الرئيسية » , , , » معاوية عبد المجيد يتحدث عن أول الرقص!

معاوية عبد المجيد يتحدث عن أول الرقص!

Written By هشام الصباحي on الثلاثاء، 7 مارس 2017 | مارس 07, 2017


في عام 2010 تخرّجتُ من جامعة سيينا وعدتُ إلى دمشق متحمّسًا. إذ كان الوسط الثقافي في سوريا يشكو من ندرة المترجمين عن اللغة الإيطاليةً، وإن وُجدوا فهم ليسوا أهل اختصاص، في الأدب الإيطاليّ على الأقلّ. انتهزتُ الفرصة، وسارعتُ إلى التعرّف على المترجمين، الكبار منهم والناشئين، وقدّمتُ عدّة اقتراحات. فالكثير من الأدباء الإيطاليّين، لا يعرف أحدٌ بشأنهم. لذا قررتُ أن أبدأ من يوجينيو مونتالي، الشاعر القدير الحاصل على جائزة نوبل للآداب، والذي تعمّقتُ في دراسته أيّام الجامعة، حتّى إنّني اخترتُ أشعاره الأولى موضوع أطروحة التخرّج.
بدأتُ بترجمة سيرة حياته الطويلة، ثمّ مقاطع من قصائد ديوانه الأوّل. لم أكن أتخيّل صعوبة المهمّة؛ إذ ينبغي أن تعمل على صياغة الشعر أكثر من مرّة، كأنّها عجينة بين يديك، تملص من بين أصابعك. ويحدث مرارًا أن تتصلب العجينة وتغدو كقطعة الإسمنت معرّضةً للكسر والتفتّت. ناهيك عن الرموز التي تشتبك في الأبيات، وصعوبة تحويل بعضها إلى العربيّة لما له من خصوصيّة إيطاليّة. يؤرّقك التفكير بالقيمة اللغوية وكثافة الصورة وصدق الحالة الشعرية. عمليّة عسيرة بالمحصّلة، تقتات على صبرك ولا تشبع، تفقدك الشهية والرغبة في المضيّ قدمًا. وربّما من الأسهل أن تكتب القصيدة بالعربية مباشرة مستوفيًاً ثيمتها الأساسيّة. وهنا برز السؤال الحقيقي: ماذا أفعل؟ أنا لستُ شاعرًا في النهاية، وإن كنت من أشدّ المعجبين بشعر مونتالي فهذا لا يعني أنني أبرز القادرين على نقله إلى العربية.
غير أنّ هنالك دومًا مَن يشجّعك على الاستمرار، ويذكّرك بأنّ البدايات صعبة وستعتاد على الحرفة وتنجح فيها. بالمقابل، لم أكن أشعر أنّ هذه القاعدة تصلح لترجمة الشعر، لأنّه مثل البشر في تقلّبات مزاجه. بل يصل بك المطاف إلى الاشمئزاز من الشعر والشعراء، واعتبار ما يكتبون عديم الجدوى، فكيف بترجمته إلى لغة أخرى. زد على ذلك نظرة مونتالي التشاؤمية نفسها، واستخفافه بالشعر أساسًا. ما انعكس على تفاؤلي بالتزام المسؤولية التي أخذتها على عاتقي في ترويج الأدب الإيطالي في العالم العربي، وكأنني الوحيد الذي يتقن اللغتين على وجه الأرض.
كنت أقضي فترة الاستراحة بمشاهدة التلفاز. ورغم أني لست من متابعيه، كنت أحتاج إلى ما يذكّرني بأنّ الحياة جميلة ومليئة بالترّهات التي تستحقّ التوقف عندها، على عكس ما قد يرى مونتالي وأشعاره المحفوفة بحزنٍ وجوديٍّ عميق. ذات مرّة، سرحتُ في قراءة الشريط الإخباري. تتسلسل الأنباء ببطءٍ أمام عينيك كالغيوم في السماء، تتكرّر حتى تُضعف قدرتك على التمييز بين السياسة والاقتصاد والرياضة والفنّ والثقافة والمنوّعات. تصبح كلّها منوّعات. وتختلط الأمور بين الإرهاب والبورصة والدوري الإسبانيّ وألبوم أليسا ومونتالي… مونتالي؟ ماذا يفعل هنا؟ ماذا أرى يا ألله؟ «مشروع كلمة يصدر “عظام الحبّار” باكورة دواوين الشاعر مونتالي من ترجمة عزّ الدين عناية ومحمد الخالدي». هكذا بكلّ بساطة، تبدّد مشروعي المونتاليّ على شاشة التلفاز الذي قلّما تابعتُ برامجه وشرائطه. عرفتُ أنّ هنالك مترجمين في مكان آخر، يعملون بكدٍّ لنشر الثقافة الإيطالية. سررتُ وغضبتُ في آن واحد. ثم غلب السرورُ الغضبَ لأنني كففتُ عن ترجمة الشعر قبل أن أبدأ بها، واكتفيتُ بتذوّقه. وتفرّغتُ لترجمة الرواية، حيث الخطوة منتظمة، واللذّة تكمن في إعمال النقد بدل التنجيم، والعقل بدل الإحساس.
وماذا أفعل بما ترجمتُ من أشعار مونتالي؟ انشرْها في مجلّة ثقافيّة، نصحني أحدهم، فأوّل الرقص حنجلة وليس ترجمة ديوان طويل.
#الصوت_الآخر
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads