وخياله لم يعد يذهب بعيدا
أقصاه هذه الشجرة التي أمام الشباك
وحيدة في خلاء
ولا يعرف اسمها
ربما كانت شجرة زيتون أو تفاح
لا يهم
فهي الآن لم تعد جديرة باسمها
ساق رمادية نحيلة
وشبكة من فروع تصطاد أكياس البقالة
ولا تهنأ بصيدها إلا قليلا
تأخذه الريح
وتتركها عارية
هذه الشجرة أختي
لها ذاكرة قوية
تنغص عيشتي
لم نعد نصلح لشيء
أنا وهي كومة من ذكريات
سندخل النار عما قريب
ننير دائرة في الخلاء
ننضج شايا وخبزا
ورمادا نصير
رمادا نطير إلى ما وراء الطبيعة
نرجع من جديد
شجرة تفاح أو شجرة زيتون
لا يهم
وربما يصب طفل قليلا من الماء على بعض الرماد
ويعمل منه تمثالا صغيرا
يعلقه في فرع من فروعك الجديدة
يا أختي
الرصيف كان مزدحما، مسافرون مثلي، حقائب على الأرض وأكياس،
وباعة جائلون
ربما كانت نهايات الربيع، الجو حار، وخليط العرق بالمازوت
خانق. حقيبة خفيفة على كتفي
والقطار الذي أريده فات، ولم يكن في خاطري سوى أن أسلم
نفسي لرتابة الهز وصوت الفلنكات
أنام وأصحو
يقص علي جاري حكاية لا تنتهي، وأحكي له حكاية أدعي أنها
لا تخصني، ندخن معا في الفاصل بين عربتين
أسرح في سفر الأعمدة وعباد الشمس، أغمض عيني قابضا على
طيف جميلة وهي تنفلت هاربة من سجادة الساحر.
في شتائه الأخير قال لي : لا أريدك أن تنام بالليل، لا
أريد أن أموت والناس كلهم نائمون. طوال الليل كنت أحرس أنفاسه، أجمع بصاقه في
قوارير، أعمل له يانسون يشربه قبل أن يبرد. أفتح الشباك لتجديد الهواء، أغلق
الشباك لأن الهواء بارد. ملاكا يغسل المواعين بالليل وينام خائفا بالنهار صرت.
وكما أراد مات ونحن كلنا صاحون حوله، قبل أن ينتصف الليل
بساعتين.
بعد أسبوع وضعت رخامة بيضاء على قبره وعدت. لم أذهب إلى
هناك مرة أخرى، ولم أبك إلا بعد عشرين سنة
فقدت خلالها وظيفتين: وظيفة خفاش يرى العلام مقلوبا ويريد
أن يعدله، ووظيفة جراح ينقب في البطون عن علل تكبر بفعل الأمل.
بقيت لي وظيفة واحدة : أن أظل صاحيا كشجرة، لا تحرس
الليل، فقط تميل ميلا خفيفا على قبره.