لا تزال بعض البيوت مبنية بالطوب الأحمر
..
أتناول إفطارى ، وأنا أنظر نحو الساعة
هكذا أتناول إفطارى ،
تحاصرنى الجدران الإسمنتية من كل الجهات ، الجدران الإسمنتية الخضراء التى تنتظر الطلاء من سنوات بعيدة ، الوجوه يائسة من حولى ، ورائحة دخان لا أعلم من أين يأتى ، وأنا فى الداخل أمسك بعلبة المناديل الأجنبية ، ولا أعرف كيف أفتحها ؟
.
قميص أنيق يطير فى الفضاء بدون منديل فى الجيب
وهاهى المائدة الخشبية المليئة بالخدوش ، منصوبة أمامى ، وأنا ينبغى أن أبدأ فى تناول الإفطار ، ولكن القلق يأكل قلبى .
أحب أن أدقق فى التفاصيل ، وفى تفاصيل التفاصيل ، لذا أظل ألمس الخدوش بأطراف أناملى ، ألمس الخدوش على محيط المنضدة البيضاوى ، والجدران الإسمنتية تحيط بى ، وكأنها تقترب منى لتخنقنى .
.
فى النهاية أضع أشيائى فوق بعضها على المنضدة : كيف نستعيد دهشتنا ، كيف نستعيد الطعم القديم للحياة ، كيف أفتح فمى لأتكلم ،
كلما دارت بكتفها اهتز نهداها ،
وأوحت أنوثتها بالنداء الخفى .
.
لا أستطيع أن أنسى الأتوبيسات الحمراء القديمة التى كانت تجرى فى شوارع القاهرة ولا أستطيع أن أنسى زجاجة "السينالكو" التى كنت أتجرعها بجوار باب العمارة .
لم يقدموا لــ"محمد مبروك" سوى جلسات العلاج الكيماوى
دون أى رعاية صحية .
.
هل الروح غير مطمئنة ؟ غالباً هذا هو المعنى الذى كنت أريد أن أمسك به ، أخيراً تمكنت من أن أمسك بالمعنى الذى أريد ، تمكنت من المعنى الذى أحتاج أن أقوله
لذا أضع أوراقى فى الحقيبة ، أستفها جيداً
وأخرج لأمشى مسرعاً ، أو منكسراً ، سيان
ولكن الضوء الأخضر للجدران الإسمنتية
يحيط بى من كل ناحية .