الرئيسية » » أحدُهم يُفكّر بماءٍ أعمق | حمزة كوتي

أحدُهم يُفكّر بماءٍ أعمق | حمزة كوتي

Written By هشام الصباحي on السبت، 18 أكتوبر 2014 | أكتوبر 18, 2014

يبدأ
يبدأ بالعنف، كُلُّ شيء ـــ البحـرُ والمدارس؛ نحن سَدَنَة الماء، نثقبُ القواربَ كيلا تبلغ شواطئكم. تلبط سَمَكة في رأسي الآن ويرى الفقيـرُ الشَّمْسَ درهمًا؛ وكنت من قبلُ وضعتُ على كلَّ حرفٍ طاولةً وكُرسيًّا.
يبدأ بالعنف هذا النهار، والمُتعة: قطراتُ ندى على نهد وردة.
5/8/2012

سؤال
ما اسمُ هذا الطائر الذي يهرول على الشاطيء؛ سألت صديقي وهو متمدد لامباليًا في جانبي، وشربتُ إنائي ـــ ليت هذا الإناءَ شرابٌ ـــ لم يرد عليَّ صديقي، غارقاً في مشاهدة الماء، ربما في النجوم. نهض قائلاً، لنتحدّث عن الشيوعيَّة، فسألت ثانيةً: ما اسمُ هذا الطائر؟
8/8/2012

لا أريد
أهواز! يا فرن الشياطين، لماذا أنت قاسية؛ كنتُ ضيفاً عليك ومازلتُ أحملني وتنكريني، وجدتني تحت المطر ذات مساء، أفتح أزرار قميصي دائرًا حولي، كتمت فيك أنفاسي ووجودي عرضيٌّ يبدو كأنني في مساء الغرباء، أقرأ كتابًا مبللاً وأتلوك على دمي أهواز، يا امرأةً فخارةً تعذبني في فرنها الحاد.
10/8/2012

أضغاثُ أحلام
أمّي تطرق البابَ، أمّي الميتة منذ مئة عامٍ، التي لم أرثْ منها سوى وسادة من ريش عصافيـر. معصوبة الرأس جاءت تنشد أنشودة، لمتسوَّل مشنوق على أغصان ليلى. حضنتني قائلة لماذا أنت هنا وحيدٌ في الرواق.
أنا أنتظرهم لأن يأتوا ويشاطروني كأسَ الغربة يا أمّي الحزينة.

هناك من يثرثر في رأسي
ماذا تريد مني يا امرؤ القيس، وهبتك الريح قدحًا فارغاً. هناك من يثرثر في رأسي ويطلب مني أن أزور كنيسة ًلم تذكرْها كتبٌ. كفي كرة أرضية، رحلت من كانت هنا تضحك معي وتدخن، من كانت تأتي بالشراب وتذهب بسُكري. تضحك وأنا أشتهي البط يزقزق مهاجرًا في طريق لا أجده في راحتي. الطرق تؤدي إلى الرقص، وكم البشر فقراء، لا يجيدون الرقص في الليل، والنهار ثرثارٌ لا يعرف كيف يبني عشه في جوار العصافيـر.
10/8/2012

حالة
فـتىً، يشحذ سكّينه، ظريفٌ على ضفة النَّهـْر؛ وجدتُني جالسًا أشاهد صيد السَّمَك وليس هناك من يصيد [دشداشة ترفرف، عشبٌ صامتٌ، رملٌ رقيق] يشحذ سكّينه القديمة عجوز؛ ثمَّ رأيتُ الذين رحلوا، يأتون من جهة الجسر وبين أيديهم آذانُهم المبتورة.
2/8/2012

كان بإمكانها
كان بإمكانها الريحُ أن تجمع القبورَ حول قبـرٍ واحد. مطويٌّ بي جسدي. لا مناص والكرسيُّ مطيتي. الفنجان يشاهدني حائرًا بين موسيقى عابد عازرية وصـوت نافذةٍ يقـول أن العصافيـر تشتم الريح فوق الشجرة، في ظهيـرةٍ كان بإمكانها أن تجمع بركَ البسيطة، حول أثر الخضـر.
31/8/2012

سـرقة
سرقتك العربُ
سرقتك الفُرس
أنت في هذا الليل
تنتظرين وصولَ ميَّتٍ
من مقبرةٍ بعيدةٍ
يحمل في فمه عقيقاً يمانيًّا.
سرقتك الضجة
سرقتك الكحول 
يا وحدتي البريئة.
16/10/2012

قصيدة قصيــرة
وجدتُ رأسي ملقى
على الوسادة
كرسالةٍ
من شخصٍ مجهـول.
22/10/2012

لا شيء بعد هذا
المذياعُ صامت؛ وأنت كذلك، لم تأت رسالة منك بعد، وهذا الجنديّ يموت ويحيا في الثكنات البعيدة. ثكنات تعوي فيها بناتُ آوي. سوف نلتقي فيما بعد، على سريرٍ أو في مقهى ، أو في مكانٍ يشبه معرض أزياء أو معرض رسمٍ لرسامٍ مجهول، ترك لوحاته على قارعة طريق. عما قليل، سيحدثني المذياع عما حدث على هذه اليابسة وأنت، كيف أنت، سأنتظر رسالة منك، في الثكنات البعيدة.
11/3/2013

سوف يعودون
لم أعد أسمع صوتك. الليل يأتي بأصوات العربات، تحمل مسافرين نائمين، بأصوات كلاب، بوقع خطى مهرّبين، يعبرون بالأحلام إلى بلدٍ مجاور. جدران بيتك عاليةٌ وكَرْمي يحلم بكؤوس مقدّسة. الليل يأتي بموسيقى بعيدة، بعيدة بعيدة بعيدة مثل أمي، وهادئة مثل الأعشاب في صحراء.
16/3/2013

نائمة
الكتبُ نائمة، إذًا، ما هذا الصوت؛ سيّارة، منتصف الليل، تطوي الشوارع؛ كلبٌ نائمٌ تحت الجسر الآن ولا وجود للأفق في هذه الوجهة. ضالٌ أنت، تحدق في المرآة، كنت قد خلعت كلّ ثيابك، كي تكون عاريًا أمام نفسك، وأن تختلي بالنافذة التي تراها للمرة الأولى. الكتبُ نائمة، وأنت سوف تنام، تنام، مثل مسافرٍ، مثل نزلٍ قديم، مثل قاطع طريقٍ ينام في حفرة.
16/3/2013

الكوب الصامت
أنت تعرف أنّ المدينة هذه ضيّقة بي؛ المدينة من صنع الأحلام، والبحـر لك كلّه، كنا ذهبنا، إلى ماوراء المياه، لولم تكن قد ظهرت أثناء الطريق، وطلبت منا أن نحفر في أعماق حلم، بحثًا عن امرأةٍ جيّدة. تضيق ــ قلتُ لكَ ــ هذه المدينة بي، وأنا مهاجـرٌ إلى ماوراء البحـر، حيث أنت زورقٌ تنتظرني، كي تذهبَ بي إلى مكانٍ تركناه، يا شبيهي وكابوسي الأعزل.
28/3/2013

أنت الأجمل
أنت الأجمل بين الموتى الذين يقطنون هنا، تأتي بسلةٍ فارغةٍ كلَّ مساء، وتقول ها قد أتيت إليك بالشمس؛ وفي الحديقة، ذات مرةٍ، أدركنا النعاس، وحلمنا، بأن التين جافٌّ والعنب، يقول للعين، "ياعيني تعالي نمرح"؛ وها أنت قد أتيت ثانيةً، كي تشفيني مما حلَّ بي في هذا المساء الطويل. حقاً أنت الأجمل بين الموتى.
30/3/2013

قلقي
قلقي يزداد أغصانًا، عندما تذهبون، وتتركون البيت وحده، أقلق على الأكواب، حين تنسى، وعلى العناكب، حين تمرض؛ وأزداد أنا، ولعًا بالشمس، تدخل عبر الكُوّة، كي أتسلى بها؛ وفي الليل، أشعر أن قريةً ما، تنقصف. أسترخي على الكنبة، فتأتي أرواحُ موتى، يهتفون، أن هذا التراب، لم يعد مستعدًا للإحتفاء بمهرجانهم، ولا بالساحرات العجائز.
30/3/2013

سلَّمْ
سلَّمْ على الشمس حين تغيب، سلَّمْ على دموع عجوز، فقدت يوم أمس بصرها الأزرق، سلَّمْ على ملك الزمان، وقلْ له نحن بخيـر؛ سلَّمْ على أمًّ تشاهد كيف يعدمُ ابنُها، سلَّمْ عليَّ أنثر رماد السجائر على روحي، سلَّمْ أيام الخميس، سلَّمْ على النفس التي نسمّيها امرأة، سلَّمْ على سلالم مكسورة العظام، سلَّمْ، وتعلّمْ كيف تسلَّمُ. سلَّمْ حين لا يردُّ أحدٌ عليك السلام. سلَّمْ على نفسك في مدينة تجهل، وشوارع تعرفك. سلَّمْ، حاولْ أن تسلَّم.
9/4/2013

يحدث حبٌّ
يحدث الحبُّ في مكانٍ بعيد، يحدث في خلاء، في معزلٍ عن الضاحكين، المؤمنين بالحياة، يحدث في الثكنات، وفي نقيق الماء. هل كنتَ، حين مررتُ عن تلك الأجداث، بقيّة جنون؛ وهل أتاك حديث المهرّب، حين سقط في قبرٍ جاهزٍ، وظنّ أنه ميّتٌ فعلاً؛ ربّما يحدث الحبُّ حين يمرّر عاشقٌ شفتيه على رقبة حبيبةٍ، أو عندما ينتقي من النهار شارعًا كي يغني عن سراديب، هلك فيها رحالةٌ مجهـول.
9/4/2013

يخاف
يقول أنه يخاف من العلوّ، يخاف أن يسقط عن الجسـر، ثمّ التقط صورةً من الماء وذهب مسرعًا، يأتي الآخـر يهتف أنني ثائرٌ على روحي، هل أنتم ثائرون، أيُّها العابرون، وحين لم يتلق إجابة، يذهب، وأنا أدخـن، مطأطيء الرأس إلى الماء، أقـول يا ليتني كنتك أنت أيُّها القارب ذاهبًا نحو غريقٍ جديد.
11/4/2013

رسائل
لا يقرأ الرسائل غير أمواتٍ قدامى، وموتى سوف يموتون من الحياة، الموتى الرائين، الضالّين مثلي في الشوارع. يقرأون أفقيًّا ما كتب كاتبٌ، وما همس في أذن قدح. قيل أن العنبكوت في البيت شؤمٌ، وكنت أنت العنكبوت في بيت؛ في بيتٍ بارد، في بيتٍ، لا تأتيه الرسائل على مدار حوْل. لا يقرأ هذه الرسائل، من كان يود لو يموت، أو من يود لو يحتفي بالليل كلَّه.
9/4/2013

لا تودّعْ
لا تودّعْ؛ لا تقلْ طاب مساؤك، فاللحظات الأخيـرة ممتازةٌ أبدًا وأنت تودّعْ، كما لو أنك لم ترني قربك. لم تر الذي فيَّ يحنُّ إليك. لا تودّعْ وكن الصنبور الهاذي في الليل، كن ناثر النجوم على وجهي اليتيم، ودعني أقلْ أنك لم ترني إن قلت مع السلامة. لا تودّعْ ودعني أستريح على سرير الألم.
10/4/2013

أحدهم
أحدُهم سيلبس البزّة العسكـريّة، وينأى عن ذاته، ويغادر؛ أحدُهم يفكـر بماءٍ أعمق كي يلقي بنفسه، ويعود للملكوت. أحدُهم يظنّ بأنه قطعةٌ مقضومة من شجـرة. أحدُهم نسي أمَّه المنتظرة على عتبة الباب، ونسي ذاته التي تحوّلت إلى فاكهة في حدائق بابل. الليل يسرق النوم من أحدٍ ويهديه لأحدٍ آخــر يعاني في طرف نائي، والليل يصمت، لأن الخضـر قد مرَّ من زقاق الكوابيس.
14/4/2013

* شاعر ومترجم





التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads