الرئيسية » » منبه الساعة. قصة قصيرة : خالد علي سليفاني.

منبه الساعة. قصة قصيرة : خالد علي سليفاني.

Written By هشام الصباحي on الأحد، 16 ديسمبر 2018 | ديسمبر 16, 2018

منبه الساعة
قصة قصيرة
خالد علي سليفاني.

قال ماركو لزوجته قبل أن يخلدا إلى النوم: يا ألينا؛ إن منبه الساعة لا تعمل، أيقظيني في السابعة صباحا، فغدا هو موعد المقابلة، وعلي الحضور في الساعة الثامنة. إنها فرصة ذهبية يجب أن لا تفوتني، عامان وأنا أبحث عن وضيفة، وتعرفينني كم أعاني صعوبة في الاستيقاظ مبكراً.
ثم ابتسم لزوجته وقال: لقد فرجت يا حبيبتي، فعما قريب ستوظف و ادخر كل الأجر لأتمكن من دفع تكاليف إجراء عمليتك، صحيح قد تأخرنا قليلا، لكن لا بأس فالفرج أتى.
ردت عليه زوجته : حسنا، يا ماركو، أنا سعيد لأنك  وجدت عملا، وأنا واثق بأنك ستبذل قصار جهدك.
ثم امتلأت الدموع عينيها وقالت: ماركو، أنا أشعر بأني أصبحتُ عبئا ثقيلا على كاهلك.
ما أن انتهت من كلامها حتى  قال ماركو: لا يا حبيبتي، لا أملك غيركِ في هذه الدنيا يا ألينا، إن أمنية حياتي هي أن أراكِ مرة أخرى بصحة جيدة، صحيح قد حرمنا من الأطفال، ولكن وجودكِ في حياتي ملأ علي كل شيء بالجمال والنور...
ثم ضحك ماركو وقال محاولا تخفيف حدة مشاعر زوجته التي باتت تشعر بالضعف والهزيمة  : بعد ثلاثين عاما من الحياة معا، كيف لي أن أوفر أي جهد يسعدكِ، فعندما أراكِ تبتسمين أشعر كأنني أملك الدنيا وما فيها.
ابتسمت ألينا، فقد منحها كلام زوجها كل الثقة و التفاؤل ونست ألم مرضها ومعاناتها، وفي أحيان كثيرة نحتاج إلى شخص يقف بجانبنا أكثر من أي شيء آخر ولا نريد منه سوى أن يشعر بنا و يقول لنا " أنا معك ولست وحدك"...
بعد لحظات قصيرة ما لبثا حتى غرقا في نوم عميق و هانئ، بعد أن شحن الجو بالأمان والطمأنينة.

لم يشعر ماركو بنفسه إلا وخيوط أشعة الشمس تدخل النافذة، نظر إلى الساعة التي تعطلت منبهها، فإذا بها تشير إلى الثامنة و النصف،ارتعش و قام من فوره والتوتر يهز بدنه الذي نال في هذه الحياة الحرمان والشقاء، ملأ الغضب عينيه اللتين قد احمرتا، وصاح بصوت عال و مليء بالغضب والانفعال معا : تبا لك يا ألينا، تبا لك، لم توقظيني وتعرفي أني لا أصحو مبكرا، لقد فات موعد مقابلتي.
منذ متى الى هذه الساعة تبقين في فراشكِ؟ على مدى ثلاثين عام تستيقظي مبكرا جدا. يا لسوء حظي و سواد يومي.
ثم هرع ولبس ملابسه وأسرع إلى الباب ولبس حذائه وخرج حتى أنه نسي أن يغسل وجهه وينظر إلى المرآة، خرج إلى الشارع حيث منتصف مدينة لندن أوقف سيارة أجرة، بدا وكأن شبحا يطارده، ثم ركب وحث سائق سيارة الأجرة بالإسراع ليأخذه الى حيث مقر الشركة التي قدم اليها طلب الوظيفة، وقال له : أرجوك سيدي، أسرع، فلدي موعد مقابلة للتوظيف وقد تأخرتُ كثيرا حيث كانت منبه الساعة لا تعمل و قد استغرقت في النوم.
وإثناء الطريق دخل إلى متاهات لا تنتهي من الخوف و التوجس.
ولان الشوارع مكتظة بالزحام، بعد ساعة وصل إلى باب مبنى الشركة التي عليه الحضور إليها للمقابلة... دخل الباب وهرع إلى السلالم وما أن وصل إلى الطابق الثالث حيث هنالك غرفة إجراء المقابلة، حتى وجد باب الغرفة موصدة، حاول أن يفتحا كانت مقفلة.. نزل مسرعا إلى الطابق الأرضي حيث البوابة الرئيسية، ليستفسر عن الأمر مِن أولائك الموظفين هناك، وجد موظف الاستقبال فسأله عن المقابلة، فأخبره أن المقابلة انتهت منذ دقائق وان السيدة التي كانت تجري المقابلة غادرت منذ قليل مبنى الشركة متجهة الى المقر الرئيسي بعد أن أجرى مقابلاتها وأخذت معها ملفات الأشخاص المقدمين للوظيفة.
قال له ماركو و الهزيمة تكسو روحه و ملامحه :
كان موعدي للمقابلة في الساعة الثامنة وقد تأخرت، إذ استغرقت في النوم ولم انتبه وكان منبه الساعة لا تعمل، استحلفك بالله، كيف لي أن ألحق بها، ربما تجري لي المقابلة بعد أن تتفهم موقفي.
ــ لا يا سيدي، لقد انتهى ولن ينفعك شيء، سوى عليك المجيء في العام القادم، ففي كل عام تعرض الشركة هكذا فرص عمل لمرة واحدة فقط.
وطأ ماركو رأسه، وعاد يجر أذيال الخيبة والخسران، فقد كان بالأمس يحمل ربيعا من أمل خلاب، وقد وجد فرصة عمره التي كان يبحث عنها منذ عامين، حيث كان سيجني خلال فترة وجيزة المال الكافي لإجراء العميلة لزوجته، كما كان سيتخلص من الروتين الممل من الجلوس اليومي في البيت.

خرج من مبنى الشركة و الخيبة تقتحم روحه وعقله.
وهو في طريق العودة إلى منزله، والدخان يخرج من أنفه والنار من عينيه، وصل إلى المنزل ويحمل نيرانا من الغضب ليسكبها على زوجته، التي تسببت في بقائه في النوم وتأخره عن موعد المقابلة.
دخل المنزل وأسرع إلى غرفة نومه حيث كانت زوجته مازالت في فراشها، بدأ ماركو برفع صوته وقام بسبها وشتمها بشتى أنواع الكلمات القاسية والموجعة والتي لم يستخدمها مرة في حياته، ولولا حبه الشديد لزوجته التي ترافقه رحلة عمره منذ ثلاثين عام، لقام بضربها لأنه عندما انفعل وثار غضبه التفت يمنة ويسرة، محاولا العثور عن شيء ما ليضربها به، لولا أنه في الأخير تراجع عن الفكرة.
وأستمر في شتائمه: تبا لك يا الينا، تبا لك لقد أفسدتِ علي كل أملي وحلمي. ألم أقل لك اوقظيني في الساعة السابعة صباحا.
لقد خسرت فرصة عمري...

ثم اتجه نحوها وكانت ما تزال في فراشها وقال لها: لك الحق في أن تبقين صامتة، فبأي وجه ستخرجين رأسك من تحت ذلك الغطاء.
تبا لكِ...تبا يا الينا..
وقف على رأسها ورفع الغطاء... فإذا بها قد فارقتِ الحياة وجسمها بارد وكأنها منذ الأمس غادرتِ العالم.
فجع ماركو ثم جثا على ركبتيه وبكى بحرقة شديدة والدموع تجري على خديه نادما حزينا  وقال بصوت مليء بالغصة والحشرجة :لا يا الينا، انا أسف يا الينا، ليس تبا لك، بل تبا لي، وتبا لمنبه الساعة.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads