الرئيسية » » وديع سعاده | المَقعد

وديع سعاده | المَقعد

Written By غير معرف on الجمعة، 1 فبراير 2013 | فبراير 01, 2013


المَقعد




مشى ناظراً إلى فوق، إلى الغيم الذي يعبر، وقال في قلبه: إنهم يعبرون أيضاً هناك.
هناك أيضاً فوق من يمشي، ولا مقعد له.
ولكن من هم هؤلاء الذين طلعوا من ماء ويمشون فوق؟ لا شكًّ بينهم أنفاسُ غرقى.
مُدَّ نظرةً إليهم، مُدَّ كرسيّاً، فلعلَّهم متعبون.
مشى خافضاً رأسه. لا يريد أن يرى أنفاس غرقى في الفضاء. مشى خافضاً رأسه، وانتابه حُبٌّ هائل للتراب.
ما في قلبي على الأرجح هو تراب إذاً وليس دماً، قال، ومشى.

ابحثْ في التراب حبَّةً حبَّة، قد تجد نفسك، أو على الأقلّ قطعةً منك.
قد تجد قطعة من أجدادك، ومن أحفادك الذين لم يولدوا بعد.
ابحثْ في التراب قد ترى أصدقاء، وقد تتعرًّف إلى ناسٍ لا تعرفهم.
انبشْ التراب الذي في قلبك، ستجد كثيرين مدفونين هناك، ينتظرون أن يصل مِعْولك إليهم كي يحيوا.

تعبَ وأراد أن يجلس.
على الطريق أحجار. حجرٌ مستطيل يريد أن يمشي. حجر مكوَّر يندب نفسه. حجر ذو ثغرة كفمٍ يريد أن يقول شيئاً. حجر مائل يستنجد بحجر آخر...
أحجار في جوفها شرايين، في جوفها دم... هل يجلس على دم؟!
ابسطْ نظرتك على الأرض واجلسْ عليها.
استرحْ في عينيك.
في العيون مقاعد. اسحبْ كرسيّاً من عينك واقعدْ عليه.
قديماً، مرَّ متعبون كثيرون وقعدوا في عينه. استراحوا قليلاً من سفر طويل، ثم تابعوا المشي على نظرته.
في ذاك الوقت كان يمكن أن تخرج العينُ من محجرها وتصير طريقاً. وحين يتعب الماشون، كان يمكن أن تعود إلى محجرها وتصير بيتاً.
كان يمكن تلك العين أن تؤوي آلاف المتعبين، وآلاف الضالّين، في محجرها الصغير، وأن تقدّم لهم طعاماً وشراباً من شرايينها التي لا تُرى.
الأحجار ليست مقاعد، وعلى حوافي العين رمل، قد يكون من الدموع. من دموع المتعبين الذين يمشون كلًّ حياتهم ولا يجدون مقعداً.
هيَّا، تابعِ المشي. لا تجلسْ على رمل. لا تجلسْ على دمع.
وافترضْ أخذتَ كرسيّاً من عينك وجلست. أليس كلُّ الذين تنظر إليهم يجلسون عليه؟ فهل تجلس على جالسين؟!
هم أخذوا المقعد قبلك. فبمجرًّد أن نظرتَ إليهم صار المقعد في عينك لهم. امشِ، لا مقعد لك في عينك ولا مقعد لك على الطريق.
امشِ.
وانتظرْ أن تنظر إليك عينُ عابرٍ آخر، فلعلَّك تقعد وتستريح فيها.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads