الرئيسية » » كما لو كنت تنظرين لسماء الظهيرة | خايمي صغبيني

كما لو كنت تنظرين لسماء الظهيرة | خايمي صغبيني

Written By Lyly on الثلاثاء، 2 يونيو 2015 | يونيو 02, 2015

آدم وحواء


I

في الجنّة كُنا. في الجنّة لا يحدث شيءٌ. لم نكن نعرف بعضنا. 
- حوَّاء، انهضي.
- لديَّ حبٌّ وحلمٌ وجوعٌ، هل طلع الصّبح؟
الوقت نهار، ومع هذا هناك نجوم. الشمسُ تأتي من بعيدٍ نحونا، والأشجار تضرب بعضها. اسمعي. -
أريد أن أعضَّ فكّك. تعال. عاريةٌ أنا، مُمرّثة، ورائحتي تشبهك. -
مشى آدم نحوها وأخذ بيدها، بدا أنّهما دخلا نهراً واسعاً،
وأنهما يلعبان بالماء الذي بلغ عنقيهما، وأنهَّما يضحكان، بينما أسماك صغيرة ضالّة تعضُّ أقدامهما.


II

أرأيتِ كيف تنمو النباتات؟ للمكان الذي تسقط فيه البذرة، يأتي الماء. هو الماء الذي يُنبِت، ترتفع الشمس. من الجذع والأغصان، تصعد المياه للهواء، كما لو كنت تنظرين لسماء الظهيرة وتبدأ عيناك بالزوغان. يكبر النبات في يوم وليلة. هي الأرض التي تنمو؛ تصبح لينة، خضراء، مرنة. التفل المبلَّل، قشرة الأشجار الآثمة، تنفصل وتعود. هل رأيته؟ النباتات تمشي في وقتها، ليس من مكان لآخر: من ساعةٍ لأخرى. تشعرين بهذا عندما أستلقي بظهري على الأرض، ويخترق شعرُك كباقةٍ من الجذور، وأنتِ بكاملك جذعٌ ساقطٌ. أريد أن أزرع بذرة في النهر، لنرى إن كانت ستنمو الشجرة وهي طافية كي نتسلقها ونلعب. في أوراقها تتشابك الأسماك، فتصبح شجرة من مياه كانت لتذهب إلى كلِّ مكانٍ دون أن تقع أبداً.


III

الليل الذي غادرنا بالأمس كان سحراً. ثمَّة طبولٌ في الليل، تنام الحيوانات ببصيرة مفتوحةٍ كالعين. لا يوجد أحد به، هواءٌ. الأوراق والريش تجتمع في الأغصان، على الأرض، وأحدٌ ما يحرِّكها أحياناً، فتسقط. مناديلُ سوداء، أصواتٌ سوداء، صمتٌ أسود ثقيل، تطفو، تزحف، والأرض تظهر وجهها الأسود وتشير للنجوم. عندما يعبر الخوف بجانبها، تدقُّ القلوب بقوَّة، بقوَّة، وتُنذر العيون أنَّ الأشياء تتحرك للأبد في مكانها. لا يُمكن لأحدٍ أن يتدخَّل في الليل. من يدخل بعيونٍ مفتوحةٍ في ثقل الليل، يضيع، تسطو عليه الظلال، ولن يُعرف عنه شيءٌ بعد الآن، كهؤلاء الذين لمَّهم البحر. قالت حواء لآدم: تمهّل، كي لا نفترق.

 
IV

أمس كنتُ أراقب الحيوانات وبدأت أفكّر بك. الإناث هنّ أكثر سلاسةً، أكثر نعومة وأكثر أذى. قبل أن تستسلمَ، تعامل الرجل بقسوة، أو تهرب، تدافع عن نفسها. لماذا؟ رأيتكِ أنت أيضاً، كالحمام، تغضبين عندما أهدأ. أيُعقل أن تشتعل دماؤنا في ساعات مختلفة؟ والآن وبما أنَّك نائمة فلا بدَّ أن تجيبيني. أنفاسك هادئة، وجهك منفرجٌ وشفتاك منفرجتان. أيمكنكِ قول كل هذا دون فتنة، دون ضحكات. نحن مختلفان، ألم يصنعوكِ من ضلعي؟ ألا توجعينني؟ عندما أكون فيكِ، عندما أصغرُ فتعانقينني وتلتفّين حولي وتنغلقين كما تنغلق الزهرة على النحلة، أعرف شيئاً ما. الأنثى دوماَ أكبر، بطريقةٍ ما. لمَ نجونا من الموت؟ ننجو كل ليلة. نبقى معاً، في أذرع بعضنا، وأنا أكبر كالنهار. شيءٌ ما عليه أن يبحث فيك، شيء يخصُّني هو أنتِ وليس عليكِ أن تمنحيه لي أبداً. لماذا فرَّقونا؟ أفتقد المشي، لأرى كيف أنَّ عيناً ثالثة، كرِجلٍ أخرى أعرف أنا وحدي أنَّني ملكتها.

 

يقول روبن
يقول روبن إنَّه يريد الخلود، وإنَّه يقاتل من أجل ذاكرة الرجال لقرنٍ، أو لقرنين، أو لعشرين. وأفكِّر أنَّ هذا الخلود ليس سوى امتدادٍ ساذجٍ فقيرٍ لوجودنا.

عليك أن تبقى دوماً مقابل الجدار. وعليك أن تعلم أنه بين قبضات اليد التي تضرب ومكان الضربة يكون الخلود.

الإيمان بأن الروح على قيد الحياة، أو أنها في ذاكرة الناس، هو ذاته الإيمان بالله، هو نفس حمل ألواحه قبل الحطام.

 

إنَّه ظلُّ الماء
إنه ظلُّ الماء
وصدى تنهيدة،
وجهُ نظرةٍ،
ذاكرةُ غيابٍ،
عريُّ امرأةٍ من خلف الزجاج.

مسجونةٌ هي، ميتة
إصبع القلب،
هي خاتمك،
مسافة الغموض،
سهلة كطفل.
نقاطٌ من نورٍ ملأت أعيناً فارغة،
وجسدٌ من أوراق وأجنحة
رَحلَ للندى.

خذها بعينيك،
املأها الآن، يا حبِّي.
إنهَّا لك كأنَّما لم تكن لأحد
لك كالانتحار.

أحجار شنقتُها في الهواء
أخشابٌ أغرقتُها في النهر،
أنظر لقلبي العائم،
على جسده المتواضع.

 

مقاطع من "شيءٌ ما حول موت الرائد صغبيني"


الجزء الأول


I

دعني أستريح، 
وأرخي عضلات قلبي 
وأن أنوّم الروح كي تتحدَّث،
كي تتذكَّر هذه الأيام،
الأطول من الزمن.

بالكاد تنقّهنا من المتاعب
ونحن ضعفاء، مفزوعون،
نستيقظ مرتين أو ثلاث من حلمنا القصير
كي أراكَ في الليل وأعرف أنك تتنفس.
نحتاج للنهوض كي نكون متيقظين 
في هذه الكوابيس الملأى بالناس والإزعاج.

أنت الجذع المنيع ونحن الأغصان،
ولهذا فهذه الضربة تهزُّنا.
أبداً أمام موتك لم نتوقَّف لنفكِّر في الموت،
ولم نرك مطلقاً إلا كقوَّة أو سعادة.
لسنا متأكدين، لكن يصل فجأةً تحذيرٌ متواصلٌ، 
سيفٌ فارُّ من فم الرب
يسقط ويسقط ببطءٍ.
ولا بدَّ أن نرتجف هنا من الخوف،
أن يُغرقنا البكاء الذي يحتوينا
وأن يشدَّ الخوف على حلوقنا.
بدأنا بالسير ولم نتوقف أبداً،
بعد منتصف الليل، 
في ممرِّ المشفى الصامت
حيث ممرِّضةٌ ملائكيَّةٌ مستيقظةٌ.
انتظار موتك كان أن نموت ببطءٍ،
أن تتقطَّر من أنبوب الموت
أن تموت قليلاً، كحطام.

لم يكن هناك ساعةٌ أطول من تلك التي لم تنم فيها،
ولا نفقاً أكثرَ رعباً وأسى من الذين يرثوك،
وجسدك المسكين المجروح.


II

من البحر، من البحر أيضاً،
من قماش البحر الذي يلفُّنا،
من ضربات البحر ومن فمه،
من عذريته المظلمة،
من قيئه،
من نقائه الكئيب والعميق،
يأتي الموت، الرب، والمطر
تضرب الستائر والليل والرياح.

من الأرض أيضاً،
من جذور البيت الحادَّة،
من قدم الأشجار العارية الدامية،
من بعض الصخور القديمة التي لا يمكنها الحراك،
من البرك الراثية، توابيت الماء،
من الجذوع المهدومة التي ينام فيها الشعاع، 
ومن العشبة، التي هي ظل أغصان السماء،
يأتي الرب، أكتعٌ بمائة يد،
أعمى بعيونٍ كثر،
شديد العذوبة، راسخ،
(غائبٌ تماماً، مليءٌ بالحب،
العجوز الأصم، دون أبناء،
يسكبُ قلبه في كأس معدته).

من العظام أيضاً،
من الملح الأكثر اكتمالاً من الدم،
من الحمض الأكثر وفاءً،
من الروح الأكثر عمقاً وصدقاً،
من الغذاء الأكثر حماساً،
من الكبد ومن البكاء،
يأتي موج البحر المتوتر،
عرق الأمل البارد،
ويأتي الرب ضاحكاً.

تمشي الكتب للنيران.
ينزاح الستار: يظهر البحر.

(لست كاتب البحر).


III

الذرة في يدي وقعت سبع مرات/ قبل أن يجدها جوعي، متُّ في سبع مرَّاتٍ ألفَ مرَّةٍ/ وأنا مبتسمٌ كما في اليوم الأول. لن يقول أحدٌ: لم أعرف الحياة/ أكثر من الثيران، ولا أقل من طيور الغولوندرينا. كنتَ دوماً الرجل، صديق القلب المخلص، ابن الرب النَّاسي/ شقيق الرِّيح. قلت: للضوضاء أيها الدموع! وبدأت بالبكاء/ كما أنهَّم بدأوا بالولادة. أنا حافٍ، أحب أن أدوس المياه والأحجار/ النساء والزمن، أحب أن أدوس العشب الذي ينمو على قبري (إن كان لدي قبر).

أحب غصني المورَّد الشمعي
في الحديقة التي يزورها الليل.
أحب أجدادي التوموستيين
وأحب أحذيتي الفارغة
وهم ينتظرونني كنهار الغد.
إلى ضوضاء الموت، قلت،
ظل الحلم،
فساد الملائكة،
وسلمت نفسي للموت
كحجر في النهر،
كطلقة في طيران الطيور.


IV

سنتحدث عن الأمير سرطان،
سيد الرئات، ذكر البروستات،
الذي يستمتع برمي السهام
على المبايض المقتضبة، على المهابل الذابلة،
على الإنجليزية الكثيرة.

عند أبي عقدة السرطان الأجمل
في جذر العنق، فوق الترقوة،
درنة من الرب الصالح،
قارورة الموت الحسن،
وأنا أرسل الجحيم إلى شموس العالم.
السيد سرطان، السيد أحمق،
هي فقط أداة في الأيدي المعتمة
من الأشخاص اللطيفين الذين يصنعون الحياة.

في أدراج الأرشيف الخشبية الأربع
أحفظ الأسماء الحبيبة،
ملابس الأشباح العائلية،
الكلمات التي تدور
في جلودي المتعاقبة.

هناك أيضاً وجوه بعض النساء
وعيون معشوقة وحيدة
وقبلة الحب العنيفة.
ومن الأدراج يخرج أبنائي.
تجد ظلَّ الشجرة
وهي تصل للأرض،
لأنها النور الذي يصل!


* ترجمة عن الإسبانية غدير أبو سنينة



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads