الرئيسية » » #ﻷنك_لن_تقرئي_هذا_أبدا | مصطفى السيد سمير

#ﻷنك_لن_تقرئي_هذا_أبدا | مصطفى السيد سمير

Written By كتاب الشعر on السبت، 13 ديسمبر 2014 | ديسمبر 13, 2014

ربما لأنك المادة الخام للنور، والبوابة السرية للجنة، والدعاء الذي تحفظه جميع الملائكة، والسبب الحقيقي لبقاء البشر أحياء في فصل الخريف بعد موت الورد، وبقاء الشمس في شرفات البيوت بعد أن يكبر الأطفال ويتوقف الجميع عن الضحك.
وربما لأنني قد عشقتك حتى الشهادة، ولم يبق مني بعد مغادرتك سوى بدن نجاه الله ليكون لمن خلفي آية، فأحدث الكائنات عنك.
وربما لأنني كلما مر عبري وجه شهيد لا أسمع آية قرآنية من آيات البشرى، ولا قصيدة تتحدث عن التراب والدم، وإنما يأتيني صوت منير وهو يقول " مكتوب على كف العاشق.. روّح بلدك يا غريب "
وربما لأنه بالفعل " الخطوة عذاب ومتاهة.. والحلم اخضر وعجيب "
وربما لأنك – كما هو الحال معهم – لن تقرئي هذا أبدا.
وربما لأسباب أخرى لا أعلمها، لكن هل تملكين أنت تفسيرا لكوني أراك في وجوه كل الشهداء، كلهم، حتى فاقدي الأسماء منهم، كزهرة بنفسج فوق الجبهة، أو قبلة على الوجنة اليمنى تروي عطش الجسد إلى أن يصل إلى الله.


لماذا لا أستطيع التوقف، أو التساؤل، أو حتى معرفة ذلك الشيء الذي سلبتني إياه. قيل لي إن كل العلاقات العاطفية تسير على هذا النحو، يبدأ الألم هائلا كبحر ثم تحملك نفسك إلى شاطئ جديد. لكنني إلى الآن لم أمر إلى شاطئي كموسى أو يبتلعني البحر كفرعون، أنا هنا، أتلفت حولي، والعالم يذوب من فرط انتظاري لك. فمتى ينتهي الألم، أو متى يبدأ.
بالأمس كنت أراجع الـ " تايم لاين " الخاص بي على فيس بوك، صادفتني تساؤلاتي القديمة عن التفاوت الضخم في الأجور، وعن ترك جزيرة سيناء بلا تنمية، وعن التعليم - هنا ضحكت رغما عني - وعن قتيل في طابور للخبز. يا الله! لماذا لا يفكر أحد بهذا الآن.. أليست هذه هي أسباب خروجنا في هذه الثورة؟.. لقد غرقنا في العراك المستمر، صارت كل مشاغلنا هو إثبات أن مظاهراتنا أكبر من مظاهراتهم، وأن كذابينا أصدق من كذابيهم، وأن قتلانا أكثر وسامة وأقل - بالتالي - استحقاقا للموت من قتلاهم. كيف أتينا إلى هنا، وكيف لم نلحظ.
كم ينتابني الخوف الآن.. ربما لم أشعر بهذا القدر من الخوف إلا في آخر مرة حلقت فيها لحيتي. كنت قد جرحت جلدي جرحا صغيرا كما أفعل أحيانا. سال الدم غزيرا.. غسلت الجرح وحاولت تطهيره ووضعت منديلا ثم غيارا من القطن والشاش ثم وسادة صغيرة. كان الدم يمر عبر كل هذا كأنه صوت دفين، ثم يعود ليلامس وجهي ورقبتي حتى يصل إلى قدمي. كان الدم غزيرا كألم العلاقات العاطفية حتى تمنيت لو أنه يتوقف لدقيقة، وشعرت بالندم لتفكيري في تغيير شكل لحيتي. ربما لا أكون قد ارتكبت خطأ، لكن الندم الذي يملؤني الآن يكفي جميع سكان جهنم.


هل لا تزالين تحتفظين بهداياي، أم أبعدتها عن نظرك خشية أن يسألك عنها أحد، أو تسألك هي عن أحد. هل أخبرتك بعد لم كنت أحب أن أحمل إليك الهدايا.. ليس لإسعادك فحسب - كما قد تظنين - ولا لإسعادي أنا - كما قد أظن، كل ما يحدث أنني أمر بالأشياء الجميلة النائمة في عيون الواجهات الزجاجية، أو على كتف رف في أحد المحال، فأراها تنظر إلي، تخاطبني بصوت لا يسمعه سواي، ربما أغفل أحيانا أو أتغافل عنها، فتبدأ في التلويح بأطرافها والصراخ وربما تحاول مهاجمتي، حتى أختار أحدهم، عادة ما يكون أقربهم شبها منك، وأكثرهم ذبولا واحتياجا للمسة يدك التي تشبه بحيرة صغيرة لا تعكس الضوء ولا تفقد الماء.
ما الذي أفعله الآن، بينما أمر بتلك الكائنات رغما عني طوال الوقت، وأنت قد أصبحت خارج كوني، كيف أواجه نظراتهم الدائمة، المشفقة منها والكارهة والمحملة بالاتهام، أحاول أن أقول " بحيرتها لم تعد متاحة لزورقي " فلا يكون صوت، ولعلهم لا يفهمون إذا أخبرتهم، هؤلاء الذين لم يروا في إلا شخصا يزرع فرح الهدايا في جسدك، فما نفعي الآن وما نفع يدي اللتين لم تتعلما حرفة أخرى.
ربما لم يعد لي أمل سوى في هداياك إلي، تلك التي أعيد زراعتها في جسدي كل ليلة، وأنا أتأملها في موضعها الثابت بغرفتي، ذلك الموضع الذي لم يتغير فيه سوى بعض من صور الشهداء التي أضيفت إلى الحائط من خلفه. يا الله، هل شاهدت وجوههم، هؤلاء الذين يتركون غرفهم الدافئة الآمنة من أجل ابتسامة سريعة قبل الموت، هؤلاء الذين يغافلوننا ويتسربون إلى كف الله الممدودة في الشوارع، هؤلاء الأوراق الخضراء التي تسقط في ذروة الشغف قبل اصفرار الزمن، هؤلاء الذين نزرعهم في جسد الحلم فلا ينبت الفرح أبدا.
هل يمكن أن يراهم الله - برحمته – كهدايا منا إليه، تلك الهدايا التي نحملها دون توقف، وننتقيهم بعناية كي يكونوا الأكثر محبة، والأكثر شبها للمسة كفه، والأكثر احتياجا للنمو من جديد في بهاء التراحم. هذه الهدايا، هل يمكن أن يعدها الله فعلا من أفعال الحب.

أعرف أنك في مكان ما، خائفة، إلى حد لا تقوين معه حتى على التعاطف أو الندم. يمتصك الخوف كما تبتلع غيمة جسد الشمس كاملا كاملا. لا تتوقين إلا إلى عناق لا نهائي، يعيد إليك جسدك الذي يرحل قطعة قطعة مع الشهداء.
منذ يومين كنت عائدا إلى منزلي وسط أصوات الطلقات، كانت عالية وجنونية وتبدو كأنما تنطلق من كل مكان. بلغت بوابة البناية بصعوبة. صعدت الدرج وأنا أجاهد لالتقاط أنفاسي، وفي الظلام رأيت القطط. الكثير منها في كل مكان، قطط صغيرة الحجم في شقوق الجدران، وعلى حواف النوافذ، وخلف أكياس القمامة. كلها ساكنة، توجه إلي نفس النظرة التي تجمع بين الخوف والجوع، كأنها تنتظر أن أقتلها، أو أن أقدم لها بعض الطعام. كأن الموت هو من طاردهم حتى هنا، الموت شخصيا. صعدت إلى شقتي وأغلقت الباب. لو كنت معي الآن، لكان من الممكن أن نطعم كل القطط الخائفة في العالم، وأن نجعلهم يركضون في غرف شقتنا بلا خوف. لكان من الممكن أن ننهي كل هذا القتل وكل هذا الجنون. وأن نغلق بوابة الموت التي يتسابق الجميع إليها فيخرجون منها قتلى أحياء وأحياء قتلى. وأن نحول كل هذا الرصاص إلى موسيقى تبعث على الرقص. لكان من الممكن، لو أنني عانقتك فقط، ولو لمرة واحدة، لكن هذا العالم الأعمى لا يعرف ذلك، لذلك يستسلم للموت وسط هذه الضجة دون أمل، فأنت لن تقرئي هذا أبدا.

2013

ربما لأنك المادة الخام للنور، والبوابة السرية للجنة، والدعاء الذي تحفظه جميع الملائكة، والسبب الحقيقي لبقاء البشر أحياء في فصل الخريف بعد موت الورد، وبقاء الشمس في شرفات البيوت بعد أن يكبر الأطفال ويتوقف الجميع عن الضحك.
وربما لأنني قد عشقتك حتى الشهادة، ولم يبق مني بعد مغادرتك سوى بدن نجاه الله ليكون لمن خلفي آية، فأحدث الكائنات عنك.
وربما لأنني كلما مر عبري وجه شهيد لا أسمع آية قرآنية من آيات البشرى، ولا قصيدة تتحدث عن التراب والدم، وإنما يأتيني صوت منير وهو يقول " مكتوب على كف العاشق.. روّح بلدك يا غريب "
وربما لأنه بالفعل " الخطوة عذاب ومتاهة.. والحلم اخضر وعجيب "
وربما لأنك – كما هو الحال معهم – لن تقرئي هذا أبدا.
وربما لأسباب أخرى لا أعلمها، لكن هل تملكين أنت تفسيرا لكوني أراك في وجوه كل الشهداء، كلهم، حتى فاقدي الأسماء منهم، كزهرة بنفسج فوق الجبهة، أو قبلة على الوجنة اليمنى تروي عطش الجسد إلى أن يصل إلى الله.
 
 
 
 
 
 
 
 
لماذا لا أستطيع التوقف، أو التساؤل، أو حتى معرفة ذلك الشيء الذي سلبتني إياه. قيل لي إن كل العلاقات العاطفية تسير على هذا النحو، يبدأ الألم هائلا كبحر ثم تحملك نفسك إلى شاطئ جديد. لكنني إلى الآن لم أمر إلى شاطئي كموسى أو يبتلعني البحر كفرعون، أنا هنا، أتلفت حولي، والعالم يذوب من فرط انتظاري لك. فمتى ينتهي الألم، أو متى يبدأ.
بالأمس كنت أراجع الـ " تايم لاين " الخاص بي على فيس بوك، صادفتني تساؤلاتي القديمة عن التفاوت الضخم في الأجور، وعن ترك جزيرة سيناء بلا تنمية، وعن التعليم - هنا ضحكت رغما عني - وعن قتيل في طابور للخبز. يا الله! لماذا لا يفكر أحد بهذا الآن.. أليست هذه هي أسباب خروجنا في هذه الثورة؟.. لقد غرقنا في العراك المستمر، صارت كل مشاغلنا هو إثبات أن مظاهراتنا أكبر من مظاهراتهم، وأن كذابينا أصدق من كذابيهم، وأن قتلانا أكثر وسامة وأقل - بالتالي - استحقاقا للموت من قتلاهم. كيف أتينا إلى هنا، وكيف لم نلحظ.
كم ينتابني الخوف الآن.. ربما لم أشعر بهذا القدر من الخوف إلا في آخر مرة حلقت فيها لحيتي. كنت قد جرحت جلدي جرحا صغيرا كما أفعل أحيانا. سال الدم غزيرا.. غسلت الجرح وحاولت تطهيره ووضعت منديلا ثم غيارا من القطن والشاش ثم وسادة صغيرة. كان الدم يمر عبر كل هذا كأنه صوت دفين، ثم يعود ليلامس وجهي ورقبتي حتى يصل إلى قدمي. كان الدم غزيرا كألم العلاقات العاطفية حتى تمنيت لو أنه يتوقف لدقيقة، وشعرت بالندم لتفكيري في تغيير شكل لحيتي. ربما لا أكون قد ارتكبت خطأ، لكن الندم الذي يملؤني الآن يكفي جميع سكان جهنم.
 
 
 
 
 
 
 
 
هل لا تزالين تحتفظين بهداياي، أم أبعدتها عن نظرك خشية أن يسألك عنها أحد، أو تسألك هي عن أحد. هل أخبرتك بعد لم كنت أحب أن أحمل إليك الهدايا.. ليس لإسعادك فحسب - كما قد تظنين - ولا لإسعادي أنا - كما قد أظن، كل ما يحدث أنني أمر بالأشياء الجميلة النائمة في عيون الواجهات الزجاجية، أو على كتف رف في أحد المحال، فأراها تنظر إلي، تخاطبني بصوت لا يسمعه سواي، ربما أغفل أحيانا أو أتغافل عنها، فتبدأ في التلويح بأطرافها والصراخ وربما تحاول مهاجمتي، حتى أختار أحدهم، عادة ما يكون أقربهم شبها منك، وأكثرهم ذبولا واحتياجا للمسة يدك التي تشبه بحيرة صغيرة لا تعكس الضوء ولا تفقد الماء.
ما الذي أفعله الآن، بينما أمر بتلك الكائنات رغما عني طوال الوقت، وأنت قد أصبحت خارج كوني، كيف أواجه نظراتهم الدائمة، المشفقة منها والكارهة والمحملة بالاتهام، أحاول أن أقول " بحيرتها لم تعد متاحة لزورقي " فلا يكون صوت، ولعلهم لا يفهمون إذا أخبرتهم، هؤلاء الذين لم يروا في إلا شخصا يزرع فرح الهدايا في جسدك، فما نفعي الآن وما نفع يدي اللتين لم تتعلما حرفة أخرى.
ربما لم يعد لي أمل سوى في هداياك إلي، تلك التي أعيد زراعتها في جسدي كل ليلة، وأنا أتأملها في موضعها الثابت بغرفتي، ذلك الموضع الذي لم يتغير فيه سوى بعض من صور الشهداء التي أضيفت إلى الحائط من خلفه. يا الله، هل شاهدت وجوههم، هؤلاء الذين يتركون غرفهم الدافئة الآمنة من أجل ابتسامة سريعة قبل الموت، هؤلاء الذين يغافلوننا ويتسربون إلى كف الله الممدودة في الشوارع، هؤلاء الأوراق الخضراء التي تسقط في ذروة الشغف قبل اصفرار الزمن، هؤلاء الذين نزرعهم في جسد الحلم فلا ينبت الفرح أبدا.
هل يمكن أن يراهم الله - برحمته – كهدايا منا إليه، تلك الهدايا التي نحملها دون توقف، وننتقيهم بعناية كي يكونوا الأكثر محبة، والأكثر شبها للمسة كفه، والأكثر احتياجا للنمو من جديد في بهاء التراحم. هذه الهدايا، هل يمكن أن يعدها الله فعلا من أفعال الحب.
 
 
 
 
 
 
 
أعرف أنك في مكان ما، خائفة، إلى حد لا تقوين معه حتى على التعاطف أو الندم. يمتصك الخوف كما تبتلع غيمة جسد الشمس كاملا كاملا. لا تتوقين إلا إلى عناق لا نهائي، يعيد إليك جسدك الذي يرحل قطعة قطعة مع الشهداء.
منذ يومين كنت عائدا إلى منزلي وسط أصوات الطلقات، كانت عالية وجنونية وتبدو كأنما تنطلق من كل مكان. بلغت بوابة البناية بصعوبة. صعدت الدرج وأنا أجاهد لالتقاط أنفاسي، وفي الظلام رأيت القطط. الكثير منها في كل مكان، قطط صغيرة الحجم في شقوق الجدران، وعلى حواف النوافذ، وخلف أكياس القمامة. كلها ساكنة، توجه إلي نفس النظرة التي تجمع بين الخوف والجوع، كأنها تنتظر أن أقتلها، أو أن أقدم لها بعض الطعام. كأن الموت هو من طاردهم حتى هنا، الموت شخصيا. صعدت إلى شقتي وأغلقت الباب. لو كنت معي الآن، لكان من الممكن أن نطعم كل القطط الخائفة في العالم، وأن نجعلهم يركضون في غرف شقتنا بلا خوف. لكان من الممكن أن ننهي كل هذا القتل وكل هذا الجنون. وأن نغلق بوابة الموت التي يتسابق الجميع إليها فيخرجون منها قتلى أحياء وأحياء قتلى. وأن نحول كل هذا الرصاص إلى موسيقى تبعث على الرقص. لكان من الممكن، لو أنني عانقتك فقط، ولو لمرة واحدة، لكن هذا العالم الأعمى لا يعرف ذلك، لذلك يستسلم للموت وسط هذه الضجة دون أمل، فأنت لن تقرئي هذا أبدا.

#ﻷنك_لن_تقرئي_هذا_أبدا
2013

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads