الرئيسية » , » قبل أن يضيع كل شيء | مهاب نصر

قبل أن يضيع كل شيء | مهاب نصر

Written By Gpp on الثلاثاء، 17 أبريل 2018 | أبريل 17, 2018

لوحة للفنان السوري مهند عرابي

عن الطبيعة

لم أكلمك أبداً عن الطبيعة
لكن حينما ألمس السطح الشمعي
لورقة خضراء
أكون قد عبَرتُ إلى الجهة الأخرى،
لا عاطفة لدي
وطوال النهار أظل معلقا بكهرباء
لها طقطقة خفيفة
أما قلبي 
فيكون في مركز الشمس تماماً
من بعيد أنت ترين اللهيب فقط
لا شيء من ذلك هنا
هل تصدقين؟
لا أستطيع هنا أن أقول يدي وذراعي وفمي
كل هذا يُصنَع في الأسفل
يُصنع ويغلف بالكذب
هل تعتقدين أن باقة من الورد هي شيء حقيقي؟
تعبير عن حب مثلا؟
هل تفهمين أين الخدعة؟
أن ما هو حقيقي مات في الكلمة
أن حبا هو لا شيء
حشو من الألوان والروائح
ضعي يدك على الورقة نفسها
على السطح الشمعي
حيث يفقد كل منا اسمه القديم
حيث يروننا من بعيد لهبا فحسب
عن أي شيء أكتب إليك؟
اكتبي أنت

الأيام المقبلة

"الأيام المُقبلة مرّت فعلا"
كانت هذه عبارة من أغنية
أو فيلم
لكن ليس من كتاب
لأن الأخير له ثقل الأيام التي لا تمرّ
الأغلب أنني ابتدعتها
ولفّقت نسبتها لتكون مؤثرة
هي عبارة ساذجة ومتناقضة بالتأكيد
لكن يمكن فهمها هكذا:
أنا وأنت ليس علينا أن نتخيل المستقبل
بل نتذكره
هذا تناقض أفضل
يمكن أيضا أن تُقرأ هكذا:
المستقبل هو حرية أن نتذكر ماضينا
وكأنه لم يحدث بعد

أين الليل يا عمتي؟

فوق البدال
كانت قدماها كما على أرجوحة.
بقفزات لاهثة
صار الخصر محبوكا بخيط لا يرى.
عليها الآن أن تبدل المكوك.
في لحظة الصمت هذه
أنظر إلى الليل من حولي.
أين الليل يا عمتي؟
العجلة الحديدية
توقفت كحيوان مستأنس،
لكن قلبي يخفق في الفراغ.
أفقد الخيط
وأسأل: أين الليل يا عمتي؟
بعين واحدة تشير إلى ثقب دقيق
حيث يمر الخيط،
وتستأنف الحياة.
لم تبق إلا الضحكات
دوائر من الترتر الأزرق والوردي،
فوق مياه من الشيفون،
فكرة مستقلة عن السعادة.
نكنس القصاصات.
تلك الأسماك الميتة عند أقدامنا آخر السهرة.
تذكّرني دائما:
أهذا هو الليل يا عمتي؟

انحناءة

تعرفين كيف وجدتك؟
مثلما تسقط على الأرض زهرة
الزهرة ليست أنت
ولا أنا بالطبع،
شيء يضطر الواحد الى الانحناء
وبدلا من أن يكمل السير 
يتوقف لحظة
ويتذكر حياته كلها

الحجَر في يدي
أفكر بك دائماً
هكذا أعيد كتابة الشيء نفسه مرات
أنقّح، وأضع الفواصل
ثم أستلقي منهكا 
أريدك هنا 
ليس صورة عنك
كم هو بسيط وصعب!
أفكر أن أهجر الكتابة تماما
وأتفرغ للغرام
أفكر أن أصارح أصدقائي: لم أكن يوما كاتبا
كنت فقط محطَّم الأعصاب
بين الكلمات
أفكر في اسم مستعار
يغير هيأتي 
يجعل عيني أكثر اتساعاً مثلاً
لن يكون هذا مفيداً
فالأشياء ستبقى على حالها، وأكثر رعباً
أفكر إذن في آخرين
لا في صورة عنهم
ألا أبالغ؟
نعم .. هناك دائما مبالغة
لا تستطيع مع الكلمات أن تتجنب ذلك:
أن تكون أنت.
هناك شيء ما يتهشم
حتى لو كنت حذراً
حتى لو بقي الحجر في كفك إلى النهاية
ستسمع الصوت نفسه
هل عليّ أن أحزن؟
أفكر فيك فقط
الحجر في يدي
ولن أبقيه إلى النهاية
درس في الحياكة

يدي الصغيرة في يد أمي
ثم أين؟
أضعها إذن على المسند العريض
وأحيانا أشبكهما خلف رأسي
غاطسا في الفوتيه 
فيم كنت أفكر؟
مازورة القياس تهبط من الخصر إلى الركبة
بدلاً من الأفكار
تثبت الدبابيس
وعلى طاولة مستطيلة ورق شفاف
صريره ليس بسبب احتكاك
بل بسبب الفكرة المعروضة هنا:
نحن لا نصنع أغطية.
رائحة القماش المقصوص تواً
رائحة جسد يستقل،
وفي اللحظة نفسها،
لا يعود حتى ملكا لذاته.
هكذا أكتب الآن
على وسيط شفاف.
بدلا من الدبابيس
أثبت أفكارا بحسب القياس
ليستقل شيء ما عني
يدي في يد أمي
ثم أين؟
هكذا تبدأ الكتابة
كرائحة قماش مقصوص
نحن لا نصنع أغطية
بل ملمساً مضاعفاً للحب
قبل أن يضيع كل شيء

على رسغي دائرة بيضاء ناشزة
بشرتي حولها سمراء
هل هي صُدفة؟
هذا الفراغ نشأ عن ساعة قديمة
أنظر الآن
ما الذي كان يخفيه الوقت؟
صحراء
ألبس قمصاناً بأكمام قصيرة
لسع الرمال في ساعديّ
الأشد سمرة
عقارب حقيقية هنا
تبحث عن مكان رطب؛
اللسان مثلا،
ومنه إلى بحيرة الذاكرة
في رأسي خدر عذب،
استسلام كامل لما كان
لما لم يوجد أبدا
يسألني أحدهم: كم بالضبط؟
أنظر إلى دائرة بيضاء،
وأجيبه: الآن.. الآن بالذات
أسرِعْ،
قبل أن يضيع كل شيء
النوم
جبل في هذه الغرفة
كنت أسميه النوم
فوق سنامه
سيجارة مشتعلة
صديقي كان يراها من بلاد بعيدة جدا
جارتي كانت تسعل
الطبيب كان يضع سماعته على السفح
وفي جيبه يدس عينة من الصخور
ـ لم أعد أحلم
أقول كما لو في حلم
زرت بلدا يقظا
في الليل يطير الناس كفراشات مضيئة
ويغطون الجبل كله
زرت بلدا يسكن الناس فيه الجبل
وفي الصباح
تبزغ زهور بيضاء صغيرة.
زرت بلداً
كانت الزهور نفسها على هيئة سحب هشة
فيبدو الجبل وكأنه يدخن
في غرفتي لا أحلم
أتذكر فقط ما كان عليّ دائما أن أكونه

ماذا أفعل للإمساك بفكرة؟

كنت متعباً جداً
وحينها مرت عبارة ما
عبارة كان يجب أن أحتفظ بها
ولكنني نسيت كيف.
ماذا يفعل الآخرون
للإمساك بفكرة
حاولت ذلك معك أنت نفسك
كما يُحتفظ بالشمس،
بالجلوس ساعة على العشب،
بالنسيان،
بعقد الكفين خلف الرأس
لكنني نسيت أن أغمض
أنا الآن متعب وأعمى
وكلما أردت الإمساك بفكرة
يُسمع ارتطام ما
وما بقي من الشمس
أحتفظ به في قبضة
تضرب دائما في المكان الخطأ
أمطار

لا علاقة لي بالأمطار
وحين تتقدم  السماءَ غيمةٌ
أقول لأصدقائي:
لست أنا.. صدقوني
إنني أجفل حتى من قطرة
إن قطرتين منه
يمكن أن تدمرا حياتي
أما ما يحدث الآن
فهو الجنون بعينه.
يسألني أحدهم
ماذا تريد الأمطار منا؟
يا صديقي
نحن لا نعرف أصلاً من أين تأتي
نخرج أيدينا من النوافذ
وفجأة نشعر بوخزة خفيفة
ثم يصبح كل شيء موجعاً
على الزجاج
تتتابع خيوط مضفورة
وفي الشوارع ترى دوائر سوداء
نسميها "مظلات"
تمشي وحيدة كأنها في جنازة
ربما لو كنا نفكر بطريقة أخرى
ربما لو منحتني يدك مثلا
أو ..لا أريد أن أبالغ،
لكنا الآن في وضع أفضل
أو على الأقل
لصرنا قادرين
على احتمال كل هذا الحزن.




*شاعر من مصر

المصدر :  ضفة ثالثة فى17 أبريل 2018
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads