الرئيسية » , » نصوص لا علاقة لها بالأمر | خالد جمعة | العدد السابع عشر | كتاب الشعر

نصوص لا علاقة لها بالأمر | خالد جمعة | العدد السابع عشر | كتاب الشعر

Written By غير معرف on الجمعة، 29 مارس 2013 | مارس 29, 2013




 نصوص لا علاقة لها بالأمر | خالد جمعة | العدد السابع عشر | كتاب الشعر 




اسم الكتاب: نصوص لا علاقة لها بالأمر
الكاتب: خالد جمعة
التصنيف: شعر
الغلاف: إبراهيم المزين
القطع: 16.5X18.5 سم
الناشر: وزارة الثقافة الفلسطينية ـ غزة
الطبعة الأولى: 1999



أعرفُ الآن

لم أعرف أن كل هذا الحنين يضجُّ في أوردتي مقاتلاً عنيداً يشبه الرسل الذين يموتون من أجل من يحبون. لم أعرف أن عينيك كانتا تخدعان الأزمنة الصغيرة كي تحرقا قدرتي على النوم دون ابتسامةٍ تؤجل فكرة الموت التي تطاردني. لم أعرف أن النساء اللواتي مرَرْنَ كالجيوش على الذاكرة التعبى لم يكنَّ غير ظلالٍ هامشيّةٍ لصوتكِ الذي يذبح الكتابةَ على أشجارها. لم أعرف أن البلادَ كانت بانتظار معجزةٍ تثبت أنها دون روحٍ كما يجبُ. لم أعرف أن لدي القدرة على التوحُّدِ حتى الموت في عيونٍ تصطادُ المعاني قبل اشتعالها في عيونِ مبدعِها. أعرفُ الآن أنني متعب من الأمكنةِ الصامتة. أعرف أن جنوني الذي لم تختبره امرأة كان ينتظر  الوجه الذي يجبر الملاك الصغير على العصيان. هذا جنوني وحدي. وهذه الوحدي تمزق المرايا والحقائق.

أعرفُ هذا الحزن الصغير
كم عبأتُه في وجهٍ يجرُّ الذاكرةَ من شعرها. فارداً شهوته العميقة على طرقي. تنمو لغة عينيكِ ببطءٍ في أقبيتي الصغيرة. هذي العيون التي سحبت أعواماً من خاصرتي وهي بعدُ لم تدرك أن الطفولةَ حين أجّرت لعبتها إنما كانت تكسب الوقت كي تأتي إليَّ كاملةً بوجهٍ إلهيٍّ لا يصلحُ إلا لعاشقٍ يكتبُ صمته في ذات العيون قبل أن ترى كتابته.

أيُ ليلٍ يمرُّ سارقاً أشجاري. معرّياً نقمتي على الدنيا. أكتبُ أن العالم خرج من جلد السواد واقترب ضاحكاً. ضاحكاً. جميلاً. أغني لميلاد لحظة التفاؤلِ تلك. ناسياً أن ليلَ الغيابِ يراقصُ اللحظةَ منذ انبعاثها. شيءٌ يردد الأغنيةَ ويحاولُ أن يرسمَ تفاصيلكِ بمزيدٍ من الوضوحِ القاسي. تنامين على ساعدٍ أجهدته الكتابةُ والغيوم.

أتبرّأُ من همجيّةٍ رصَدت فراغ روحي في ليل المسافات إلى العاشقات الأقل حظاً. بينما  تدورُ جغرافيا  الجسد في حيّزٍ باهتٍ دون جغرافيا. أيتها  البلادُ المنسولةُ من صخب القصص الصغيرة. إني أجرُّ كلماتي التي أطلقتُها بعدوانيةِ الشعراء. أقبّلُ كفّيك وهي تحتضن هذي العائدة من رموزي الأولى.

وأنتِ أيتها السيدةُ التي تحملُ القلبَ فوق ابتسامتها التي لم تعلن أسرارها في ليل المدينة التي بلا ابتسامةٍ صغيرة. أنت أيتها الموقوتة بالقصيدة الحافية. أيتها الناهضة من فولاذ المراحل. ألم يقتلك الوداع بعد. أين أخبئ ارتجافتي من صورةٍ على جدار الروح التي أكَلَتها ذكريات الغواية. وهل تتقمصين المجدلية كي أستطيعَ إيجاد الصليب.

أجرُّ أعوامي الثلاثين. أستنشقُ ما يرتخي في عضلات الذاكرة. ترفضين الرحيل عنها. أزرع جسدي مرغماً في تربة النوم محترقا بيقظتي الهامشية. أقرأ نصوصاً غامرتُ قبل اكتشاف أنها أعدّت لك قبل أن تستيقظ الأوقات القليلة التي كنتِ فيها في دائرةِ المعنى. أيُّ معنىً أبقتهُ الشوارعُ لعابرٍ يذكرُ حتى عدد الذين مروا قربك في الشارع الذي عبرناه صدفة. لم أمسك الناي من أنّاته. أمسكتُ صوتكِ وصورةً أعدّتها المرافئ القديمةُ لنا.

لم أومن بعد ـ ولا أعتقد أنني سأومن ـ بأن الله لم يخططكِ لي كما ينبغي لإله. الصور الحزينة التي شدها صوتك من غشاوتها لم تول تفرض ليلها على الذاكرة أكثر مما لها من قدرةٍ حقيقيةٍ على ذلك. لعلنا الصدفة التي لا تؤهل للالتحام أو للنسيان.

لعلي لم أعد متمكناً من الصلاةِ على قبور أحبتي كما يحبون. جميعهم أحبوا صلاتي في وجع ذكرياتي البائسة. جميعهم يتذكرون أني صنعت لهم مراياهم من بداياتي المسالمة. وجميعهم كانوا ينتظرون أن تأتي كي يعرفوا تلك التي يكتبها شاعر قبل ميلادها. وربما حتى قبل ميلاده. الجنون له لغة يعرفها الفاقدون لأسماء لا تدل على أصحابها. العبث أيضاً له لغة منحوتة من كلام الكهوف في شتاءات الحزن.
أية أحزان سيردها الميتون لنا وقد أغلقنا غاباتنا في وجه أشجارهم. ألبس الحكاية ميتة ميتة. فيما أحاول التلصص كي أعرف ما تقوله القهوة في حصارها الطويل. تحاصر القهوة القصائد التي تدمرها جوازات السفر. بينما ألعب في مساحة لا جغرافيا تحكم صمتها أو سكوتها.

ترافقني فكرة الموت التي ترصدينها على النافذة التي بلا لون واضح. لا أعرف الفكرة من وراء صنع النوافذ التي تطل على المشاعل التي نريد تضليل ذواتنا قائلين أننا لا نملكها.

كيف يمكن لقلب نشفته النبوءات الكاذبة أن يعشق في نهم كل هذا السفر الذي لم يفقس غير لونه الواحد في كل المرايا.

أعرف الآن لماذا يهجر الناس الجزر.
هذا أنا آتي كاملاً على نعشي التلاميذي الصغير. أحرز انتصاراً على رصيف فارغ فيما أعرف حجم الهزيمة التي تنتظر على مقربة من ثانيتين فقط.

(وحدي تمارس عنادها وتكسرني)

أعرف الآن لماذا يخالف الورد أحياناً من الناظرين. وأشتهي بطلاً يسكنني كي أفك عن وجهك الحزين غلالته المنسية في عينيك. يعصرني أن البلاد عريقة في ارتشاف أبنائها الجميلين. أبناؤها الذين يحبونها أكثر حين تفككهم إلى يأس وقصائد.

أعرف الآن من أين يأتي الحزن بقدرته عليك. وأعرف أكثر لماذا تؤجلين موتك وتشترطين على الدنيا وحدتك.

لم ينتبه فارسك المهادن أنك أجمل من أمر السماء. لم يصدق أوجاعك التي لم ترسميها صراحة فوق كفه التي لوحت بالوداع. الأشجار كلها تشاهد هواءك يتسلل نفسا نفسا. بينما لا صراخ يفتح القبلة أمام عاشقة كي تحبس الريح بين فكرتين ناضجتين. أي نضوج ينسمي لقلبي جرحه. يعطيك شرعية الآلهة التي لا تفكر بغير الضحكات الصغيرة على الوجوه التي فقدت نصفها.

أعرف الآن كم وردة علي أن أجفف عرق الندى عن لونها كي تصلح تحية صباح عادي لعينيك.

أموت مرتين كلما مرت عيناك تقاتلان ذاكرتي العنيدة. تفضحان نيتي التي تحاول الاختباء- وتفشل- حين تمتد نظراتك إلى المطلق الذي يذبح فكرتي. فيما أبحث بين جراحها عني فوجدتك. كان الوطن بين يديك واضحاً وكان لهاثي يردد أنفاسك ممتشقاً خيوله كُلها.

كنت أعيد انتباهة الروح إلى أولها المخملي. فيما اكتشافات غريبة ترسم العالم من جديد بلغة كأن القلب لم ينطقها ولم تكتبه.

أيتها العينان اللغة. أعرف الآن كل مفردة تقاتلني ليلاً كي ترد القلب عن انتحاره القريب. أعرف أن علي أن أعيد هيكلة القلب كي يناسب الجرح الذي يملأ تفاصيله حين تبكي الملائكة في عينيك اللتين من سفر طويل.

لم أعرف من أين ستأتين إلى القلب مثل دم قطرته الدموع. كان الجرح يحرس بوابة الذاكرة. فيما جئت كي تقطفي وردة النسيان من سرها الجنائزي. كي تعلني أنك نرجسة الشاعر دون انتظار وجهه الذي ولاه صوب قبلة لم يعلنها الله.

كم مرة علي الاعتذار لهذا القلب. كم مرة أقول له أنك تماثلت للخروج من جهنمه الباردة. كم مرة أسمي الروح باسمك فيما النوافذ في الصدر تطل على حزنك النابض بالكبرياء.

أعرف الآن أنك رحلتي التي أنجزها القلب في صراخه الطويل. تلك المرآة التي لا يخجل الجسد النحيل أمامها حين يقترف أمنيته الوحيدة. المرآة التي ترسم موتي على صدرك أكثر رومانسية من أية حياة لا تحمل انطلاقات وجهك النبي.

وأية حياة تلك التي لا استثناء فيها.

أغلق ذاكرتي عليك مدرباً قلبي على التقاط همستك الصغيرة. يأتي الصباح منتشيا حين يحمل فكرة رؤيتك.

أحرق الطرق التي تؤدي إلى غير عينيك. أحرق صور النساء كلها. فيما أشتهي ترديد اسمك كلما لامست الهواء.

أحس أن للعشق مطر. وأنني صحراء المدى.

يا امرأة تمضع القلب بعينيها كلما توترت أحلامها. يا امرأة تخونها الذكريات على مرأى مني. يا امرأة لا تعرف أنني منهاجها الأبدي، أني وجهها الذي ضاع في الحكايات التي روتها الجدة. يا امرأة لم تعرف بعد أني نبيها الربان:
أعرف الآن أنك حبيبتي


7 أيام لنهايةٍ ما


اليوم الأول
وكان السيد منغلقاً على رمز فاشل، تكشفه النسوة اللواتي يغسلن أقدامهن من أجل الميلاد عند رصيف الشيوخ، ولم يكن يدري أية قافلة نهبتها الريح وهو مشغول بجدائله البيضاء، قال السيد كلمته ولم تحدث المعجزة، فاجأه إحساس بأن العالم في روحه يكاد يختنق، توسد ذراع جاريته المفضلة، ونام.

اليوم الثاني
في ليل عينيها كان تسبح جغرافيا، جميع البلاد حاصرت لونها الغريب، جمعوا الكتب في ساحة معدة للشنق وأشعلوا فيها سخريتهم، وكافحت هي من أجل الوردة المرسومة في الكتاب، عيناها تضاءل النور فيهما خلقت منبراً كي تفشي كلماتها، الصدى تضاءل والنيران اقتربت، كنا جميعاً نشاهدها وهي تحترق جملةً جملةْ. لكني الوحيد الذي شاهد كيف خرجت من تحت النار معافاةً تماماً كالأنبياء.

اليوم الثالث
الشوارع تضج بخطوطها التي لم يرتبها أحد، الطوابير التي تنتظر الإشارة كي تعلن عن أخضرها، لم يعد لها قدرة الصبر التي اعتادتها، نزلت من فوق الأرصفة سحابتان جميلتان. ركض الأطفال خلفهما، والأمهات كذلك. لم أفهم كيف كانت العربات تمر من خلال الناس، والناس من خلال العربات، بينما لا أحد يصرخ معلناً أن هناك قتيل مال.

اليوم الرابع
اشترط السيد صحناً كبيراً من اللحم كي يعيد ترتيب الأزقة وفق خانات موجودة سلفاً، الفتيات لبين شرطه رغم معارضة آبائهن وإخوانهن الأطفال، وبعد أن أتم السيد صحنه، لفت نظر الفتيات شيء ندمن عليه.. كان السيد يطعم طوال الوقت- طلبه وصديقته.

اليوم الخامس
رخام في كل الشوارع، ينبئ عن جديد هذه المدينة، الجميع أمسكوا رسالاتهم وضموها إلى تاريخٍ يرضي السيد، بينما السيد فارغ من هداياهم، كاد الاحتفال يجرهم إلى صراحة مات من أجلها سبعون شهيداً، لكن الحراس المدربين على خطوات المدعوين كانوا أكثر سرعة، مزقوا الدعوات والحاضرين، وما كان المشهد الأخير في الحفل غير وجه السيد وهو يبتسم ويوزع رؤوس المدعوين على الحراس.

اليوم السادس
نفض الولد الذي يدعي الجرأة العيون عن ملابسه، ودخل حضرة لم يشعلها غير شموع النادبات، أطفأ كل الشموع، أذابها في شمعة واحدة، وأشعلها من حنين أكثرهن بكاء، أضاءت الشمعة أرجاء الشارع، ضحك الولد وهو يرى العتمة هاربة مثل نجم فاجأته الشمس وهو يستحم بين ثديي القمر.

اليوم السابع
كذب الراوي، لم يحصل على بادرة واحدة من نهاية كان ينتظرها منجم السيد ثم قتله، البنت الوحيدة التي لم يأمر بقتلها كانت بالصدفة ابنته، تلكأ وهو يظن أن المنجم لم يعرف جيداً كيف يصل إلى قلبه، كان يجب أن يتنبأ له بما يريد. لكن المنجم غبي والذي لم يكن في حساب السيد أو ابنته أن المنجم لم يكن غبياً، ولم يكن ميتاً.
فقط ـ متعمداً ـ أخطأ في يوم واحد.

اعترافات رجل شرقي

لا ورد عندي كي أكمل باقة العرس، لا نبي يسكنني لأعيد صياغة قرآن الشرق فأملأ عينيك صهيلاً ومعجزات، لست إلهاً ليتوسدني حلمك في الصلاة ممتطياً صهوة الدعاء الحزن البهي كالغيوم، المومياء التي تسكن الفواصل ضمات اللغة ونحوها الذي تكسر دون عاصفة، الجسد الذي يمر على المعاجم كلما اهترأ دون أن يجد معنى واحداً يعيد إليه رغبته في الموت. كل هذا لم يعد يجرب جنونه غير هنا، هنا تماماً مثل ساحة لتدريب العشاق والبعيد الذي لا يبدو!

هذا النهار مزقني. حررني من النمل والأغنيات. ردني من وساوسي. شقني كجلد ثعبان قديم. حملني إلى أشباح الخرائب جميعاً. قذفني إلى أسلاك المسافة بيننا. شوه الكلام. طبق الوصايا كعلبة تبغ فارغة في وقت الحاجة للتدخين. أشعل الوقت والموارس. شنق الخارطة. قتل عقيدة الشاعر. غاص كحوت في مفصل الروح. كتم أنفاس الفضاء. أغلق في وجه المرايا صوراً مقلوبة. بعثر ما تبقى مني بين الخريف والسيوف. وانتهى ككل الأيام.

لا أستطيع التداعي كسلم الموسيقى. وهذا النهار فكك سفني التي لم تجهز تماماً للرحلة. قص حبال الياطر مستقبلاً عاصمة الخوف بأقصى ما يستطيع من حكام. لم يستطع أن يتأخر مثلما لم أستطع أن أحشو صدري بهواء الفضيحة.

هذا النهار كلب لا نباح له. لا تعذريني. لا تفهميني. لا تلتمسي لدي نبوة. لا تفتحي أبوابك بوجهي. لا تقيدي رصاصك عن صدري. هذا النهار لا أستطيعه. فلا تقرأيني. ولا تكتبيني. ولتبحثي في دمعك المصبوغ بالبكارة عن روح تفاجئها الشقوق. عن صدق في هذا الوقت الموشوم بالآن. ولا تبحثي عني. لا أستطيع النهوض قبل إدراك البحر. لم أمتد روحاً على نهر الهديل كي تعلني الحداد على جثتي. يلعب نمر صغير تحت جلدي. يحب التفاح والصبايا. ويكره الشباك.
لا أستطيع سوى أن أكون طائراً. فاتركي لي جناحي. وريشي المنتوف. وأغنيتي الجنائزية. ألق بي من سطح الذاكرة. لست فريسة. لست صياداً. لست كما أنا. لست الله.

أعترف:
يعربد ثلاثون عفريتاً تحت أوردتي. يقفون في حضرتي أطفالاً براتهم همجيتي من ذنوب لم يقترفوها بعد. وتلقيت ألف قبلة من شيطانة المساء على كتفي.

أعترف:
هش أنا كأوراق ناشفة. فارغ كطبل دون صوت. قاحل كبدايات الصحراء. عاقر كصخر. ناضب كالموتى. مشروخ كأرض هدها الزلزال. مكسور كمرآة صارحت مجنونة بقبحها وجنونها. ممزق كجلد غزالة بين ألف ذئب جائع. متوتر كالثواني. فاتر كمئة ثانية من الملل. مكتئب مثل كانون. مهدد كالكتابة بالرصاص. مشرد كرمال النهر. هارب كسمان المواسم. مقطع كأوصال المطر. مشوه كقلب جلاد. محترق كوريقة بجهنم. مستسلم كالمسيح للصليب. مخربش كأرض ضاجعت المحراث. مشقق ككعبي فلاحة بدائية.
فاذهبي. لست الله. إذهبي. فلست الله

مرآة على الحائط المقابل

تخرج عيناك إلى دمي سكينا يرتجل ضحية لا تصلح للقتل، ضحية تأخذ طعم المساءلة. عمق التساؤل وشكل السؤال. انفعالاً يجرح العود حين يمتطي مقاماً حزيناً في القلب مثل قط أعمى حاصرته الأصوات من الجهات الست.

في الصدر تثار أغنية لم تكتمل، المواسم كلها لم تعد تكتمل،!!
أبحث عن خطيئة في زجاج القلب، ولأن حضورك يشبه برودة الفضة فإنني أقتني النار في خشب الجسد، أقشر وجهك عالماً يقوم على صدفة مهيئاً ما لديه من شجر من نعاسه القديم.
آن لي أن أشطب لهفتي من طقوس الورق، أخبئ عينيك موسمين كاملين بين أغصان اللغة، وتهذي قامتك في مساء حامض فيما يلثمك النهر موجة وحدها كاقتراح جميل ينفذه الغيم في وداعه الطويل..!

أي حضور يشاركني الجسد؟!
تركت ورائي جثة لم أعرف بعد ماذا تخربش، كنت الشرق الذي شد بكارة حزنك من أشجارها وانسحب شارباً طمأنينة الهزيمة.. أما صمتك فما زال يستفز القنفذ الذي في القلب.
وجه الماء ودي يشبه المغفرة.
الولادات تشتعل على باب الجحيم فصولاً لا يؤرخها سوى الله، والله ذو ذاكرة جيدة، ونحن انخفاض وتيرة الموت حين يصلح الموت ما تفسده الشهوة، فيما الطيب يراجع مهنته في رأسي.

يضحك الرمل يداس ولا يعبأ، أما الرجل الواقف فوق الماء فلا يبرز هوية مثل الجميع في زمن لم يعد الرزق في محراب مريم يقنع زكريا.
أشياء سيئة تحدث كأنها قطعة من المزمور الكبير..
البلل الشآمي في نتوءة الوجه الوحيدة يعرقل مسعاي غير النظيف تماماً فيما أنسب إلى غزة التي نسيت كتابة تاريخها.
ما جديدك- قالت وهي تغرز إبرة في مطرزتها الصغيرة. إرتعاشات لا تفصلها الكتابة قلت. يدلك الحلم عضلات الفكرة.

أرفع تنورة من على فخذي الصبية التي لا تقاوم، يداي تهمسان بعمق في فضاء العري وتسكتان دون أن يسكت وجع في خاصرة الشهوة.

لا يهم إن خانتني واحدة منهن.
لا يهم إن خنتهن جميعاً.
احتميت بما لديك من ليل منك، جرحت هوائي القاسي.

يفط القلب من مخدعه لاهثاً كقط في يوم حرارته أكثر مما يحتمل.. تدورين على شفتي الزنبق محتجة على عشق لم يكن سافراً كما وعدت، أنهار وتلقطين جسدي حرفاً حرفاً مرتبكة أمام سكوني وسكوتي الذي لم يفضح ضفاف الجنون.
ما زلت أنا الذي يخفق في قراءة الرسائل الكثيرة التي لم تكتب، كان علي أن أفسد نظاماً كونياً كي أهيء تلة لعنادنا.

أزيح ستائر الفولاذ التي أربكتني عندما قبلتك دون أن أعطيك شفتي الناشفتين، اللغة صارت كلباً ينبح في فضاء روحي فيما يعض كلب آخر كل قدرة أعرفها، الكلاب تملأ النصوص التي تغير وجه اللغة، ينتهي وجه الرجولة والأنوثة معاً في رمز عار من ردود الأفعال التي تفر كها الأجناس المتبقية من الشعراء.

كلب ثالث ينظر
لا ينبح
لا يعض.
مرآة فوق الجدار المقابل.

أكبر من احتلال امرأة واحدة

[1]
سيدةُ الرأس بصولجانٍ نحاسيّْ، ببلوغرافيا الشجن، تاريخُ هبوطنا الفرديّْ، الماضي معلّقاً فوق الرؤى، فوتوغرافيا الرجوع إلى ما نحنُ فيه، ياسمينةُ الحياة، وأحياناً.. مقصلةٌ خائبة!!
تلك هي الذاكرة، السكينُ التي تقدّّنا، بدونها، الوقت خرقةٌ تماماً!!
لماذا هذا الفراغُ وهذي الذاكرة؟
معي، لم تبدأ الحكايةُ أو تنتهي بمنطقيةٍ ما، كل ما كان أراه الآن بوضوح قلمي وهو يحرث هذا البياض المطمئن! الجنونُ كان الكرة التي دارت ولم تُبقِ شيئاً مرتباً، لم تخرج من مآذن المدينة المستريحة فوق قنواتها أية خصلةٍ من سراب. كأنّ الأمر جديٌّ تماماً
خارج هواء الشارع الفضي لم يكن بُعدٌ واحدٌ من هذي الفضيحة قد تشكل بعد، دائماً أفرغت ألوان صدري على مسامعكِ، كنتِ مثيرة إلى حد الهوس وأنت تجذبين قافلتي من بكارتها الصلبة، تنحنين لتقضمي قسطاً من شوارع مدينتي، وبعد ذلك، أي في نهاية الحوار الدائري الذي لم نكمله يوماً.. تبدأين باللهاث

[2]
المرة الأولى...
الهبوط الحثيث لشمس يوم خريفي، يتوحد بخط الطبيعة الأخير، إرتبكتُ، فاضت ملامحُ الشارعِ حين سالت فكرةُ التقاربِ في جداولً لم نعدها، أوجَزَنا تصادم مفزع عبر الممر الضيق ما بين الرصيف وتخشيبة السجائر، دخنتِ سيجارةً لم أعرفها، كما أنت الآن، يومها لم أخبرك أني أحبك لحظة التقينا، أجلتها دقائق ريثما أتأكد أن الحزن الذي افترش أرضية الشارع كان يخصك وحدك. كنتُ ـ كما ما زلتُ ـ أعشقُ الحزن في وجوه النساء. للجلجلة كان حزنك وحده يمشي، دون مرافقين عدا نوع سجائرك الغريب وأصابع ترتجف كجناح فراشةٍ هاربةٍ.. وفضاء. لفتاتُ الشحوبِ في تقاطيعٍ هاربةٍ من وجهك تفتتُ ما أستطيعُ التكهُن به. غريب هو الإنسان، يظل قادراً على الإحساس كلما لديه ظلت قدرة الحياة، استجابتك السريعة لم تعطني شعوراً واحداً بضعفك، يومنا كان مفتوحاً إلى حدودِ المساء، لم نفترق إلا حين فرغت علبة سجائرك الغريبة باللون الأصفر، طلبتِ مقطعاً خاصاً من قصيدةٍ علقتها على جدار الغرفة، ومضيتِ دون وعدٍ بالرجوع.
تذكرتُ أنني لم أسألكِ عن اسمك.

[3]
السجائر
فوضى الانتحار المنهجية، قصب الأوهام الباردة، الرحيل البطيء نحو الهواجس، كبرياء الغضب المكبوت عمودياً في الرأس، جغرافياً الإدمان على الكوارث، عنوان أصابعنا حين تفتت خوذة الهواء، فيزياء الجنون، حضارة المستحيل لقصائد تخرج من فوضى الدخان الأزرق، تبني قصورها، تختلفُ لذةً هُلاميةً مطعونةً في هيكلِها السري خارجةً من نشوةٍ مختزلة، وأيضاً:
وسيلتي للقاءٍ آخر.
نفسُ النظرة التي تساقطت من عينيك، لم يكن ذات الحزن يسيل من وجهك، مختلفةً كانت كل الأشياء، علبة السجائر والبائع والممر لم تختلف، ولا طريقة التدخين العشوائية، حيث يسراكِ تداعبُ السيجارةَ كما انكسار ضوءٍ فوق مياه نهرٍ عذراء لم تفضها موجةٌ واحدة
لبستُ ملامحً صيادٍ سعيد.. وابتسمتُ

[4]
لم تخبرين ي عنه سوى في المرة الثالثة
عن تفاصيل سنواتك الثلاث، وحين اقتحمت رأسك نشوة استماعي، بدأتِ تتكلمين عن تفاصيل أكثر دقة.
راودتنا فكرةٌ مجنونة، ألقينا بسيرته الخشبية الخشنة من شباك البهو الذي يجاور ضجيج المصلين. أصبحتُ مؤمناً أكثر بقدومك وقتما أحتاجكِ كجني الخاتم.
بعد لقاءات كثيرة اكتشفتُ الشامات الثلاث التي تختبيءُ تحت إبطكِ الأيمن. وأشياء أخرى كثيرة ـ لم يكن اسمك من ضمنها ـ
وفي لقاءٍ ما
بدا أن ثمة ما يؤرق فوضاكِ في قصيدتي لك، وحين قرأتِ الإهداءَ، لا أعرف كيف لمحتِ امرأةً أخرى تتربعُ في المساحة البيضاء بين النقطة والحرف
وأن الإهداء لم يكن لكِ
دافعتُ بطفوليةٍ
صدقتِ
وكذبتُ

[5]
فيروز
السيفُ الذي يفصلُ الملائكةَ عن البشر
طلعلي البكي نحن وقاعدين
لآخر مرة سوا وساكتين
بعيونك حنين بسكوتك حنين
لو بعرف حبيبي بتفكر بمين
اللوعةُ الأولى في فنجانِ القهوةِ الصباحي، التاريخُ القرمزي يطل من وراءِ نجمة مقتحماً غباءَنا، تيارٌ يصعقُ الخمولَ في أبداننا!!
فيروز.. مرارةُ الوقت مدرجة في قائمة الصلوات، نتحول بصوتها إلى مازوكيين بامتداد اللحن هي الصليب والجلجلة، أطياف الرؤى التي لم يجنح لها الخيال، تفاحة الجنة الوحيدة والبعيدة معاً. العبق الشرقي المغموس بحزن رائق كماء الروح، مرآة نخاف جميعاً النظر إليها كي لا نطل علينا فنكتشف أي صناديق من خشب نحن، لا تحوي سوى السوس والذكريات.
كان صوتها الشيء الوحيد الذي بدا منه ذكاء صاحب المطعم ذو الوجه العريض الذي يشبه إلى حد بعيدٍ إحدى دمى والت ديزني
وضع الكاسيت
وتركني أحترق

[6]
ماذا بعدُ؟
النساء مررن كالأشباح فوق جثتي التي بلا صمت أو كلام، شكل عينيك في اللقاء الأخير يأكل رأسي، شاماتك الثلاث تحك المسافة بين رجولتي وبقايا النساء، الفراغ أكبر من احتلال امرأة واحدة، أبسط من لقاء آخر
إسمك لم يكن مهماً كما الآن.
لكنك حين ضعت في غرفة الهاتف في المطعم الرخيص، لم تضيعي من المساحة البيضاء على أوراق الحصار، لا تقولي أية مساحة سرقتها من هنا
ربما اكتفيتِ بتذكر الأشياء التي لم أعرفها، أو بتفاحة البلاستيك التي وضعتها يدك فوق اللوحة الوحيدة بالغرفة.
ربما عدت إليه حين اجتاحك التروع إلى الطمأنينة، الأهم من كل ذلك أنك تحولت في لحظة بعيدة عن إدراكي إلى جغرافيا. إلى مدينة لا تعرف كيف يخونها عشاقها إلا عندما يتحطم الجزء الأعظم من سورها الداخلي.

[7]
اللقاء الأخير جداً
لم ألحظ جيوش النافرين وهي تفك أزرار قمصانها في جهةٍ ما من البحيرة كنت في عالمٍ ثالثٍ بين الماء والناس، ناتئاً كالأصفر في لوحةٍ غامقة. لم تبد عيناك كما تخيلت قبل مجيئك، البؤبؤ البحري فر من المساحة البيضاء إلى جغرافيا لا أعلمها، أشياء تفرم صدرك وعيناك الذئبتان تخدعان الهواء والوقت، لم تقولي شيئاً
إسمك لم ينزل من ورق الجوازات إلى ذاكرتي
تركت الطاولة في المطعم النتن
لم يدق الباب بعد ساعتين في غرفتي
لم يصهل الهاتف
ولم يحدث بعد كل هذا الوقت أن وضعتُ خطةً واحدة
لنسيانك

طيري يا حبيبتي

ليكن جناحك وردة هذا المساء, واتركي خلفكِ جثةً تقرقرُ فيها مياه الاتجاهات، لا تحاولي الهبوطَ، الأرضُ تزفرُ بالأشواك، وتهيؤني لعالمٍ آخرَ عداي عالمٌ له صوت وأبعاد، لا يغرق فيه من لا يشاء، طيري.. إن كانت لك قدرة الطيران.

لو كنا نملك ما يكفي من بلادةٍ كي نغيّر جلدنا، لمكثنا قليلاً جوار الجنون، لكنّنا لم ننجز كمالاً نملكه الآن، حيثُ تُنضجُنا أصواتٌ راسيةٌ فيفشلُ تعريفُ الحبِّ،  "أن نولد من جيد" كما تفشلُ كلُّ التعريفات التي تبدو ثابتة وحقيقية تماماً..!!

البلادُ، شكلُها الواضحُ على خلفيّة   الفضاء، صوتُها المفككُ من حر الظهيرة، إنثناءات البحر حين يدخل في اللا جدوى وعينيكِ، يقلّدُ محاولاتي للابتسام بطريقةٍ فجّةٍ، البلادُ رقصةُ الريشِ تحت هواءٍ ناعمٍ في يومٍ جميل، الذاتُ بعيدةٌ  عن روايةِ أجزاءٍ من قصةٍ لم تنتهِ، لأنها تحرث خط البدايةِ مثل طفلٍ يتعلم الكلام، الطريقُ عذراء، الأقدامُ وحيٌ صاخبٌ يحاولُ الفرح، العرقُ مقياسٌ للمسافةِ لا يخطئ، ودائماً يبقى الإحساسُ عبداً آبقاً يفرُّ من منطق الأشياء كي يحطمها، وإن لم يستطع: يحطم ذاته.

خططتُ سلاماً مع الروح، سقَطَتْ في بئر الصدرِ قدرةُ النعاسِ التي عبرت من ثقبٍ في مسامات الشهيقِ، بينما  الأعذارُ خريفٌ يضفّرُ بلاداً يائسة. تحت الوسادةِ يسري كفرٌ ناعمٌ، صورةٌ من زيت القلبِ تفسخُ السريرَ كي تُرجعَ الأشياءَ عاديةً كالموت، وطافحةً بالذي يوقّعُ فوق التوتياءِ والسكون..
لأساورِ الناي مرآةٌ من التنوينِ تسلقها الطرودُ واللغاتُ التي لا تحبني، كي تعبر عن نصفي الدارج على عتبة الكارثة.

منكِ يأخذ هذا المساءُ طالعه الجغرافيّْ.
ليبكِ من يشاء على مراسيمنا، ناقلاً رسائلَ الحدودِ ليلفلفَ رحيلكِ بالأسئلة، وفي غمده الذي من حزنٍ ظلّ وجهك يتمرّى في قصائدَ قديمةٍ كي يكتمل، وعلى جسدي المنقوع بالتعب سارت مدن وذاكرة واحدة، ذاكرةٌ تسلّم الحقائبَ من يعطيها للطريق، فيما تسْلمني المساحة بين وجهكِ وأسلاك الحصار إلى ليل الذاكرة، حيث الليل مفتوح على أقدام الجندِ يدوسون المسامير دون مبالاة، إنهم حقاً سلالةٌ من جن، يفلتون من الموت كلما جاء  الصيف، الفصولُ تزقزقُ فوقهم كي تمطرَ من أجلهم حين يرقص العُرشُ في خياشيمِنا الملوّّّّّّثة.
لا جدوى من الرجوعِ إلى البدايةِ، لكني أعطي رقصةً للذاكرة حين أقولُ إني لا أعبأُ بالأرقام وهي تدخلُ في حسابٍ لن يفرد جناحه مطلقاً فوق صفحتنا البيضاء، وإذا سئمتِ شاعراً لا يحبُّ الأرقام، لكِ أن تطيّري جناحيكِ تاركةً جغرافيا الجنون وهي تعبئ الأصواتَ بالصمت..
الهواءُ قدرة الله على الدنيا
الصمتُ كذلك والآحاد
لنا ما للأزرقِ من معانٍ، وما لفوضى الريحِ من حريّة، كانت لنا خرافةُ النجمِ وسكونُ الرملِ المطلق، كان لنا ما لأجلنا من كتبٍ وشوارع، لكنك افتراض للصوت الذي من دخان، خاضعٌ لاتجاه الريح، كم من الوقت سلسلتُ كلماتي مرتعشاً كأخبار المذبحة؟.
لم يكن من حقي التوغل في المدن التي لم تعطيني مفاتيحها، ربما الموتُ يشعلُ ما في صدركِ من معانٍ، لنجرّد خطّنا المزاجي من المكان الذي يزحفُ نحونا، كي تقودنا خرافتنا إلى زحام الشائعات التي من حضارةٍ كما تبدو، لنقول لجميع الذين نحبهم: لا تقولوا شيئاً!!
طيري يا حبيبتي إن كانت لك قدرةُ الطيران
في الزمن الذي قلت فيه أحبكِ لم تصدقي، وحين صدقتِ، أغلقتِ تاريخ البداية في وجهي، لأخرج من روحي مهزوماً كفضائح النجوم..
سلاماً أيتها الروح التي من هزيمة
أقف الآن في وجه الطواقم التي تعثرت في أغنياتي، في وجه الذين  لم يسمعوني حين قلت أحبك، ولأنني لم أكسر وعودي التي من دماء، أغلقتِ تاريخ البداية في وجهي..
سيمضي بكِ الوقتُ يا حبيبتي، تأكلين قلبكِ تفرشين الذكريات كي تنامي فوقها، سيتردد صوتي في رأسكِ كالصدى، ولن تستطيعي الطيران من مملكتي، لن يرضخ لك   النسيان، لن تقومي من  سرير الأمنيات، سيبقى إسمي فوق برجك   العذري وتراً يغني لك  كلما هربت منك الدنيا، المدن كلها لن توقف زحفي  إليكِ، كي يبقى قلبي لك وحدك، إلى أن تنام عيناي على الصليب الذي يفر من الجلجلة.

لم يسعفني الماء

أسقطُ تحتَ ظلي لغةً غير تلك التي أهوى، مطراً حارساً لفوضىً أرتبِكُ أمامها، أخدعُ أصدقائي خائفاً من الضلوعِ في النسيان، وارتعادةٌ ترفُّ في آخر ما للذاكرة، لا جلد لي في آخر الجسد، [كنت أرقبه مع حائطٍ ومرآة] وجهي يدوّخُ فكرةً مرّت، أرى الوقت يمرّ مباشرةً تحت أصابعي.
الليلُ تثاؤبٌ يهزُّ الأرصفة، ينخّّلُ الشوارعَ من خطواتِ العابرين، أحتفظُ بسرٍّ لا أعرفه ـ لم يعد من أنتظره في المساءات ـ.
أثناء الانهيار الكبير: لا أخجلُ حين تقف المعرفةُ عاريةً قبل أن يدرك المارون على أي معبرٍ يبصقون، أكادُ أنسى أجساداً يمضغها الحلمُ عاريةً:
ليس لي
ما غامت له العينان على الصباحات الحزينة
واحدٌ هو المهرجان
كم أسعدتني المدن
كم أقلقني ذهول النشيد
ذاهب وقتي نحو الثلج إبليساً مكَفَّراً، أشياءُ لا تلمسها المكاتب، ربّ الأوجاع احترِق فينا كي ننسى وجهنا لحظة ونوهم القصائد أن حبيباتنا يفهمنَ  فوضانا: دائماً.
خلفي كانت رام الله تسبحُ في الشتات
خلفي كانت أغنية ٌووجه مأساةٍ على الجبل
خلفي كان المطعم المعدّ للتلصص والحديث
خلفي كانت أمطار الولادة الأولى
وإيقاعُ الله السريع
وبقوة الذاكرة
لم يعد خلفي غير الفراغ
لم يعد فراغي وجهكِ حين ضعتُ
واثقاً من شرفةٍ تطلين من   ثقوبها
وتسحبين شرقاً لا أهواه
أي اعتراف بكامل حزنك
وأي صفر أبذله
كي تبقى ملامحي واحدة
أفرد قدمين ميتتين
على حقلك الورقي
لا أكتب سوى دمي
وقسوتي
وجبني المريح
ملامحي لم تعد لي
وجهك النقي تماما من غير الحزن يقدح في هذا السواد  شعلةً ما أسرع ما يطفئها الكلام، أرافق تمريني اليومي لنسيان الكتابةِ فتهبطُ مثل دائنٍ خبيثٍ يعرف مخارج الأعذار كلها، ما أرَقي غير الغياب المسمّر في عرس القلب للقلب، وأية نافذةٍ نفردُ تحتها رومانسيةَ القرونِ ولا تفضحنا؟.
أينا غبيٌّ  إلى حد الشراء وأينا فجٌّ إلى حد التجاهل؟
كُفي عن رؤيتي قطاً في مهرجانٍ مبتذل، ملامحي لم تعد لي، ولا أصقل خبرة واحدة في البحث عنها، أألِفتِ خيمتي؟ أنا لا أفاجيء النساءَ بما أرتبه، فلا تعلمي المزيد عن فوضاي، فملامحي لم تعد ملامح بحّارٍ أو سفينة.
لا تحملي دمعاً معك
أو وردةً فسّرت خطتي وذبلت
فلم يسعفني الماء.

عزيزتي ذات الوجه الحزين

هكذا هي الأيام، وهكذا نحن البشر، تسفكنا الخطايا، وبدون أوجاعنا الصغيرة لا نحس بإنسانيتنا، هكذا نحن البشر، لا نستطيع الإمساك بوجهتنا دائماً، لا لأننا نجهل ذلك، إنما لخوفنا أن نعرف أين سيمضي بنا الغد، نرسل عزاءنا إلى ذاتنا دون تأشيرة من خارج الدائرة التي هي دائرة باستمرار.

شيء لك لا أعرفه ينصف النص جغرافياً لا إبداعياً، وفي النهاية: هذا العالم هو نقطة ارتكازنا على أجنحة ذواتنا التي فقدت قدرة الطيران أو الهبوط، وهذا العالم بكل صلافته الكلاسيكية لا يجد وقتاً كي يرخي سمعه لآهة يعرفها صاحبها، هكذا نحن البشر.. بيننا تلك المسافة التي لا تحصى، كما أن بيننا اللا مسافة، فهل نصدق أسطورة الوقت الذي جزأنا وانقرض؟ أم نرتمي إلى حيث لا نسقط إلا كما تريد الأشياء المخططة جيداً.. هكذا نحن البشر.

مسامات الروح معبأة بكآبة نهرية، المسار جغرافي من ناحية فلسفية، وإذا كنا لم نلتق حول فهمنا الذي لم تنجزه سوى الصدفة.. لذا فالمسار من ناحيته الثانية هو نحن، ونحن هي ما نملك من قدرة وصور تحمينا من انهيار في أي رقعة في هذا الطريق الدائري.

هكذا نفرش الكلام على موائدنا ونأكل فوقه، قشرنا وقتنا نحاول الغوص إلى إحساس واحد أننا لسنا خديعة هذا الوقت الموحش.. لكننا لم نجد بحراً واحداً يخلو من موقف مسبق تجاهنا.

ولما كان بقاؤنا فوق الزمال لا يعني إنجازاً ما (ولو صغيراً) فقد عدنا من حيث بدأ الكلام عن التجول في مدن الحزن الذي نأكله معاً. ضحيتان نحن لقاتلين هما نحن، نعصر ما نشاهد من فرحة لم تستند يوماً رأسها إلا لتصاب بذات السهام.

أما لهذا الوقت من حصان نروضه أو يسقطنا فوق عقاربه؟

دعينا في البداية نتفق على نقطتين: الثانية: أن الوقت هو أكثر الأشياء نسبية، ونسبيته إنما يشكلها إحساسنا به، أما الأولى.. فبديهية تماماً.

حين يحتاج الوقت أن يفرز حصاناً كي نروضه. أو يسقطنا فلأننا ملزمين بالتحدي وبالانتصار، فأنا لا أحب الهزيمة بمفهومها الموروث، أتحبينها أنت.؟
أما الأيام الكثيرة التي تمر كأفعى في دائرة، فإنها خارج حساب الوقت خروجاً من فهمي أن الوقت لا يقاس.

أعرف أنك جربت كل أنواع القلق، القلق!!!، هل تحملين تعريفاً واحداً واضحاً لهذا الإحساس.

جناح ذبابة فوق عقارب ساعة لا تخون زمنها الرتيب..
كزة في ليل ليلكي على الأسنان..
خرافة مقصوصة من روزنامة بليدة..
حفنة من مشاعر لا يترجمها الدمع..
حقائب الانتظار أو ذيل قافلة أولها اللا شيء..
هل أرضاك هذا التعريف الكرتوني؟؟

أحياناً.. حين يصل النص إلى حدوده القرنفلية حيث الفضاء بلاده وتاريخه الذي يحمل كل المعاني ولا يحمل شيئاً، حينها تقفز إلى الذاكرة عيون بتولية لا ترسم. ويجرني حصان الذاكرة إلى طفولة من حديد. أنا لا أحب الجدران.. هذا تداع لا يضيف شيئاً كما لا أضيف أنا شيئاً لهذي الحياة التي من صدى رغماً عني أكمل: هيا نتعلم كيف نكون غبيين وساذجين كيفما يحتاج هذا الرماد الذي يكسو أعماقنا...
[على افتراض اتفاقنا أننا لسنا متفائلين بما يكفي لاستعادة ملامحنا وأسمائنا]
دعينا نفرغ قائمة روحنا في علبة نسلمها لعابرين يوشكان على حمل ملامحنا التي من حزن وذهاب إلى موتنا البطيء، لنقول ما لدينا من صمت دون أن نفكر كيف سنجتاز نهراً واحداً لا يحمل مرور المسافرين على جثته التي من قلق.

عزيزتي ذات الوجه الذي لا ثاني له:
أحياناً أكفر بمن أرضعني حرف اللغة الأول، هذي اللغة طريق بسمك بهلواني، أكاد أحرز انتصاري الأول في سراديبها فأكتشف كم كنت طفلاً يحبو فوق براكينها مستمتعاً باحتمالات موته!!!
[الموت أيضاً نسبي خاضع للتجربة]
تأتي اللغة كي تصيغ أحلامنا التي من زجاج، وكي تسبك مطرقة لتكسرها، اللغة سلاح بحدود لا تحد، الموقف الثالث لا تعرفه اللغة، قاتل بها أو قتيلها، وأن تكونيهما جدلية ما زالت قائمة!
عزيزتي ذات الوجه الكتاب:
تجاوزي هذي التداعيات، أفركي بها غبار الطاولة، أو اضحكي من اللا أشياء التي تضمها.. فهكذا هي الأيام، وهكذا نحن البشر، ندور زمناً كاملاً، دون أن نعرف تماماً ما نتحدث عنه.

هذا الذي لا نعرفه
إلى السيدة التي سارت على رصيف محطم فصار مدينة

سأبكي إذا تمكنتُ من ذلك: مقولتي كلما غادرتُ  المدينةَ وفي جسدي من الحزن والذكريات ما يساوي المجهول، يصطادني قناص اللغات فأقسم أن أغادر إلى الأبد، ولكني أعودُ كخروفٍ شدّه الجوعُ إلى حظيرةِ صاحبه الذي سيذبحه وينتهي الأمر، أعرف أن الموت أجمل أحياناً من  الجوع، لكن الأمرَ هنا لا ينتهي، بمعنى أنه لا ينتهي، لم يفاجئني السؤالُ الذي بحجم انهيارٍ جليديٍّ، أعرفُ إجابةً لجميعِ الأسئلة، لكنني غبيٌّ إلى حد أنني لا أفهمُ الأسئلة، وأحياناً لا أجدُ رأسي كي أفكّرَ في الإجابةِ، كلُّ المدنِ عاهرةٌ، كلُّ الكتّابِ حمقى، أما العالمُ فلا يستحقُّ سوى الإنصهار.
الأشياءُ لا تحملُ جنينَ حقيقةٍ واحدة، وعندما ينحني الموتُ كي يسردَ لنا سرّاً صغيراً، نهربُ كنملٍ فاجأته خيولُ الأنبياء، ماذا يظلُّ تحت قناع الرأسِ بعد الذي نهربُ منه؟ سنحملُ المسؤوليّةَ كاملةً عن حوادثَ مشابهة، ونلومُ وندخّنُ ونعشقُ ونموِّتُ كلَّ ما يقودنا إلى الموتِ كي نعزز جبننا.
تظلُّ المدن تخفي أسرارها وتضحك، مثلَ فانوسٍ في يد ولدٍ لا يعرفُ أن ثمةَ حقيقةً تحتَ رأسه، سأبكي إذا تمكنتُ من ذلك.. لمَ تركتَ المدينةَ وأنت كاتب السطر الأخير في المهزلة.. لأنني نصفُ حيٍّ ونصفُ ميْتٍ وبذا أنا نصفُ حقيقةٍ نصفُها الآخرُ عذابُ الوصولِ إلى الذي سيبقى، أما البكاءُ عند القدرةِ عليه، فهو سلّمٌ نحو السرابِ حيثُ يتمُّ النسيانُ مؤقّتاً.
المدينةُ لا تبكي على أحدٍ يبكي عليها، لا أجد البكاءَ عندما أحتاجُ المدينةَ فهي تختفي كدخان السجائر في العاصفة، يعبئ صدري صدى المأساة كبالونةٍ لم تجد دبوساً واحداً في فراغِ البلادِ، وهذا الفراغُ مجهولٌ كاملٌ كالروحِ والفكرةِ، أصبُّ فكرتي في هواءٍ عاجزٍ، تنمو كشيءٍ زائدٍ في مكانٍ مقلَّمٍ بفنيّةٍ عالية، أدعي المعرفة، أحفرُ صدري بسكينٍ صنعت من أشياءَ لها قدرةُ الذبحِ فيرجع الخط الذي كنا نسلكه جميعاً إلى بدايته وكأننا لم نقل شيئاً..
متى تحترقُ الأسئلةُ لنحترق؟
كنتُ أعرفُ أن النهايةَ مقدمةٌ جيدةٌ لأشياءَ غيرَ القصائد، لكني لم أفلت بعدُ من فكرةٍ تعضني،  ومن  مدينةٍ تعض فكرتي، أين المدينةُ على خارطة الذكرياتِ التي من حزنٍ ومدن؟ يكتبُ شاعرٌ دمعَه فلا يبكي، تطلُّ من عينيه المدينة، يلعقُ قطٌّ جرحاً قديماً في ساقِ سيّدةٍ عجوز.. تتململُ المدينة، ينسى حجرٌ عدد الذين  مروا  قربه.. ينهارُ وجهُ المدينة، تختفي أشجارٌ من الحواسّ اللاتي بعد الخمس.. تبكي المدينة..
المدينةُ.. الحزن.. الذكرى..
أشياءُ لا تشبه حقيقةً واحدة، لا تشبه ثلاث حقائق، لا تشبه حتى الذي يكتبها، هل تهربُ المدينةُ من عشّاقها نحو حضارةٍ لائقة؟ السؤالُ لحمُ المدينةِ حينَ تزدادُ عاشقاً، تصبحُ أكثرَ عدوانيّةً، أصغر من مواجهةِ ما سيأتي إن كان هنالك.
لندخل في ذات المدينةِ مقبرةً ما، هروباً من تداعياتٍ حافية، فوزٌ  حقيقيٌّ كلّ هذا الموت، من حافّةِ الهاجسِ الأول: نطقنا بأسمائنا  صراحةً ولم نخَفْ، قلنا إننا عرجٌ خفيفٌ في قدم المذبحة، فكنّا المذبحةَ وامتداداتها، تفرّقنا  العواصمُ كما الذرات التي أصابتها فجأةً طاقةٌ ما.. الوقت كله نقولُ ولا نسمع، نضطر لمقاطعةِ ما  نكتبُ من أجلِ قهوتنا الرخيصة، نحنُ أرخصُ كثيرا من الرائحة، لكننا  لا نخجل حين نتحدث عما عشقناه في قراراتٍ لم نتخذها.
المدينةُ ليست قرارنا، نحنُ قراراتُ المدن، ونحن عشاقها حين تقرر  ذبح نصفنا غير الجاهز للذبح، سأبكي عندما تكون لدي تعريفات كافية للبكاء، يخرجُ تعريفٌ واحدٌ صادقٌ إلى حد المهزلة: أننا  نفشل دائما في تعريف الأشياء.
الحزنُ حالةٌ كافيةٌ لاكتشافِ أننا لا نساوي ما يبدو أننا نساويه، الحزنُ حالةٌ أحياناً، وبلا معنى أحياناً أخرى، لم نتحدث بعدُ عما عشقناه ولم نتحدث عنه، هل كانت عيونٌ لها  اسم وتاريخٌ تمرّ فوق رمال الله  وجفن المدينة وخيالات الشعراء؟ إعتقدتُ أنكِ إلهةٌ فقط، لم أفكّر باتجاه مدينيتِك، عليَّ كلًّّّ الخطوات التي سارت باتجاه أجراس الترانيم، كان الوقتُ محشوراً كماءٍ في زجاجة، سمّيتِني شاعراً وقبلتُ الإسمَ على مضض.. حاولتُ أن أبرر حزني وأهجر ما لم تسأليني عنه، وقعتُ فوراً في المصيدة.. حالةٌ أخرى كالبكاء، يشبهها لكنها لا تشبهه.
عادةً يترجمُ الشعراءُ أحماضهم كلمات، أعوي أنا ولا أترجمُ كلابي كي تظلّ قدرتها على النهشِ كاملةً، فكيفَ جاءت فكرةُ الكتابةِ؟ نحنُ عشّاقٌ، لسنا عشاقاً، نحنُ عشاقٌ، لسنا نحن، وأشياء أخرى كثيرة تشبهنا ولا نشبهها.
لن أكونَ شاعراً كمفصلِ الشباكِ لدى جارتنا المدينة
لن تكون مدينةً حين لا يكون شاعرٌ يدعوها مدينة
لن يكون شاعرٌ إذا لم تكن مدينة ليدعوها مدينة
إذاً.. لا شيء يخلو من عبثيةِ المدن
إذا  قلت أحبكِ.. كم زهرةً ستنبتُ فوقَ الطريقِ الذي سيؤدي إليكِ بعدَ نضوجِ الفكرة؟ لو لم أقل ما أقله.. بأي وجهٍ سأمسكُ سيفاً لغوياً كان لأبي الطيب؟ إذا لم أقل لا أحبكِ.. هل كنتِ ستفهمين ما ترتبه  الشوارع بيننا قبل المساء بقليل؟
حين يزورني البكاءُ بلا موعدٍ يهطلُ فوقَ الورق، تربحُ الكلماتُ سيادتها فيما أخسرُ نصفَ فكرتي الذاهبة نحو الانتحار.
الدفاتر مرتّّبةٌ فيما الشعرُ مصفّفٌ كالطرق، وأنا عابرٌ لا يستعيدُ نصف الذكريات كي يستطيعَ السفر، أما الأسئلة.. فهي تسقطُ لحظةَ النسيانِ كما رأسِ النائمِ مرغماً..
نستطيعُ أن نغلِّفَ وجوهنا بأننا أسمى من كلِّ الأسماء، أما حين نكون وحدنا، نسقطُ في فراغِ وحدِنا وحدَنا.
ما زالت ـ عم نبحث ـ تضحكُ واثقةً أن كل الأسئلةِ ما زالت على خيرٍ تماماً..
دعيني أتحدث عن الموت  الذي بلا تاريخٍ أو حدود
دعيني أتراجع عن حديث الموت
سأقولُ للرفاقِ أن يقتربوا في ساحةٍ واحدةٍ لنجرّبَ طرق النسيان البكر، علنا ننسى أننا نسينا كل شيءٍ بدافع الجبن فتحولنا إلى شعراء بلغاتٍ لا نعرفها حين نكتبها، ولا نعرفها بعد أن نكتبها.
هناك حقيقة تشبه الحقيقة: [كل فنٍّ هو بكاءٌ بشكل ما] والخروجُ من معنى إلى حطام ليس سوى فكرة للنسيان تقرّبُ لنا الموتَ من زاويةٍ أقلَّ حضارةً مما يبدو في شكله النهائي..
أينَ تزرعُ الحضارةُ ساقيها النبيلتين؟
لماذا نشربُ كلَّ هذه الأسئلة حين ينام الناس مضمومين لأحلامهم كنفاياتِ اللغة؟
نحن أصغر من كل ذلك إذا تبجحنا وقلنا إننا عشاق لمدينة واحدة، لن نعرف السيدة  التي سارت على رصيفٍ محطّمٍ فصارَ مدينة.. السيدةُ المدينةُ أسلوبٌ للفكرة، ليست فكرة، السيدةُ المدينةُ حليبُ الحضارات..
الفكرةُ مشتركةٌ فيما بيننا، ولسنا إجابات عن أيّما أسئلة، سنمكثُ في كهفٍ يسمّي ما نحن فيه ضياعاً، وهي المدينة وحدها التي تصمت وتعرف، لا نعرف ما تصمته المدن ولا نؤجل رغبتنا في المعرفة، سندور حتى نسقط إلى أصل المعاني، نخلط العشق بالتدخين، بكوننا أنبياء عصرٍ لم يأتِ، لكننا سنعجز عن أشياء ثلاثة:
أن نموت كلما أردنا الموت
أن نبكي كلما أردنا البكاء
أما الثالث: فلا نعرفه كي نعجز عنه جيداً

1/2 قصيدة

أعذريني كي أكتب فإنني أكره الكتابة والريح والقادمين دون عذرٍ من وصايا العدم، صوتُ اللهِ في صوتكِ استقالَ من مسافاتِهِ واختارَ جرحاً فضّيّاً على صدرٍ بارزٍ كي يؤلِّفَ اشتهاءاتِهِ الرخيصة، ويدخلني من باب الممثلين الثانويين.

خللٌ صارخٌ في هذي البقعة الناتئة، المالُ سيدُ الأديان، الأوجاعُ نصفُ محاصيل العام مكدسةٌ فوق الشوارع الفرعية كلها بنسبٍ لا تكافئُ بعضها، والحكمةُ قبةُ الذين تجاوزوا الشطر الأخير من العمرِ، أما الطموحُ الفرديُّ فليسَ أكثرَ من لعبةِ شطرنجٍ مع الذات.

على الأرصفةِ جراحٌ وكراماتٌ للبيعِ، وعلى الأسطحِ مواضيع دنيويّة جداً تطبخُ أحلامَ الجاراتِ بعرسانٍ ينسون تواريخهنَّ العاديّة، ويعطونَ بُعداً رقيقاً لما توسّمنَهُ في المسلسل الأخير، علاّقاتٌ على أبواب الحوانيتِ تكسرُ أنفَ جارنا الذي لا يستطيع، فيما يؤجّلُ الولدُ الذي لم يتعرّف بعدُ على طبيعةِ والدِهِ حلمَهُ على باب الحانوت الكبير.

عليَّ أن أطلبَ منكِ أن تخبئيني من الريحِ، أن ترتديني كمعطف الشتاءِ الذي لديكِ، وتلقميني ثديكِ الصغير، أقاتله ويهزمني، يقاتلني ويهزمني، لا تقولي كلمةَ عشقٍ في هذا المصير الذي من حجر.

إبنُ الكلبِ هذا الدليل، لا يرسمُ خططاً أو يبشّرُ بفردةِ حذاءٍ حتى، لا يمتصُّ مطراً ولا يعدُّ أصابعه في الرحلة الكاملة من بيتنا حتى أصابع الذين يخططون.. وعندما اجتزتُ السوقَ كنتُ على درايةٍ بأنَّ موقعَ الليلِ هناك غيرَ مناسبٍ، وأن قطعةَ بسكويتٍ من إنتاجٍ إسرائيليٍّ قد يكون لها مذاقٌ أجملُ من كلِّ ما ترامى في غبار السائلين عن الأسعار.

الأشرطةُ التي تكربسُ نفسها دون انتظامٍ على مرمى نظرٍ قصيرٍ تتحدى بصوتٍ مبالغٍ فيه حتى الذي تدرّبَ على السكوتِ في صدره.
أصقلُ سيفي جيداً وألقيه على الطريق معترفاً بقليلٍ من الجبن الذي لديَّ وبعجزي عن إدارة إرادتي حتى، تتكوم النظرياتُ جوار السفِ، وأمضي خالياً منهما.

لم أفلت بعد من قدرتي على القول أني أحبكِ وأني لا أريدكِ، أتمنى وجهكِ في لياليَّ التي تطلُّ على الفضاء، وجهكِ فقط، ليرتّقَ ما خزّقتْهُ اعتقاداتي القديمة، لكنني أصحو على السريرِ نفسه، وعلى نفسي يقبعُ التواطؤُ، وقحاً منكمشاً ومدعياً ملكيته.

أصرخُ فيكِ ألم تفهمي بعد؟ ألم توقظي غباءكِ المغسول جيداً؟ أغسلُ ذكراكِ من جراحي ومن عينيكِ الهادئتين، لو لم تكونا هادئتين..!!
الشوارعُ، يا اللهُ، الشوارعُ
ذكراكِ
الألمُ اليوميُّ
العملُ المقزّزُ
وجوه الأيامِ
حيطانُ الشوارعِ
السياراتُ
الغبارُ
قصائدي
أصدقائي
الرملُ
البحرُ
الكافتيريات المرتبة  
أسعار أشرطة الموسيقى
الأسواق
مواصلاتُ السجون  
بيوت الجيران
القمامة
المحلات     
الإذاعة الآلية
الوزارات الكثيرة              
ربطات العنق
أجهزة الهاتف في السيارة وفي اليد    
الذقون الحليقة
الأغنيات
الشرطة
البحر المخنوق
احتفالات البطولة
اللقاءات الصحفية
الإعلانات الشاهقة
الأسماء على البطاقات الصغيرة
أنواع الدخان
الحديث عن الدولار
الجيش
الجيش                 
شركات البناء
تصليح الطرق                  
الاجتماعات الهامة
وأشياء أخرى
وما زلتِ تمنعين عني صدركِ.. كي أنام..

ما يخبيء دمك

لو لم تدقي بكفك على باب الخليفة اليائس لوجدت جملتين على جبهته عند موقد الحراس الشتوي تقولان أنه يحبك دون أن يعرف لون الباب أو رقة كف الطارق، للخشب عيون زئبقية كدوائر الصوت وصباحات الفيزياء، ليديك لغة لا تخطئها الملكات الفوقشرية حين تحدك من صراخ أصابعك الطويل وحين تقرض شهوة وجهك الواسع كانطلاقات الأنبياء، كوجه مدينة نابض عندما تتقصف ملامح المدن.

تفسخت موهبة الكلام في وقت مر فيه العابرون على عينيك يحاولون الموت كلما دقت ساعة من شبق كي تعلن أشياء خارجة من حسنا النحاسي، كيف يمكن لشيطان بعيد أن يخضع الرموز دون أن ينجح في اقتباس حاجز القلق؟

الخليفة الذي من قلق يفرك وجهه بيأس بحجم حيرته، يحاول اكتساح المسافة كي يعلن مدينته في وجه القرى، الخليفة أفلت من زمام العرش ليهبط نحو الزمن الذي من ضوضاء، يخبيء فيك ما تدرب عليه من كوارث كي ينجح في صياغة الكارثة..

واسع هذا النواح، الوداع القابع في جنازير النبوة لم يكفني، أنجح كلما جربت وجهك على امتداد هذي الأسماء، يهبط عرق موحد بيننا ليقيس شهوتنا التي من حطام، يمضي تاركاً ذيوله حول مأزق رتبته جرأتنا العارية، أما الحراس في آخر الروح فإنهم يعيدون الأنبياء إلى وحيهم دون فكرة عما يخبيء دمك من رضوض وعاطفة.

على زرقة الفراغ فر يوم ميلادك الحضاري إلى جفوف الأوقات كاشفاً عالماً مدرباً على الأغاني مستنتجاً امرأة شامية بأبعاد الحضور الخمري إلى مدن الهواجس، أرتوي ضائعاً من أشجارك مستيقظاً جوار الصليب، معلناً لك السلام، وآخر الروح التي لك...
معترفاً بقصور الكلام

صديقي
إلى محمد عموس

صديقي الذي من قوس قزح:
يا حبة ملح في فضاء ساحلي، يا أقرب إلى لآليء الفجيعة من رمل الشواطيء. كيف نصنع من صلصال المأساة وجهاً يجرد لوحة التكوين الأولى من مشاعيتها، هل ننحت في حجر عروس بحرية ترقص في روحنا كتمثال المدينة التي من زحام؟
هو البحر يقص مالنا من قدرة التكوين والسكوت، يفصل ورداتنا كما تفوح من وقتنا حسرة وزغاريد، هو البحر هذا السيد الراجع من جمالنا، المؤلف من بقايا دمعنا التاريخي، الساقط من تلألؤ الحضارات من كؤوس نشوتنا، هو البحر مائدة الندامى الذين من وجع، هذا اللون الغريب في لوحة تافهة في عالم ساقط إلى حدود المهزلة!

صديقي الذي من دموع وبحر:
هذا الغسيل يمر مشعاً كالضوء، محترفاً كالسكاكين، وطاهراً كالله، يفرد نصف عتمتنا على جسر الخراب، يمضي منا ليكفينا التوغل نحو ما يؤنبنا ويدهشنا!!
صديقي:
هي البرودة الأولى قبل احتراقنا بشمس الذاكرة..
فلا تكترث

ماذا نحن؟

لم نقم بلبلاً في وجهنا، لذا سقطنا كالتراث في حجر الصحف، تعصرنا جيولوجيا النص الكبير، حيث نحن قطعة من السؤال، وحيث السؤال فرضية ما!

لم نحد عن عادة واحدة أثناء انشقاقنا عن ملامحنا في مرايانا. المرايا كلها كاذبة: لأننا حين نبتسم.. تبتسم.

يصير وقوعنا تحت الرصاصة الأولى سهلاً بشكل فاضح، لكننا نمضي مع الحاسة العمياء نصف وقت، وقد نموت!!

نجمنا لا يحظى بسماء ما، أما حين نكتب عن الكتابة: يصبح الحرف لغتين متشابهتين، ومن هنا صعوبة أن تكون مبدعاً وسهلاً معاً.

حاولنا أن نشد العلاقة بين المرايا وبيننا إلى حيز الحواس، وكما نفشل في كل ما نرتب، رحبنا نيتنا في الإبقاء على وجهنا واحداً من الخارج ولا واضح من الجهة الأخرى، عندها ترنح سرب عصافير وامرأتان، سقط السرب ولم تكترث المرأتان لما لم يحدث، وكأنهما من جنس آخر لا يمت بصلة للسقوط أو للعصافير.

وكما دائماً
تشدنا المرأة من كلنا الكلي كي نصلب أرواحنا عليها تماماً مثلما نصلب أرواحنا عليها، نقف تحت الموسم الأنثوي نلقط بلحاً وكلمات ونساء أحياناً كي نمضي في بعض الظروف دون نظرة إلى الوراء:
وفي بعضها الآخر دون نظرة إلى الوراء.
متهمين زرقة الوقت بقلة الألوان والنساء.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads