ملحمة السراب
(1)
| |
... | ... |
كيف للنازح الحبيبِ ارتحالي | وجناحاي السقم والبرحاءُ |
ادركي زورقي فقد عبث اليم | به والعواصف الهوجاءُ |
أفق لا يحد للعين قد ضاق | فأمسى والسجن هذا الفضاءُ |
عجبي من ترقبي ما الذي أرجو | ولما يعدْ لقلبي رجاء |
التقينا كما التقى بعد تطوافٍ | على القفر في السرى انضاءُ |
في ذراعي أو ذراعيك أمن | وسلامٌ ورحمةٌ ونجاءُ |
كم أناديك في التنائي فترتد | بلا مغنم ليَ الا صداء |
وأناديك في التداني وما أطمع | إلا أن يستجاب النداءُ |
لفظة لاتبين تنطلق الأقدارُ | عن قوسها ويرمي القضاءُ |
وهي في الطرس قصةٌ تذكر الأحبابُ | فيها وتحشد الأنباءُ |
فقليلٌ من السعادةِ لا يكمل | فيه ولا يطولُ الهناءُ |
ما بقائي وأجمل العمر ولّى | وانتظاري حتى يحين الشتاءُ |
وبنفسي دب المساءُ وحل الليل | من قبل أن يحين المساءُ |
ولك الوجه أومض الحسنُ فيه | والتقى السحرُ عنده والذكاءُ |
ولك الجيد أتلعا أودع الصانعِ | فيه من قدرة ما يشاءُ |
وأنا الطائر الذي تصطبي نفسي | السماوات والذرى الشماءُ |
مرحباً بالهوى الكبير، فإن يبقَ | وإن تسلمي يطبْ لي البقاءُ |
مرّ يومي كأمسِه مسرحاً تعرض | فيه الحياةُ والأحياءُ |
لم يحلْ طبعه ولا ذات يوم | لبست غير نفسها حواءُ |
والحطامُ الفاني عليه اقتتالٌ | والأماني بريقُها إغراءُ |
والغيوبُ المحجباتُ رحابٌ | تعبت في رموزها الحكماءُ |
مرّ يومي كأمسه وأتى ليلٌ | بهيج تزف فيه السماءُ |
لم تزل تسكب السلاف وللأقـ | ـداحِ فيها تجددٌ وامتلاءُ |
غير نجم في جانب الليل يقظان، | له روعة بها وجلاءُ |
كم أغنِّيهِ بالحنين كما غنت | على فرعِ غصنها الورقاءُ |
موقداً للغريب نار ضلوعي | فعسى للغريب فيها اهتداءُ... |
بالذي فيك من سنا لا تدعني | فيم هذا المطال والإبطاءُ |
وانتهى بعدك الجميلُ فلا فضلٌ | لمسدٍّ ولا يدٌ بيضاءُ |
حسنات كانت يد الدهر عندي | فانطوت بانطوائك الآلاءُ |
(2)
| |
... | ... |
جفا الربيعُ ليالينا وغادرها | وأقفر الروضُ لا ظل ولا ماءُ |
ولا لطائر قلبٍ أن يقر ولا | لمركب فزع في الشط إرساءُ! |
خرساء آونة هوجاء آونة | وليس تخدع ظني وهي خرساءُ |
أأنتِ ناديتِ أم صوتٌ يخيل لي | فلي إليكِ بإذن الوهم إصغاءُ |
تفرق الناس حول الشط واجتمعوا | لهم به صخبٌ عالٍ وضوضاءُ |
هم الورى قبل إفسادِ الزمان لهم | وقبل أن تتحدّى الحبَّ بغضاءُ |
تألقتْ شمسُ ذاك اليوم واضطرمت | كأنها شعلٌ في الأفْقِ حمراءُ |
ما لي بهم، أنت لي الدنيا بأجمعها | وما وعت ولقلبي منك إغناءُ |
أرنو إليك وبي خوفٌ يساورني | وانثني ولطرفي عنك إغفاءُ |
وأيما لفظة فالريحُ ناقلةٌ | والشطُّ حاكٍ لها والأفقُ أصداءُ |
لما أفقنا رأينا الشمسَ مائلةً | إلى المغيب وما للبين إرجاءُ |
مشى لها شفقٌ دامٍ فخضبها | كأنه في ذيولِ الشعرِ جِناءُ |
ومن تنفست حر الوجد في فمه | فما ارتويت وهذا الري إظماءُ |
*** | *** |
السراب في السجن
| |
يا سجين الحياة أين الفرارُ | أوصد الليلُ بابه والنهارُ |
والتعلات من هوى وشباب | قصة مسدلٌ عليها الستارُ |
طال ليلُ الغريب وامتنع الغمض | وفي المضجع الغضا والنارُ |
عشتُ حتى أرى خمائلَ حبي | تتهاوي كشامخ ينهارُ |
ما انتفاع الفتى بموحش عيشٍ | بقيَتْ كأسُه وطاح العقارُ |
ما انتفاعي وتلك قافلة العيش | وفي ركبها اللظى والدمارُ |
وذراعيَّ في انتظارٍ، وصدري | فيه بالضيف فرحةٌ واحتفاءُ |
موقداً للغريب نار ضلوعي | فعسى للغريب فيها اهتداءُ... |
لمَ خليتني وباعدت مسراك | ومالي إلى ذراك ارتقاءُ |
بالذي فيك من سنا لا تدعني | فيم هذا المطال والإبطاءُ |
ما تراني وقد ذهبت بحظي | اخطأتني من بعدك النعماءُ |
وانتهى بعدك الجميلُ فلا فضلٌ | لمسدٍّ ولا يدٌ بيضاءُ |
ومشى الحسن في ركابك والإحسان | طراً والغرة السمحاءُ |
حسنات كانت يد الدهر عندي | فانطوت بانطوائك الآلاءُ |
(2)
| |
السراب على البحر
| |
لا القوم راحوا بأخبارٍ ولا جاؤوا | ولا لقلبك عن ليلاك أنباءُ، |
جفا الربيعُ ليالينا وغادرها | وأقفر الروضُ لا ظل ولا ماءُ |
يا شافي الداء قد أودى بي الداءُ | أما لذا الظمأ القتال إرواءُ |
ولا لطائر قلبٍ أن يقر ولا | لمركب فزع في الشط إرساءُ! |
عندي سماء شتاءٍ غير ممطرةٍ | سوداء في جنبات النفسِ جرداءُ |
خرساء آونة هوجاء آونة | وليس تخدع ظني وهي خرساءُ |
وكيف تخدعني البيداءُ غافية | وللسوافي على البيداء إغفاء |
أأنتِ ناديتِ أم صوتٌ يخيل لي | فلي إليكِ بإذن الوهم إصغاءُ |
لبيكِ لو عند روحي ما تطير به | وكيف ينهضُ بالمجروحِ إعياءُ |
تفرق الناس حول الشط واجتمعوا | لهم به صخبٌ عالٍ وضوضاءُ |
وآخرون كسالى في أماكنِهم | كأنهمْ في رمال الشط أنضاءُ |
هم الورى قبل إفسادِ الزمان لهم | وقبل أن تتحدّى الحبَّ بغضاءُ |
ضاقت نفوسٌ باحقادٍ ولو سلمت | فإنها كسماء البحر روحاءُ... |
تألقتْ شمسُ ذاك اليوم واضطرمت | كأنها شعلٌ في الأفْقِ حمراءُ |
طابت من الظل، ظل القلب ناحيةٌ | لنا، وقد صَلِيَتْ بالحرِّ أنحاءُ |
ما لي بهم، أنت لي الدنيا بأجمعها | وما وعت ولقلبي منك إغناءُ |
لو أنه أبدٌ ما زاد عن سنةٍ | ومدةُ الحلم بالجفنين إغفاءُ |
أرنو إليك وبي خوفٌ يساورني | وانثني ولطرفي عنك إغفاءُ |
إذا نطقت فما بالقول منتفعٌ | وان سكت فإن الصمتَ افشاءُ |
وأيما لفظة فالريحُ ناقلةٌ | والشطُّ حاكٍ لها والأفقُ أصداءُ |
يا ليل من علم الأطيارَ قصتنا | وكيف تدري الصبا أنا أحِباءُ |
لما أفقنا رأينا الشمسَ مائلةً | إلى المغيب وما للبين إرجاءُ |
شابت ذوائبُ، وانحلت غدائَرُها | شهباء في ساعة التوديع صفراءُ |
مشى لها شفقٌ دامٍ فخضبها | كأنه في ذيولِ الشعرِ جِناءُ |
يا من تنفس حر الوجد في عنقي | كما تنفس في الأقداح صهباءُ |
ومن تنفست حر الوجد في فمه | فما ارتويت وهذا الري إظماءُ |
ما أنت عن خاطري بالبعد مبتعد | ولن تواريك عن عينيّ ظلماءُ.. |
(3)
| |
السراب في السجن
| |
يا سجين الحياة أين الفرارُ | أوصد الليلُ بابه والنهارُ |
فلمنْ لفتةٌ وفيم ارتقابٌ | ليس بعد الذي انتظرت انتظارُ |
والتعلات من هوى وشباب | قصة مسدلٌ عليها الستارُ |
ما الذي يبتغي العليلُ المسجَّى | قد تولى العوادُ والسمارُ |
طال ليلُ الغريب وامتنع الغمض | وفي المضجع الغضا والنارُ |
وهَب السجنُ بابه صار حرا | لكَ لا حائل ولا أسوارُ |
وعفا القيدُ عنك كفاً وساقاً | فإذا الأرض كلها لك دارُ |
أين أين الرحيل والتسيار | بعدت شقة وشط مزار |
والخطى المثقلاتُ باليأس أغلالٌ | لساقيك والمشيبُ عثارُ |
ما انتفاع الفتى إذا عفت الجنة | واجتاح دوحَها الأعصارُ |
عشتُ حتى أرى خمائلَ حبي | تتهاوي كشامخ ينهارُ |
تحت عيني ويذبل الحسنُ فيها | ويموتُ الربيعُ والأنوارُ |
ما انتفاع الفتى بموحش عيشٍ | بقيَتْ كأسُه وطاح العقارُ |
وبقاء البساط بعد الندامي | كأس سم بها يدور البوارُ |
ما انتفاعي وتلك قافلة العيش | وفي ركبها اللظى والدمارُ |
الدمار الرهيب والعدم الشامل | واللفحُ والضنى والأوارُ |
يا ديار الحبيب هل كان حلما | ملتقى دون موعد يا ديارُ؟ |
يا عزيز الجنى عليك سلام | كيف جادت بقربك الأقدار |
بورك الكرم والقطوف واوقات | كأن العناقَ فيها اعتصارُ |
كلما أطلقتك كفي استردتك | كما يحفز الغريم الثارُ |