الرئيسية » » وصول الغرباء | أمجد ناصر

وصول الغرباء | أمجد ناصر

Written By هشام الصباحي on الأربعاء، 20 أغسطس 2014 | أغسطس 20, 2014

الغرباءُ الذين جاءوا من الضّفافِ الأخرى تمركزوا في قلاعٍ تُشرفُ على طرقِ البريد. فكَّر في أغرارٍ يترّصدونَ السّعاةَ في الأزقّةِ ويجبرونهم على الاعتراف بالمصادرِ الغامضةِ للعناوين.
فكَّر في عارضي الأحوالِ ومدبّجي الرسائلِ وهم يغطّونَ على دِككٍ خشبيّةٍ، وبين فينةٍ وأخرى يطلقونَ صبيانهم إلى أسواقِ الجملةِ لاصطيادِ فلاحينَ وبدوٍ ضلوا الطريقَ إلى دوائرِ العدل والاغاثة.

فكَّر في مدراءَ عموميينَ يتأففونَ من مراوحِ السقفِ وغيابِ الصلاحيات، يتنحنحونَ على كراسي دوارةٍ فيخفُّ إليهم متطوعون بالسكّر الفضيّ والزنجبيل، وفي ملفاتهم تجفُّ السّدودَ وتفرُّ القرى أمام جباةٍ فائقي الدهاء.
فكَّر في لصوصٍ ينتعلون أحذيةً من كتانٍ ويسّطونَ على ثكناتٍ غادرها الجُند إلى حروب التأديب وتطهير التلال من عُصاةٍ ألَّبوا النواحي على حاكم شُوهِدَ يتلصّصُ على نسوةٍ ينّتفّنَ شَعْرَ سيقانهنَّ بمعقودِ السُّكر.
فكَّر في أميرٍ نجا من مقتلةِ الأعوانِ ولّما استفاقَ رأى سيَّارة يحثّونَ غلاماً شاحباً على الغناء فروى لهم وقائعَ ليلةِ الجواري والسيوفِ التي لمعتْ في المرايا.

فكَّر في صديق قُتِلَ في شارعٍ جانبيٍّ على أيدي أشرارٍ أرادوا أن يؤكدوا للآخرين أنَّ صحيفةَ الصّباحِ تكفي لمواراةِ رجلٍ ميتٍ واُنَّ بكاءَ أمٍّ في بلدةٍ نائيةٍ ليس سوى بدعةٍ لم يَدْرُجْ عليها الأولون.

فكَّر في نهارٍ من النعّناع يقود موكباً من البُزّاق الأعمى إلى مجزرةٍ على أطراف الخضّرةِ، ونسّوةٍ يرمينَ مراييلهنَّ على الأرائكِ ويطّعمنَ أطفالهنَّ ثريدَ جيرانٍ أولموا لرجالٍ عادوا من مناسكَ مبهمةٍ في الوطن الأمّ.

فكَّر في قائدٍ اتكأَ على رمحه أربعينَ عاماً قبالةَ أعداءٍ تحجروا في سفحِ نظرته، ولما رأوا الطيرَ تأكلُ من عنقه استأنفوا الزحفَ على الدّساكر.

فكَّر في رجلٍ صالحٍ وصاحبهِ كلما مرَّا بقريةٍ انضمَّ إليهما أفَّاقونَ جعلوا أعزَّة أهِلها أذلَّةً وحيثما وجدوا مركباً ليتامى خَلَّعوه؛
ولمّا أشاحَ صاحبُه بوجههِ 
قال له 
ألمْ
أقلْ
لك
انك
لن
تطيق
معي
صبرا.

الغرباءُ الذين وصَلوا الليلَ بالنهارِ 
تمدَّدوا بين الشّراشفِ وأواني الضيوفِ
أعانوا السكَّانَ على أن يكونَ الأرقُ طويلاً،
بسجلاتٍ
ومعدّاتٍ
وخرائطَ
مسحوا حليبَ الصباحِ العالقِ بشفاههم وفكَّروا في أُناس يبشّونَ لهم عندما يلتقونَ، وما أن يولّوا وجوهَهم حتى ينهالوا على بهائمهم بالعصيِّ.

لندن ـ آب 1987


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads