رحلة
إبراهيم ناجينقلتُ حياتي والحياة بنا تجري | من الحلمِ المعسولِ للواقعِ المرِّ |
فيا منتهى فنّي إلى منتهى الهوى | على ذروةٍ بيضاءَ في النور والطهرِ |
عرفتك عرفان السماء ولم تكنْ | سوى همسات النجم ما جال في صدري |
وغامت خطوطُ السفحِ حتى نسيتها | وحتى توارى السفح من عالم الذكر |
وفي القممِ الشّمّاءِ حلّقتُ حائماً | وأنبتَ في أعلى شواهقها وكري |
ولم يبقَ إلا أنت والجنَّةُ التي | زرعنا وكلّلّنا بيانعة الزهرِ |
ولم يبقَ إلا أنت والنسمةُ التي | تهبُّ من الفردوسِ مسكيَّةَ النشرِ |
ولم يبقَ إلا أنت والزورقُ الذي | ترنَّحَ منساباً على صفحة النهرِ |
فيا منتهى مجدي إلى منتهى الغنى | غنىَ الروحِ بعد الضّنكِ والذلِّ والفقرِ |
أعيذك أن أغدو على صخرة لَقىً | وكنتِ مِجَنّي في مقارعةِ الصخرِ |
أعيذك بعد التاجِ والعرشِ والذي | تألَّقَ من ماسٍ وشعشع من تبرِ |
أعيذك من ردّي إلى سَفهِ الثرى | وحِطَّتِه بين الأكاذيبِ والغدرِ |
أعيذكِ أن تنسي ومن بات ناسياً | هواه فأحرى بالنهى عقم الفكرِ |
فيا لك من حلمٍٍ عجيب ورحلةٍ | تعدَّتْ نطاقُ الحلمِ للأنجمِ الزُّهرِ |
ويا لك من يومٍ غريب وليلةٍ | عَفَتْ وغفتْ عن ظلمِ روحين في أسر |
ويا لك من ركن خَفِيٍّ وعالمٍ | خَفِيٍّ غنيٍّ بالمفاتنِ والسحرِ |
ويا لك من أفقٍ مديد ومولد | جديد لقلبينا ويا لك من فجرِ |
عرفتك عرفان النهار لمقلةٍ | مخضّبةِ الأحلام حالكةِ الذعرِ |
رأت بك روحَ الفجرِ حين تبيّنتْ | بياض الأماني في أشعّتِهِ الحُمرِ |
بيَ الجرحُ جرحُ الكونِ من قبل آدمٍ | تغلغلَ في الأرواحِ يَدْمي ويستشري |
تولّتهُ بالإحسانِ كفٌّ كريمةٌ | مقدّسةُ الحسنى مباركةُ السرِّ |
فإن عدتُ وحدي بعد رحلتِنا معاً | شريداً على الدنيا ذليلاً على الدهرِ |
رجعت بجرحي فاغرَ الفمِ دامياً | أداريه في صمتٍ وما أحد يدري |
هو العيشُ فيه الصبرُ كاليأس تارةً | إذا انهارت الآمالُ واليأسُ كالصبرِ |
عرفتكِ كالمحرابِ قدساً وروعةً | وكنتِ صلاةَ القلبِ في السرِّ والجهرِ |
وقد كان قيدي قيدَ حبِّكِ وحدَةُ | أنا المرءُ لم أخضعْ لنهيٍ ولا أمرِ |
وأعجبُ شيء في الهوى قيدُكِ الذي | رضيتُ به صِنْواً لإيماني الحرِّ |
بَرمْتُ بأوضاعِ الورى كل أمرهمْ | وسيلةُ محتاجٍ ومسعاةُ مضطرِّ |
برمتُ بأوضاعِ الورى ليس بينهمْ | وشائج لم توصَلْ لغايٍ ولا أمرِ |
إذا كان ما استنُّوا وما شرعوا القِلى | فذلك شرعُ الطينِ والحمَإِ المَزرى |
تمردتُ لا أُلوي على ما تعوّدوا | ونفسي بهذا الشرعِ عارمةُ الكفرِ |
وهبْ ملَكي الغالي الكريمَ وحارسي | تخلى فما عذرُ الوفاءِ وما عذري؟ |
عشقتُكِ لا أدري لحبيَ مبدءاً | ولا منتهى حسْبي بحبِّكِ أن أدري |
إذا شئتِ هجراناً فما أتعس المدى | من النورِ للّيل المخيِّمِ للحشرِ! |