فليبارك الله الحكمة في الصمت إلا عن فيض الجميل. وليزح عني ما يؤلمني من آلام
أصدقائي. وليزح عنهم غمام العذابات التي يمطرنا بها بنو جنسنا كل يوم، فيلهينا
التوجع عن النظر للكون الفسيح بعظمته وجمال تكوينه ودقة تناغمه.
سأبدأ بقلبي الذي يدق إيقاعه في كامل البدن. هذا الكائن ينبض لأن له قلب. ولأن موسيقاه تسري مع الدم في العروق. ولأن الزمن يعلن عن لحظته الأبدية فيه بتكرار واستمرار.
ثم هذا التنفس الذي يبارك الإيقاع بحياة تدب في الأوصال. هذا الخارجي اللا مرئي
الذي يُدعى هواء. لا حياة لهذا القلب بدونه. إنها خزانة الأسرار هذا القفص
الصدري. كنز. ياقوتة تتوسد سحابتين من مرجان. وأم كلثوم تغني: أولى بهذا القلب
أن يخفقَ. أي تداعٍ هذا الذي يحتضن اللحظة!
سأبدأ بصدر ذي قفص، ولن أنسى العظام، عظام الأضلع الحانية القوية كيدين
تحتضنان جوهرة وليدة بين وسادتيها تؤمنان لها هواءها وتمنعان عنها تطفل بقية
الأعضاء.
من الداخل للخارج يفيض جمال الجميل الذي أودعه ما خلق. إنها أغنية. أغنية
تنسجم معها حركات الكواكب الراقصة في مداراتها حول شموسها بلا انقطاع، كذا
حركات الخلايا والذرات. لولا الفراغ الذي بينها يتجاذبها لما رقصت. لما تباعدت
وتقاربت وتشابكت وتفككت. الفراغ موسيقى لازمة كالصمت بين نبضتين من إيقاع
القلب،كالوقفة بين شهيق وزفير. فراغٌ متحرك وباني للحركة بين كل شيء ونفسه.
فراغ جميل وتام هو كل ما هنالك ويحتجب ويتجلى سيان عبر الصور.
