الرئيسية » » الجريدة الثقافية التي تستحقها القاهرة | محمد طعيمة

الجريدة الثقافية التي تستحقها القاهرة | محمد طعيمة

Written By هشام الصباحي on الاثنين، 22 مايو 2017 | مايو 22, 2017

الجريدة الثقافية التي تستحقها القاهرة

محمد طعيمة

تستحق القاهرة كإمتداد حضاري لعنقود عواصم بدأته منف، تراوح دور حباته بين مركزا للكون/ الحضارة.. ومركزا للأمة/ القارة/ العالم الثالث، لسانا معبرا عنها/ منارة تشع عبرها/ جسرا لتحاور تنوعات محيطه، طال غيابه.
فمنذ عدة عقود لا يجد الإبداع العربي بقوس قزح تجلياته، ولا الهم الثقافي بمعناه الواسع، منبراً له مصداقيته يستوعبه، ويضعه في سياق تطوره.
فالمجلات العربية تستنسخ "الخلطة" القديمة لصناعة الإصدارات المتخصصة، مما يُفقدها، مقدما، القدرة على أداء المتوقع منها، في حين ان تحولات المجتمعات العربية، وتدفقات تكنولجيا الميديا، تجاوزت هذه الخلطة. فمجلات.. العربي الكويتية والبيان الأماراتية والحرس الوطني السعودية ونزوى العمانية ودبي الثقافية والدوحة القطرية.. وكلها شهرية، وفي مصر الهلال والثقافة الجديدة والمحيط الثقافي والمجلة، توقف الزمن بها عند سبيعنيات القرن الماضي، كلها تُدار بخيال قديم، باللعب على المضمون، والإستعانة بأسماء تكتب نفس الكلام في أي إصدار. وأيضاً لأنها تتعامل مع الإصدار الثقافي كوسيلة تثقيف تلقينية، نجحت في جعلها كذلك أم لا، بينما الإصدار الثقافي يجب أن يكون أولا.. إصدار، صحيفة أو مجلة، ثم تأتي الرسالة، فكانت النتيجة فشلها في أن تصبح مؤثرة.

على الجريدة المبتغاة ان تدرك أهمية وجود مطبوعة صحفية، تبلور صيغا مهنية جديدة تعبر عن الفضاء الثقافي العام، لتصبح "الإصدار الثقافي" المُعتمد في المجال العربي، والمحيط الحيوي للدولة. إصدار لا يزعم سعيه لتثقيف القارئ، بل صداقته. مشروع يرى أن الإبداع الصحفي، وحده، قادر على جذب قراء سئموا من إعادة إنتاج ما تجاوزته الحضارة.

وأن تضع في بؤرة سياستها التحريرية، انها لن تنجح ما لم تعي "تماماً" انها "سلعة ذات طبيعة خاصة".. لـ"زبون" ينتظر منها "طبخة محترمة" لها مذاق جامع ومتنوع معا، وانها لن تنجح كـ"رسالة".. إذا فشلت في أن تكون "سلعة مرغوبة". لهذا ستعتمد في تكوين فريقها، على من يمتلك "حرفية الصحافة" أولا، لا على مثقفين/ مبدعين، يعملون في الصحافة، وستنطلق رؤاها المهنية من الجمع بين العمق والسلاسة/ البساطة، والإنضباط بقواعد مهنة الصحافة.

وتعي في نفس الوقت، انها احدى وسائل الدولة، بدوائرها الحضارية وتراكماتها التاريخية، الدولة المصرية كفكرة عامة متجددة، لا النظام، وانها ليست مجرد مجلة تسعى لأن تكون مؤثرة، وان أحد أدوارها الأساسية هو دعم جوهر مصر التاريخي، "بوتقة حضارية"، مثلاً.. رموز النهضة، تقريبا، أتوا من تربات مجاورة أو جارة، لكنها لم تكن، كلها، صالحة لإنباتهم، وأثمروا في مصر وحدها.
عليها ان تسعى لتكون معبرة، فعليا، عن تنوعات قوس قزح الثقافة في المنطقة العربية، والمحيط الحيوي للدولة، عامة، بالتوازي مع قوس قزح المشهد الثقافي المصري، بالمفهوم الواسع لمفردة "ثقافة"، لمحاولة إستعادة محورية (القاهرة) كنموذج ثقافي فاعل في دوائرها الحيوية، خاصة العربية والإفريقية منها، ومحاولة إحياء دور نماذج، مثل رجاء النقاش، في إلتقاط، وإستيعاب، لا تدجين، المبدعين العرب، سواء المتحققين، أو الذين يتوقع لهم تبوء مكانة لافتة في تنوعات المشاهد الإبداعية العربية، والتناغم، مستقلة تماما، مع توجه الدولة لتنشيط، ودعم، الطلب على الثقافة، لإستعادة دورا تهمش لأربعين عاما.

وفي السياق تسعى لخلق قاعدة أو بيت صغير للمبدعين (العرب) من كافة المجالات.. وهي في تغطياتها الخبرية، تسعى لتكون تقاريرها "كتوبة"، لإمتاع القارئ، كوجبة شهية ينتظرها كل أسبوع. مطبوعة عربية، تعتمد لغة بسيطة "يستطعمها" المصريون أولاً، ومعهم المغاربة والعراقيون والشوام والخليجيون، تنأى بنفسها عن ديماجوجية السياسيين وتقعر الأكاديميين وسطحية السوق الإعلامي. نأمل أن تكون حالة ثقافية مُشعة، عبر انشطة متنوعة، اتفاقات تعاون، ورعاية متبادلة، مع مؤسسات حكومية وأهلية عربية.

ومحليا، بشكل خاص، تضغط لتغيير فلسفة وزارة الثقافة، من أدلجة/ تدجين المواطنين ثقافيا، إلى تعزير العقل النقدي، ودفعها لتوزيع عادل للمنتج الثقافي، بما يحترم التنوع الحضاري الوطني. وتتذكر دائما ان نظرتها للثقافة يجب ان تظل شاملة، كنمط حياة.

وهي لن تنجح في آداء ما يُلقى على عاتقها، ما لم تُمد بدعم معنوي، أولا، من مالكيها.. الحكومة/ جهات اهلية/ مستثمر، جوهره تفهم حتمية إستقلال سياستها التحريرية، ما دامت تتحرك في السياق العام المُتفق عليه. وماديا.. ضمان توفير الخدمات والأدوات المهنية لفريق عملها. لتصبح، شكلا ومضمونا، عنوانا له مصداقيته، عربيا، ثم دوليا، للصحافة الثقافية.
الأهرام العربي
السبت 13 مايو 2017

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads