الرئيسية » » وكانتْ دمشقُ تبتعد | غياث مدهون

وكانتْ دمشقُ تبتعد | غياث مدهون

Written By هشام الصباحي on الاثنين، 17 أبريل 2017 | أبريل 17, 2017


وكانتْ دمشقُ تبتعد



كتبتُ هذه القصيدة لامرأةٍ أحببتُها، وافترقنا، هي الآن لديها رجلٌ آخر، وأنا لديّ هذه القصيدة.

حين غادرتُ دمشقَ، كنتُ أنا ثابتًا في مكاني، وكانت دمشقُ تبتعدُ، هذا تحديدًا الذي حاولَ آينشتاين أنْ يقوله في النظرية النسبية، والذي حاول ويتمان أنْ يقوله في أوراق العشب، والذي حاولتُ أنا أنْ أهمسهُ في أذنكِ حين كنتِ تحاولين أنْ تحبّيني.

كانت دمشق تبتعدُ، وكان قلبي ملفوفًا بعنايةٍ في حقيبةِ السفرِ، قلبي الذي تعرفينه جيّدًا، كان يعوي مثل ذئبٍ في صحراء الأردن، وأنا أقصُ الأثر خلف جوعٍ قديمٍ، لأني لم أشبعِ الحبّ مُذْ غادرتْني دمشقُ، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله المسْتَعَانُ.

قلبي الذي تعرفينه جيّدًا، كنتُ أُطعمُه بحَّة صوتكِ، كي يستكينَ، وأنفثُ فيهِ غيمةً من حشيشةِ الكيف، ليهدأ، وكان البدويّ الذي يلبسُ جلدي شاردًا مع عربِ الشمالِ، كيف لي أنْ أستقرّ وأسكنَ في بيتكِ، والله أكَّدَ أنّي في كلّ وادٍ أهيمُ؟! كيف لي والمواويلُ تسرقني من حضنِ أمّي، ويأسرني خصركِ الواضحُ كالموتِ من بين أصدقائي، فأتبعكِ كما يتبعُ صاحبُ امرئ القيس صاحبَه/ البلادُ البلادُ العبادُ العبادُ/؟! وأفرُّ منكِ كما: يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ.

كانت دمشق تبتعدُ، وأنا ثابتٌ في مكاني، حقيبتي تهربُ إلى الأمام، وقلبي الذي تملؤه البلاغة العربية مشغولٌ بالترحالِ، قلبي الذي تعرفينه جيّدًا، كلّما أخرجته من كهفه في الليل، ليرى القمر، يعوي باسمكِ، ولكنّي أقسى من الحجر، وقلبي الذي تعرفينه جيّدًا لا يرقُّ.

٢٠١٦


القصيدة من ديوان أدرينالين الصادر عن دار المتوسط  عام 2017
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads