ((السيموا)) الكذاب الذي كبّرته دموعك


كل ذلك أخصب فجأة ذاكرتي المبدعة


وأنا أجتاز ((الكارّوزيل)) الجديد


باريس القدية لم يعد لها وجود, فشكل المدينة


يتبدّل واأسفاه بأسرع مما يتبدّل قلب الإنسان


إني أرى وبعين الخيال فقط معسكر الأكواخ وخيام السّيرك


والبراميل والأعشاب والكتل الصمّاء


التي لوّنها ماء الحضر بالأخضر


والأشياء التافهة المتنوعة التي تلتمع في النوافذ


هناك كانت تنتشر قديماً حيوانات العرض


وهناك رأيت ذات صباح


في تلك الساعة التي يهب فيها العمال من نومهم


تحت السماء الصافية الباردة


وتطلق الدِّمن فيها زوبعة قاتمة في الهواء الساكن


بجعة هاربة من قفصها تضرب الأرض بقائمتيها


وتجرجر ريشها الناصع على الأرض الوعرة


وتفتح منقارها عند ساقية جافة


وتعَفِّر جناحيها بالتراب, والحنين يشدّها


إلى جمال بحيرة موطنها, ولسان حالها يقول:


أيتها المياه متى تنهالين أمطاراً


ويا أيتها الصاعقة متى تنقضّين


فتراءى لي الطائر الخرافيّ العجيب التاعس كأنسان ((أوفيد))


وهو يتجه نحو السماء الداكنة الزرقة


الساخرة القاسية


وقد مدّ رأسه المتلهِّف فوق عنق متشنج


كأنه ينحي باللائمة على الله


باريس تتبدل لكن شيئاً واحداً في نفسي الكئيبة لم يتبدل


فالقصور الجديدة والمنشآت والأكوام والضواحي القديمة


كلها أصبحت في نظري منحوتة رمزية


وأعز ذكرياتي أصبحت أثقل من كتل الصخور


وأمام هذا ((اللوفر)) تعذبني صورة معينة


إني أفكر ببجعتي الكبيرة بحركاتها القلقة


المضحكة السامية كحركات المنفيين


والتي تغذيها رغبة سامية


وأفكر بك با أندروماك وأنت ترتمين


بين ذراعي زوج عظيم


كالحيوانالعاجز بين يدي بيريس الرائع


وتنحنين مسلوبة الفكر بجانب قبر فارغ


يا أرملة ((هكتور)) وزوجة ((هيلينوس))


وأيضاً أفكر بالزنجية المسلولة المعروقة


تدوس في الوحل مُفتشة عن ثمار جوز الهند الإفريقية


بعينين زائفتين وراء أسوار الضباب


وأفكر بكل من فقد شيئاً لا يمكنه تعويضه


بالذين يشربون دموعهم ويمتصون آلامهم


كيتامى الذئبة الطيبة الناحلين الذابلين كالأزهار


أفكر بالغابة التي أصبحت منفى لعقلي


فتدق في صدري ذكرى قديمة كما يدق البوق


أفكر بالبحارة المنسيين فوق جزيرة ضائعة


بالأسرى والمغلوبين وبكثيرين غيرهم


*


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads