زازا
أنا وحدي في البيدِ حيرانُ هائمْ | فمتى تذكرُ القفارُ الغمائمْ |
رحمةً يا سماء إن فمي جفّ | وحلقي عن المواردِ صائمْ |
غاض نبع المُنى ولم يبقَ حتى | ومضة الحلم في محاجر نائمْ |
أيها الطاعم الكرى ملء جفنيك | وجفني من الكرى غيرُ طاعمْ |
أَبكني واستبِد بي واقضِ ما شاء | لك الحسنُ فيَّ وظلِمْ وخاصمْ |
غير هذا النوى فإن لياليه | ظلالٌ من المنايا حوائمْ |
تضمحلُّ الحياةُ فيه وتنهدُّ | كأن النهارَ معْولُ هادمْ |
لا تكلْني لذلك الأبد الأسود | في قاع مُزبدِ اللُّج قاتمْ |
لا تكلني لِهُوَّة تعصف الأشباحُ | في جوفها وتعوي السمائمْ |
لا تكلْني إلى جناحِ عُقابٍ | في ضلوعي محَلِّق الرعبِ جاثمْ |
لا تكلْني إلى جناحِ عُقابٍ | في ضلوعي محَلِّق الرعبِ جاثمْ |
لا تكلْني لضائع في حنايا | ها غريب في مهمهٍ من طلاسمْ |
يسأل الزهرُ والخمائلُ والأنْوارُ | عن تِربها الضحوك الباسمْ |
ذاق ما ذاق في الصبابة إلا | ذبحة الروح وانفصال التوائمْ |
إن تَعُدْ محسناً إليّ فعُد بي | للعهود المقدسات الكرائمْ |
وإذا ما رأيتَ عزميَ ينهارُ | فثِّبتْ بالذكريات الدعائمْ |
جئتني في الخريف والروضُ عارٍ | فكسوتَ الربى عذارى البراعمْ |
وأجال الربيع أخضرَ كفّيهِ | ليمحو اصفرارَه المتراكمْ |
رحلة للنجوم لم تك أوهاماً | وبعضُ النعيمِ أوهامُ حالمْ |
آه كم ليلة أراجع أيامي | أعُدُّ العُلى وأُحصي العظائمْ |
وحسبت الخسران فيها فكان | الغبنُ عندي زمانيَ المتقادمْ |
قبل أن نلتقي فلما تلاقينا | عرفت الغنى وذقت المغانمْ |
حيثما أغتدي فإن الدراري | ملءُ روحي وفي خيالي بواسمْ |
إن أبتْ جائعاً فثمّة زادي | أو أبتْ معسراً فثمَّ الدراهمْ |
وعجيبٌ قد كنت لي حسد الحساد | فيها وكنت أنت التمائمْ |
بالذي صنتُ عهدَه لم أخنْهُ | ومتى خانتِ الأكفُّ المعاصمْ؟ |
والذي حكمه كأقدار عينك | فما منهما ولا منه عاصمْ |
أيُّ صوتٍ من الغيوب يناديني | فأطوي له الدُّنى والمعالمْ |
قدر مشعلٌ على شفةٍ تدعو | فأخطو على اللظى غيرَ نادمْ |
وفؤادي يحومُ بالنار لا يحفل | أني على المنيَّة حائمْ |
الهوى مصرعي وكم من حِمامٍ | كان باباً إلى الخلود الدائمْ |
وطريقاً من الأسنّةِ والشوكِ | روتْ أرضَه الدموعُ السواجمْ |
شهد اللهُ ما قضيتُ الليالي | ناعمَ الجنب فوق مهدٍ ناغمْ |
أيُّ جَيشيك مغرقي ليلي الطاغي | أم الشوق وحدهُ وهو عارم؟ |
آهِ مِن رُبما ومن أملٍ يُمْسكُ | نفسي رجاء يومٍ قادم |
قد تجيءُ الأنباءُ من شاطئ النيل | غداً والمبشراتُ النسائمْ |
وتكونُ النجاةُ في القمر الساري | على زورقٍ من النورِ حالمْ |