الرئيسية » , » الحياة كما تراها ذاكرة طفل شهواني: عن ديوان "قمر مفاجىء" لوليد الخشاب | محمد ماهر بسيوني

الحياة كما تراها ذاكرة طفل شهواني: عن ديوان "قمر مفاجىء" لوليد الخشاب | محمد ماهر بسيوني

Written By Gpp on الأحد، 5 نوفمبر 2017 | نوفمبر 05, 2017

الحياة كما تراها ذاكرة طفل شهواني: عن ديوان "قمر مفاجىء" 
لوليد الخشاب
محمد ماهر بسيوني

ناقد وأكاديمي مصري



ليس هنالك من حزن أقسى من 
تذكر لحظات السعادة في اللحظات المأساوية
دانتي أليجييري

عديدة هي المداخل والبوابات المفتوحة على مصراعيها للولوج إلى مجموعة "وليد الخشاب" الشعرية: "قمر مفاجئ"، بحيث يمكن لكل قارئ أن ينتقي بوابة يعبرها ليطل على ذلك المشهد الشعري الباذخ، المليء بالتفاصيل المدهشة، كما يمكنه بعد التطواف الأول أن يعيد التجربة من جديد عبر بوابات أخرى؛ فهذا ليس نص قراءة المرة الواحدة بالمعنى الرقمي، أو القراءة الواحدة بالمعنى التأويلي؟
ولكن ملتقى الطرق التي تؤدي إليها هذه البوابات من وجهة نظري هي الدهشة النابعة من تواشج الذاكرة مع المخيلة، مضافا إليها آلية التناص مع كل من التراث العربي وعالم الفن السابع (السينما)، وهما التيمتان المهيمنتان على المجموعة الشعرية، وهما ما ستتناول تلك الدراسة تمثلاتهما العديدة المتناثرة عبر مقاطعة الشعرية.
أولا: علاقة التخيل بالذاكرة
نلاحظ في تواشج التخيل بالذاكرة أنهما قد شحذتهما حسية بصرية تلتقط المدهش من تفاصيل شديدة العادية، تمر بها العين غير الحاذقة دون أن تلتفت إليها أو تلقي لها بالا، فلا تعلق بالذاكرة ولا تستثير المخيلة.
ولأن الذاكرة لها دور البطولة في الفعل الإبداعي لهذا الديوان، يبدو كل مقطع شعري كذكرى مستعادة، وتبدو كل ذكرى كأنها قمر مفاجئ، يسطع لغير أوان، تبعا لسيرورة غير زمنية، لا يمكن التنبؤ بها ولا الحيلولة دون حصولها، فذكرى المحبوبة:
"تأتيني في الكتابة
وفي السكون
وحين أتسوق
ولحظة القهوة صباحا
وحين أندس في الفراش
ليلا
لا أنيس لي إلا التليفزيون
واسمك".
(قمر مفاجئ: 12)
وهذه الذكرى ذات انطباع دائم على الروح، يشبه انطباع الأجساد على الصمغ الشمعي:
"صمغ ليلي
صبغ وسادتي الخالية
فارتسمت عليها ملامحك"
(قمر مفاجئ: 18)

وحين يحاول الشاعر استعادتها عمدا؛ فإنه يمخر عباب ذاكرته، في رحلة بحث عن القصي والعميق والخفي والنائي، ولا يكتفي بما هو في متناول اليد أو ما هو ظاهر للعيان، أو كما يقول الشاعر: 
"في الفيلم الحق
لابد أن ترى القمر
منزويا في الخلفية
أو متواريا
في نسيج الشاشة "
(قمر مفاجئ: صـ 43)
يشق الشاعر طريقه عبر متاهة خزانته السرية المسماة بالذاكرة متسلحا ببصر مشحوذ مشحون بحسية عارمة لطفل شهواني، تعيد صياغة ما يراه الآخرون عاديا حد الابتذال، بهدف استكشاف الشعري فيها، ذلك الذي يحفز المخيلة ويبهج الروح.
وهو في المقطع الأخير من الديوان، يمنحنا سر استراتيجيته التي تنبني عليها رؤيته الشعرية:
"فجأة 
وردة تندلع من الأسفلت

الشعر لحظة
لا وردة ولا أسفلت"
(قمر مفاجئ: صـ 86)

حين نفكر في الماضي فإننا نتذكر ما لا تقع عليه عيوننا في الحاضر، فالتذكر ممارسة تستجلي الأحداث الماضية، ولكنها ممارسة انتقائية؛ فالذكريات تفرض نفسها عنوة أو نحن نستدعيها طوعا، ونحن في الحالتين – الجبرية أو الاختيارية –  نتذكر ما له معنى لنا - على بساطته - ويحمل انفعالات عنيفة:
"أوحشني مرآك
بقفاز المطبخ الأحمر
أوحشني ماج النيسكافيه بيدك
وجولات الربيع في شارع المقاهي

تركتني الكتابة وحيدا
وخلفت ذاكرة بلا صور"
(قمر مفاجئ: صـ 78)
في هذا المقطع الشعري تتداعى ذكريات بسيطة تحيل إلى صور من الماضي تشغل الذاكرة - فما الذاكرة إلا تأمل صور، كما قال الشاعر الإنجليزي "وردزورث" - وهي من فرط ألفتها تنبه الجهاز العصبي للشاعر الذي يستقبلها؛ فتغري المخيلة بكتابتها؛ لتتخفف الذاكرة المثقلة بالصور.
هنا تتحول الذاكرة لفن، وتتدخل المخيلة لتختزلها إلى صور شعرية تتمثل في مفردات كتابية. وتبدو كلمة "وحيدا" إشكالية في علاقتها بالكتابة؛ فما معنى "تركتني الكتابة وحيدا"؟ هل للكتابة دخل في شعوره بالوحدة؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، علينا معرفة أن كلا من الحس الفطري والفلسفة يميلان إلى تقرير أن ما نستعيده بعملية التذكر ليس هو التجربة الأصلية التي عشناها، بل نسخة منها، وهو ما اصطلحنا على تسميته بالصورة، ويرتبط مع هذا الرأي الصوري في الذاكرة ميلٌ قوي وطبيعي للتفكير في الذاكرة باعتبارها خزانة سرية.
ولكي تخلو الذاكرة من الصور، فهذا يعني أن المخيلة قد استولت عليها في لحظة كتابتها؛ فينقضي الشعور بانتمائها للماضي دون أن تنتمي للحاضر في الوقت نفسه. إنه الشعور بانعدام الوزن النفسي المصاحب لتوقف الزمن الشعوري. 
إذا تخلينا عن فهمنا للصورة باعتبارها نسخة مطابقة تحيل إلى الواقع كما هو، سوف ندرك دور الذاكرة في تشكيل المخيلة، كما سندرك دور المخيلة في تشكيل الذاكرة، كما صرنا ندرك أن ضوء النجم البعيد الذي نراه الآن، قد وصلنا بعد انفجار مصدره بملايين السنين! حين نعرف أن ذاكرتنا مليئة بالانطباعات لا الكينونات، حينها سندرك كيف أن كتابتها تُشعر بالفقد، وتُفرغ الذاكرة من ثقلها. 
ويتكرر معنى الفقد حين تسعى للتذكر في قوله:
"شمس
بدغلك
تغيب لو أتلمسها"
(قمر مفاجئ: 18)

هكذا تبدو استجابة الشاعر لذلك التفاعل الجدلي لثنائية: الذاكرة/المخيلة؛ فالصورة جزء من تجربة التذكر، وهي أيضا جزء من تجربة النسيان، حين تكون الذكرى مرادفة للحسرة:
"الوقوف على الأطلال 
أن تنزل من الباص
فتدهمك ذكرى شبرا بالاس
وتتحسر على سينما
أزالتها رأسمالية بلا قلب

منسوب الرومانسية انخفض
بزوال سينما الدرجة الثالثة"
(قمر مفاجئ: 54)
حسرة أن ما امتلكناه يوما قد فقدناه إلى الأبد. ذكرى الفردوس المفقود التي لا تزال تؤرقنا وتطاردنا؛ وتوقع بنا في إشكالية أن اللحظات السعيدة صارت تجربة موجعة؛ لأنها لن تتكرر! لن ندخل سينما شبرا بالاس مجددا، ولن يرتفع منسوب الرومانسية مرة أخرى؛ فالشرط الاقتصادي لا يعبأ بقلب يحن إلى الأيام الخوالي.
والصور جزء من الذاكرة حين تكون مرادفة لنشوتي العشق والسكر:
"مهما داعبت الخطوط عنقك
مهما خالج البياض شعرك
تظلين تلك الفتاة
التي جاوزت العشرين بالكاد
تعشق قطاع الطريق
وتسكر من قراءة الروايات"
(قمر مفاجئ: 62)
لقد انقضى الشباب، وما تبقى منه هو عشق المغامرة والسكر بالخيال. ووهن ما هو جسدي، ولم ينطفئ توهج جذوة العاطفة، بل بقيت أثرا يدل على ماضٍ غابر.
والصورة جزء من المخيلة حين ترتق ثقوب الذاكرة وتملأ فراغات الواقع:
"يعتري شفتي طعم الملح 
حين تعانق عيني خاصرتك
بيننا البحر 
والشط
ليس موجةً تصافح رملا
بل مخيلتي
ترسو على فكرة عنك"
(قمر مفاجئ: 59)
في ذلك الجدل ما بين الذاكرة والمخيلة، تتدفق المقاطع الشعرية في تداعٍ حر، يظهر معها الديوان كقصيدة واحدة ممتدة؛ كأنها تنويعات موسيقية على موضوع لحني، فلا يبدو تقسيمه إلى ست قصائد إلا كما تقسم السيمفونية الواحدة إلى عدة حركات في محاولة لوضع علامات على الطريق، تشير إلى تغير النبرات الشعرية في ذات الموضوع الرئيس، وهو الذكرى الناتجة عن مسرات بسيطة لحياة عادية، يقدمها شاعر يمتلك عين طفل شهواني، قربانا على مذبح الشعر:
"كل أربعاء
فتحة في بلوزتك
تشعل نحرك المرمر
وتفاصيل تغسل عيني
تحول الحياة العادية
إلى مذبح للشعر
***
كيف تفجرين الشعر من دلو وممسحة؟"
(قمر مفاجئ: 26)
تبدو التفاصيل شديدة الاعتيادية، كما أن تكرارها يجعل من الضروري أن يخفف من تأثيرها، ولكن على العكس نجد الشحنة العاطفية في أقصى حالاتها، حد اعتبار دلو وممسحة ألفاظا مرادفة للشعر!
لا يمكن اعتبار تلك التفاصيل دالة بذاتها، بل لاعتبار اقترانها بالمحبوبة، التي تضفي عليها الذكرى أبعادا أسطورية؛ إذ ليس الإدراك الحسي هو الفاعل بل ذكراه.
ثانيا: التناص
هذه الأسطرة للعادي واليومي المتكرر تغري الشاعر بالتناص مع كل من: التراث العربي والإسلامي، الذي يبدو الشاعر متمثلا له وعلى دراية واسعة به – كونه أستاذ الدراسات العربية في جامعة «يورك» الكندية – ومع عالم السينما.
ففيما يخص التراث العربي والإسلامي، نجد تلك المزاوجة بين مأثورات تراثية لها طابع قدسي مع مفردات حديثة، في صياغة حداثية تصل الماضي الثقافي بلحظة الكتابة الحاضرة:
"ذات النطاقين
مشد الصدر
والسليب"
(قمر مفاجئ: 20)
تتناثر متعلقات المرأة الحميمة - ذات الطابع الفيتيشي - ما بين أرجاء الديوان، لكن خصوصيتها هنا في استعادة التراثي من قصة الهجرة لتضفي طابعها القدسي على المحبوبة المستعادة.
ثم يوسع الشاعر دائرة صفاتها، فلا تحمل صفات النساء فقط، بل تحمل جمالا مذكرا أيضا تشتهيه النساء، كأنها النبي يوسف الذي قطعت النساء أيديهن لمرآه:
"من النافذة 
تطلين على العالم
مثل يوسف تجتليه النساء"
(قمر مفاجئ: 12)
ثم تتوالى دوائر المقدس التي تختزنه تلك المرأة المستحيلة، فهي مثل ربات اليونان، وجسدها يحمل صفات:
 "مثل ربات اليونان
أعلاها مثمر
لكن أسفلها هو المغدق"
(قمر مفاجئ: 17)

والوصول إلى سدرة منتهاها يقتضي معراجا، محركه الشهوة الجسدية، وفي ذلك إعلاء من شأن تلك الشهوة التي طال النظر إليها باعتبارها فعلا مدنسا لا قدسيا:
"الليلة 
سوف أعرج في أحلامي
لأنني أشتهيك"
(قمر مفاجئ: 17)
وفي تناص مع القول العربي السائر: "أهل مكة أدرى بشعابها"، يجعل الشاعر من سرتها فاتحة للتجوال في جغرافية الجزيرة العربية:
"الطريق إلى مكة
يبدأ من سُرَّتِك
أنا أدرى بشعابك"
(قمر مفاجئ: 17)

وفي تأكيد على قدسية جسدها، يجعل لجسدها صفا ومروة، وهما وسيلة لاستدعاء جغرافية الجزيرة العربية - ذات البعد المقدس - في النص:

"حمام شمس يثلج صدر الناظر
ووادٍ استعصى على السمرة
بين صفًا ومَرْواكِ"
(قمر مفاجئ: 22)
وهو يضرب لعلاقته بها مثلا يمتح تفاصيله من قواعد اللغة العربية، التي تكثر من ذكر اسم "زيد" للرجال واسم "هند" للنساء في أمثلتها الشارحة، كأنه يجعل منهما نموذجين لتعليم العشاق قواعد العشق:
"هند وزيد
عاشقان افتعلتهما اللغة
زيد مبدأ ومنتهى
حبيس الحرف والمعنى
وهند خلقتها الأحلام"
(قمر مفاجئ: 30)
وفي المقطع إشارة إلى أن ماضيهما انتهى وهو يستعيده بالكتابة بوسيطيها: الحرف والمعنى، وأن ما يستعيده فيه من خيال الأحلام أكثر من ذكرى الواقع.
وفي تناص قرآني يجعل عيني المحبوبة لا ينطقان إلا عن الهوي:
"عيناك لا تنطقان
إلا عن الهوى"
(قمر مفاجئ: 44)
وهو نقيض ما حكاه القرآن عن النبي الكريم: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} (النجم: 3)، في وعي من الشاعر بالحدود الفاصلة بين السياقين الشعري والقرآني.
وهو تناص يعمل على إحلال النسق الأنثوي محل النسق الذكوري السائد.
ثم يشير الشاعر إلى تداخل الفني بالمقدس، في لمحة بارعة، حين كشف عن تقديس العرب للشعري بوضع أفضل قصائدهم على أستار الكعبة، التي هي أقدس موضع في دينهم:
"تلك الأنامل
عشر قصائد تتدلى من يديك
في دلال
سماها الأولون معلقات
تلك الأنامل
حين تنفض ذرة من غبار عن كتفك
تجعل من ثوبك
أستارا للكعبة"
(قمر مفاجئ: 56)
ويسبغ هو على محبوبته هذا المزيج من الفني والمقدس.
ثم يجعلها هي في حد ذاتها دينا:
"أدين بدينك أنت"
(قمر مفاجئ: 74)
في تناص بديع مع بيت ابن عربي الأشهر: "أدين بدين الحب". فيضفي المقدس المسبوغ على الحب عليها هي، فكأنما هي أيقونة للحب في المطلق.

لم يتبق بعد أن أسبغ عليها كل هذه الصفات إلا أن يدعوها على مثال دعاء الكروان ودعاء الحجيج:
"أمد جناحي لك
كطائر اللك لك
أستقبلك 
كزهرة ليلك
تنادم ليلك
وأشهد لك
الملك بين يديك
ولا حب إلا لك
لبيك وسعديك
ولا ثناء إلا عليك"
(قمر مفاجئ: 84)
في انسجام بديع ما بين الطبيعي والديني.

والتناص الثاني - بهدف أسطرة اليومي والمعاش - هو مع ذلك العالم السحري الذي يحتفظ بالصور المتحركة، فكأنه المرادف للذاكرة المليئة بالصور.
في تناصه مع عالم السينما يكون التركيز مع الفترة الكلاسيكية، فترة الأبيض والأسود:
"لكن كيف يستقيم بعد الظهر
أمام فيلم أبيض وأسود
في غيابك؟"
(قمر مفاجئ: 9)
يبدو ماضي حضورها بعيدا موغلا في البعد، فيستدعي التعبير عنه ماضي السينما قبل عصر الألوان، في استعارة مكنية ذات طابع حداثي.
وهو يستعين بتقنيات السينما في وصف مشهد الذكرى، كمخرج يعطي تعليمات تصوير مشهد سينمائي؛ فيهتم بوصف إحداثات الثريا، وتأثير القبلة على شفاه الممثل/الشاعر، وتفاصيل الضوء في الخلفية، جاعلا من المحبوبة أيقونة سينمائية تجد تجسدها في "سعاد حسني" و "أودري هوبورن":
"إلى اليسار من أعلى
لابد من ثريا
تبتسم عبرها سعاد أو "أودري"
قبلة على شفاهك السينمائية
أذابت جبهتي في بنايات المدينة
مثل طيف انساب في أطياف"
(قمر مفاجئ: 34)

تبقى الذكريات علامة على ماضٍ ذهبي له سمت خاص في العاطفة، وتحدث تقنية الألوان الجديدة المنتصرة على الأبيض والأسود، ارتباكا لدى الشاعر، فيشعر أن زمن العواطف الصادقة قد ولى، وتجاوزته الأيام:
"تجاوزتني الأيام
لم أعد أعرف كيف أقول أحبك
وقد مضى عهد الأبيض والأسود"
(قمر مفاجئ: 54)
وفي سعيه لتجاوز هذا الارتباك العاطفي، يعمد إلى تثبيت المحبوبة أيقونيا في مظهر واقعي ينتمي إلى مدرسة سينمائية لها خصائصها المائزة، وإلى حقبة زمنية محددة:
"شعرك القصير 
كأن صورتك قد خرجت لتوها
من فيلم لـ "جودار" -
ثبَّت روحك في الستينات"
(قمر مفاجئ: 60)
وهو في محاولته لتقريب المخيال من الواقع، يعمل على تقليص البنى الميلودرامية – التي هي من خصائص أفلام رومانسيات الأبيض والأسود – ليضاعف من مصداقية مشاعره وذكرياته:
"لحظة سينمائية..
من المؤكد 
أنني لو صوبت نظرة نافذة إلى عينيك
وأسبلت عيني طويلا
ثم قلت لك بحرارة
إني أحبك
أكون قد بلغت قمة الرومانتيكية
لكن ماذا ينفع الإنسان
أن يكسب لحظة سينمائية
ويخسر باقي الفيلم؟
ونفسه؟"
(قمر مفاجئ: 65)
كإلهة حداثية، لم تعد المحبوبة تتجسد في أصنام لربات غابرات، بل صارت تتجسد في نجمات سينما موزعين في حقب زمنية مختلفة، فحينا تعبر عن السبعينات بانطلاقها المرح:
"ماذا لو قلت
إنك رائعة مثل فاتن
أو دقيقة القد مثل زبيدة
أو مجنونة مثل سعاد
الجرأة أن أعترف بأن لفتة منك
تبعث حياة قنديل مجددا
نظرة منك 
تعيد السبعينات إلى النور".
(قمر مفاجئ: 66)
وحينا تعبر عن الخمسينات في نبلها الوقور:
"لهذا وجدت مدينة مثل القاهرة
ولهذا خلق الله الليل في الزمالك
فتلحقين بي وتصافحينني
كأن فاتن حمامة
قد بزغت أمام حديقة الأسماك
متبسمة، في فستان من الخمسينات"
(قمر مفاجئ: 72)
أما كينونتها الأيقونية فتعبر عنها بالحلول والاتحاد أجمل النساء: سعاد حسني:
"رأيتك في عيون "دوجو" يا هند

سعاد سألت حسين:
من أنت؟
أما أنا فأسألك:
من تكونين؟
لا أتقصى سرا
بل أتعجب من حلول أجمل النساء
في جسدك"
(قمر مفاجئ: 79)

في ختام هذه القراءة لديوان: "قمر مفاجئ"؛ يمكننا القول: إن العالم يشهد حالة عامة من الحنين الصارخ إلى الماضي (النوستالجيا)، يتم التعبير عنها في كل منتجاته الثقافية - حتى على مستوى الإعلانات التجارية عن السلع الاستهلاكية - وبهذا المعنى يمكننا أن نقول أن هذا الديوان هو أحد التعبيرات الأشد حدة عن هذه الحساسية، وهو بهذا ينشد إيقاع عصره ويشدو به معًا.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads