الرئيسية » , » للسجينات أمسيات لا تشبه أمسياتكم. | أمينة عبد الله

للسجينات أمسيات لا تشبه أمسياتكم. | أمينة عبد الله

Written By هشام الصباحي on الأربعاء، 27 مايو 2020 | مايو 27, 2020

للسجينات أمسيات أخرى، للسجينات أمسيات لاشيء فيها منتظم سوى التمام، لا شيء فيها كذب، لا شيء حقيقي على إطلاقه، أحسدهن جميعا على عباءات أمل يتبادلنها معا. 

للسجينات أمسبات أخرى، عجوز ترى في مصيبة السجن حمد وشكر، ابتلاء تذهب به إلى الله في آخر أيامها، حمد وشكر لتوافر  دورة مياه تتيح لها الوضوء/الاستغفار طول الليل: "نعم كبرى يا بنات تستحق الحمد". ذكرني بمسابقة الاستغفار ودفع الضابط للفضول: لماذا لا أصلي! 
كنت أرى في نفس دورة المياه عظمة النظافة الشخصية والوقاية من الانفجار. 

للسجينات حديث عن الأولاد والوظائف، لم يصدقنني كيف أكون كاتبة بلا مساحيق تجميل وذات شعر طبيعي! (لا يعترفن بالكيرلي) ويراه العساكر المكلفون بحراستنا شعر متظاهرات وسط البلد. لا تكف السيدات عن التباهي بالأولاد؛ ومن ثم ينخرطن في بكاء عظيم.  

للسجينات مع الجوع حكايات، حيث ينتظرن 'عيش الجراية' 
الذي يأتي به أحد العساكر غليظي القلب واللسان 
يلقيه بثلاثة أمثال عددنا لليوم كله، ويرين في ذلك السواد فضل عن جوع في ظلام المحبس. 

للسجينات صناعة للبهجة لا تعرف من أين يأتين بها: يصنعن حبلا للغسيل، يتبادلن الملابس بلا قرف أو طبقية، يصنعن بابا لدورة المياه بإحدى الملاءات التي لن تعرف أبدا من أين حصلن عليها، يكتبن على الحائط بأقلام الروج والكحل شعارات مبهجة كما لو كن في رحلة. 

للسجينات أسماء حركية تطلقها الأم -أكبر السجينات سنا- بلطية 
دبلوم زراعة وتعرف نفسها بالمهندسة، تغار في صمت وتحد، من آدائها أقر الحراس أنها جربت السجن، وليست مستجدة، جسدها مثلت مقلوب تغني دوما وتشير الى الضابط الطيب في صمت: 
"انت تروح وتمشي وانا اسهر ما انامشي". 
بسومة؛ بسمة الدنيا كما اسمتها الأم، لشعرها رائحة تشبه رائحة شعر ابنتي، كانت تحضنني؛ فأنام لدقائق. 
دودو؛ المهندسة المعمارية الشابة التي لا تبكي على قلق أم؛ حيث مات الأهل وتعيش وحيدة. 
تساعد الأم في الوضوء وتحضن الجميع وتبكي بدموع _فقط_ وهي نائمة. 

للسجينات تصنيفات للضباط: "ابن الناس" الذي سمح بذهابنا لدورة مياه، وصرف لنا وجبات من معسكره. 
"الجعان" الذي يتحكم في عدم شراء السجينات للأكل ويسرق أموالهن القليلة. 
"السمسار" الذي يسعر شقة بمليون جنيه وتصمم زوجته على رفضها؛ ليس له أي سلطة سوى منع سيدات مسنات من الذهاب لدورة المياه. 



 
للسجينات أمسيات لا تشبه أمسياتكم.


 
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads