الرئيسية » » الجبل كاف والغيمة نون | هوشنك أوسي

الجبل كاف والغيمة نون | هوشنك أوسي

Written By هشام الصباحي on السبت، 10 ديسمبر 2016 | ديسمبر 10, 2016

الجبل كاف والغيمة نون



هكذا...
ليلٌ إلى الرِّيح، وريحٌ إلى المِقْصلة.
وفي انحناءاتِ الحورِ على البحيرة، ريحٌ إلى الليل، تتأبَّطُ كآبةً ممشوقةَ الهزيعِ، تواري أقفالها عن أعينِ القنصِ، كليلٍ جريحٍ إلى ريحٍ عائدةٍ كالمقصلة.
*   *   *

مسِّدْ ضجرها بضجرِ أيلولَ الواثقِ المباهي بسُهدِهِ، واخرمْ فساتينها الناريّةَ بأظافرِ الوقتِ الدَّبقِ الفائضِ عن مراجلِ الأزل. تلكَ العاريةُ التي جعلت عانتها مصلّى لنزلاءِ الإثم، ما هي إلاّ حكايةٌ أخرى، سَرَدْتَها لها سابقاً. هاتها بأخرى، عن مضاجعِ الكارثةِ المنساقةِ من قرنيها لمعراجها، معراج الماءِ، مهطل الدَّسائسِ البارقة. وازِها بنبوءةِ الحديدِ الآوي حجركَ، مُعليًا صروحَ النحائر بلعثماتهِ الهوجاء. وازِها بالتي هي أدقُّ من مكاييلِ المُصابِ المداهمِ معاقلَ الشر، ولا تُخفِ ضروبَ كبريائكَ الرَّائبِ في قيعانِ ظنونها الوعرة.
*   *   *

مسِّديهِ بشهوةِ اللبوةِ العارمة. مسِّديهِ بقلقِ الرِّيحِ العرجاء، وحكمةِ الماءِ النَّاسكِ، وعِظاتِ النَّيازكِ المنهالةِ على دمكِ. مسِّديهِ بأنواءِ اللونِ البِكرِ، فالنَّارُ ستقيكِ من برثنِ الخيبةِ البالعةِ مجرَّاتِ ذكورتِه، ونطاقَ عزمهِ الثَّائرِ الخائرِ. مسِّديه، وتيهي في ملكوتِ إبداعِ أنوثتكِ التي تجاهرُ بكنوزها لهُ وحدهُ. مسِّديهِ... مسِّدي ثورَكِ، ثورتَكِ بمراهم الوقتِ القتيل، وبلاسم الوقتِ القاتل. مسِّديهِ حتّى يغدو طيعَ النُّجوم.
*   *   *

ادفعها جرعةً... جرعة إليك، وبادلها قطفَ عناقيدِ النَّكدِ المتراكمِ على أكتافِ الحيلةِ البائرةِ، متيحاً مواطئ العقيق لمجاري الفضَّة، مزيحاً منابتَ الحشيشِ عن حافةِ الجرفِ الأقدسِ ضغثاً.. ضغثاً، مباركاً أقاويل الطَّير عنها. فالثريدُ المتبَّلُ بعبقِ الوحلِ، سيُدْمي لسانكَ الحاردَ الذي يمارسُ خلوتهُ الممسكةَ برسنِ الفيضِ المبتهل، في كهفِ الديمومة.
*   *   *
بأقاويلِ الطَّير، ادفعيهِ لمهلكهِ المصوغِ من أقاويل الخرز. بهذرِ الملحِ، ضمِّدي لهاثهُ المراقَ على لهاثكِ المراقِ على لهاثِ آلهةِ الغوايةِ الرَّاكنةِ في مخادعِ الوقتِ الوحش. وما أن يَتَفَتَّقَ سفحُهُ عن بصائر أخرى، غير التي أرانا إيّاها، ادفعيهِ لمهلكهِ المصاغِ من أقاويل الخرز، بأقاويلِ الطَّيرِ العاقر. حينئذٍ، ستشمِّينَ فائحَ الهتكِ الذي يداريهِ عنكِ. فتوقِنُ وعورةُ ظنونكِ، ألاَّ غيركِ بأميرةٍ على سلطنةِ حزنهِ الآبد.
*   *   *

اشكمْ عبورها للضَّلالِ بآياتٍ من ذكرِ حَجَرِكَ الحكيم، الوازعِ للضَّمائرِ المستترةِ خلفَ حُجُبِ النَّكبةِ، عن مسايرةِ فراخِ الحجلِ الكليمِ، وادْفَعْهَا للطَّيرانِ قبيلَ نضوجِ منقاري نهديها. أرفقها بمدَّخراتكَ من مغامراتِ البرقِ المدسوسِ في قلقها، الذي يُخابِركَ عمَّا تُفشي بهِ لغيركَ من دلائلِ الغيبِ العاكفِ على تدوينِ خصائصِ معاصي النَّبات، ووضعِ مقاديرِ آثامِ الطَّير.
*   *   *

اشكميهِ بظلالِ قوافلِ القتلى الذينَ نحرَهم اشتهاؤهم لكِ. مهاميزُ الدَّم، أشرعتكِ. مآقي الولهِ، سفوركِ. انهالي عليهِ بغلالكِ التي تفيضُ بها سلالُ الأثيرِ. انهالي، وادلقي عليهِ عصائرَ عتيقِ الكيدِ، ونسوغَ الشَّراسةِ، وخمائرَ خِصى الثَّور، وعفونةَ المشيئةِ الضَّالةِ، كي تُرْدِيهِ في دمكِ، قبل أن يُرْدِيكِ في دمكِ.
*   *   *

احرثها طعناً، وأسعفْ طراوةَ تضاريسها الضَّاريةِ بكثافةِ تضاريسكَ الحاميةِ، التي نصبتْ لموتكَ بينَ نهديها كميناً متَّقداً بأعراسِ الماءِ المكلَّلِ بالنَّار. احرثها، ولا تخشَ أن تبتلعكَ أعماقها الغيورة، المُضاءة بقناديلِ الغيب.
*   *   *

احرثيهِ طعناً.... بأصابعكِ
..........أنفاسكِ
                   نظراتكِ...
......لهاثكِ
..... قبلاتكِ....
........ تأوّهاتكِ
............... ارتجاجاتكِ..........
.................. ــــــــــ................    التواءاتكِ
....  انحناءاتكِ...........
انغماساتكِ
مدَّكِ.....
    جزْرَكِ.......
........  خفوتكِ
سطوعكِ.....
          طلوعكِ...
..... نزولكِ...
..... ارتخاءاتكِ...
انتعاشاتكِ.......
ار..
تعا...
شا.....
تـ....ـك..
احرثيهِ، لأنّها الحربُ التي لا منتصرَ فيها إلاّ اللذِّة.
*   *   *
قطِّرِ الوقتَ المخصَّصَ لنومها. قطِّر احتلاماتها، اختلاجاتها، تهيّؤاتها، حدسها، غنجها، شبقها... ثمَّ مرِّرها عاصفةً... عاصفة على ماسّةِ الأزل المتَّقدةِ فوقَ رمحكَ الدافق بأعاجيبِ الصخر النفيسِ المحلِّقِ أقفالاً في فضاءاتِ الماءِ القدُّوس. حينئذٍ، يمكنكَ فتحُ معجمها على بابِ الكافِ، فصلِ النونِ، لتقرأ أسفارَ الدَّمِ الكبرى التي خطَّها شعراءُ الكردِ وشهداؤهم على ناصيةِ النَّارِ وأفاريزِ الشفقِ المنزوي انزواءَ القصيدِ في مكمنِ لحظتهِ الآبدةِ، منتظراً اكتمالَ قمرِ الموتِ في أبهى أعراسهِ.
*   *   *

قطِّري أبعادَهُ، أمجادَهُ، انتحاراتِهِ، كبرياءَهُ، قلقَهُ، رؤاهُ، دروبَهُ، شهقاتِهِ، آهاتِهِ، صمتَهُ، هيبتَهُ، بهاءَ حزنهِ، حرائقَهُ، خرائبَهُ، خرائطَهُ، ملامحَهُ، ملاحمَهُ... قطِّري، وضعي حفنةً من غبارِ يقينهِ في مبخرةٍ من العاج، وبخِّري شجونَهُ التي توشكُ قضمكِ لغزاً.. لغزاً. ساوري خيالَهُ كمطرٍ يُساورُ خاطرَ القفرِ البهيم. عاجلي أدمعَهُ بأوقاتٍ نحاسيّةٍ تائقةٍ لدلفِ غليلهِ الوعرِ. اسفحي اغترابَهُ الكائدَ الذي لا يبرحُهُ مُذ بارحَهُ الوطنُ شهيداً، كي يألفهُ القمحُ، ويعاودَهُ محاوراً ظلَّهُ الأمين.
*   *   *
أعدْها لرشدِ مائها الحكيمِ، واشجبْ عروةَ فتنتها بجدولٍ حفرتهُ ذنوبُ الحَجَرِ في أفقِ النَّدمِ، حتّى تقدِّمَ لكَ نهدها الأيمنَ طعاماً، والأيسرَ وسادةً. من ثمَّ عاودْ شجاركَ والحلمَ العتيق. وما إنْ يُشْكِلْ عليكَ البرقُ الأرملُ، باغتْها من ربعها الخامسِ، وحُطَّ أوزارَ حلولكَ على ثلثها الرَّابعِ، مستنشقاً نصفها الثَّالثِ، تاركاً خمسها السَّادسِ لعبورٍ آخرَ بها.
*   *   *

اعجني لهُ في إناءِ المكرِ الصُّدفةِ مسحوقَ الهيلِ وبذورِ العنبِ، الخرنوبِ، الحرملِ، القِرفةِ، الزَّنجبيلِ، الحنَّاءِ، الدرَّاق، الزَّعفران.. وأوراق الغارِ والتِّينِ والنَّعناعِ والتَّبغِ والخشخاشِ المهروسةِ بقشورِ الجوز والكستناء والبلُّوطِ، الممزوجةِ ببُرادةِ لحاءِ أشجارِ البطمِ والتُّوتِ والبندق... اعجني المزيجَ بشحمِ الوعلِ وترياقِ فحولةِ اثني عشر أيلاً كرديَّاً.. اعجني، حتّى يستويَ الفجرُ على جبهته، ثمَّ ادهني شحمتَي أذنيكِ، حلمتيكِ، جيدَكِ، خصرَكِ، ظهرَ كفِّيكِ، عانتَكِ، ركبتيكِ، كعبيكِ... ثمَّ أقبلي عليهِ على مهلِ الرُّوحِ، وانقضّي عليهِ كهفاً.. كهفاً، كانقضاضهِ عليكِ رابيةً.. رابية. وما أن يغدو مطواعَ شهدِكِ، اتبعيهِ حتّى يتقرَّحَ دربكِ من لعقِ قَدَمَيكِ.
*   *   *
اتبعها ببِدعٍ أخرى، غيرِ بدائعِ الصُدَفِ الماكرةِ. اتبعها برفاتكَ الذي يُغيثُ المارِّينَ بدمِها في دمِك، بتراتيلِ النَّحلِ، ومصاحفِ النَّار، ونوافلِ النَّدى، ومصابيحِ الموتى الهاربينَ من شكائمِ الأزل. قدِّمْ لها بواكيرَ طيشكَ القاذفِ للدَّهرِ صوبَ رذائلهِ، للمجهولِ صوبَ معلومهِ، للمعلومِ صوبَ مجهولهِ، للعدمِ صوبَ وجودهِ، للوجودِ صوبَ عدمهِ، للمكانِ صوبَ زمانهِ، للزمان صوبَ مكانه، وتقدَّمْ إليها مزداناً بحمَّى الطِّين، مضرَّجاً برذاذِ يقين القمحِ، منقاداً بسيلِ ظنونِ الملح. تقدَّمْ... ليتقدَّمكَ دمُكَ إلى محافلها التي أتحفتها غواياتُ الدفء، الثَّلج، الزُّجاجِ، المرمرِ والعاجِ المحاكي بلغةِ أهلِ العبثِ العظيمِ.
*   *   *

انسخيهِ على خيالِ الأثير، بصباغِ فاكهةِ الجحيم، وثمار بساتينِ الجنِّ، وأطيافِ شُعراءِ الموتى. انسخيهِ على هيئةِ وطنٍ، معصوبَ الزَّمن، مرصوصَ الكفنِ، مهتوكَ القَدَرِ، مطعونَ الظلِّ، محرومَ الاسم...
وطنٌ متَّهمٌ بالعشق، غير كردستانهِ. انسخيهِ على أختامِ الآلهةِ التي أدامها حزنهُ. انسخيهِ على نهديكِ بحليبكِ ورمادهِ، كي لا تنسي مضاجعَهُ المقفلةَ بصهيلكِ الجارحِ الجارف.
*   *   *
انسخها آيةً.. آية على غوامقِ صوتِكَ العليمِ، وفواتحِ صمتكَ الحائرِ. دعها تتأرجحُ بينَ أحلامكَ السَّائقةِ للحتفِ نحو مكمنهِ القديم. انسخها على رائحةِ تعرُّقكَ، غيابكَ، إيابكَ، مُزاحكَ، تهوّركَ، غبطتكَ، تداعيكَ، نأيكَ.. انسخها أوشاماً على رائحةِ هطولكَ من شوامخِ حزنكَ، كي يعاودَ المطرُ قراءتها لها، في ملامحِ هزائمكَ الشَّمَّاء. حاصرها بالبرق، وقِسْ عبورها الضَّوئيّ لمخدعِ ظنونكَ بفلْقةِ القمح. حاصرها بأشواكِ التَّوق، ولغِّمْ ذاكرتها بشررِ حنينكَ لها. حاصرها حِصارَ البحرِ للبرِّ، واقصفها بأحاجي الوردِ وألغازه. أحكمْ حصاركَ على خنادقها، هضابها، سهولها، تلالها، أجرافها، أخاديدها، زواياها، وباغتها مباغتةَ الأرضِ للأرض، محرِّضاً سواقيكَ على تسلُّقِ أنفاسها التي تفترسُ أنفاسكَ، على مرأى من حطبٍ يسبِّحُ بحَمْدِ النَّارِ، نارٌ تحمدُ الماءَ، ماءٌ يَحمدُ الحجرَ، حجرٌ يحمدُ الحديدَ، حديدٌ يحمدُ النَّارَ، نارٌ تُسبِّحُ بحَمْدِ الحطب...
*   *   *

ضعي رأسهُ على فخذكِ الأيمن، داعبي شعرهُ، وضعي خرزةَ النَّومِ الزَّرقاءَ في أذنهِ اليسرى. قصِّي عليهِ حكايةَ انحداركِ من أعالي الماءِ الدَّامسِ البريق نحو حشودِ نيرانهِ الرَّابضةِ على كوَّاتِ فصولِ الظَّمأ الباكي وأقواسهِ المنصوبةِ على أضرحةِ الأيائلِ الشَّرقيةِ، التي اغتالتها ثعالبُ الرَّملِ غدراً.
قصِّي عليه: حينَ آتاكِ هاتفٌ من طيفهِ، يُنبئ بدنوِّ تخلِّي الرَّبّ عن لدنِّهِ لصالحِ لدنِّكِ. قصِّي، كيفَ استفقتِ من المجهولِ المطمئنِّ المواكبِ لغليانِ عشيقكِ البِكرِ في مضجعكِ الذي شيَّدهُ لكِ الجنُّ من عظام الجوارحِ وريشِ العقبان. قصِّي، كيفَ استدرجتِ الشَّرقَ لدناءته، وأوحيتِ لضحاياكِ بأنّهم قرابينُ المدن الدَّاعرة.
*   *   *

ضع رأسها على حشائشِ أعالي صدركَ. دعها تسدلْ جفنيها على آخر ملمحٍ لرمحكَ المتراخي من فرطِ إعيائهِ، وقصَّ عليها حكايةَ نزالكَ والرِّيحَ الحالكة الحقود، لإنقاذِ دماثةِ الضَّوءِ من نابياتِ غيِّها. قصَّ عليها انتظاركَ لها على حافَّة الفضيحةِ العفيفةِ التي ردمت أسراركَ بئراً.. بئراً.
*   *   *

بهتانٌ يطعنُ ظلَّهُ، وأقاويلُ تتداعى في التوريةِ الباطلةِ. أليسَ هذا ما أفشى بهِ الطَّميُ الغرورُ لأصابعكِ الغارقةِ في غيبوبةِ التَّدليكِ الوثيقِ لكمائنِ جسده...؟. حاوريهِ بروحِ النَّارِ، كي لا يفوتهُ تعليلُ مكائدِكِ القائدةِ لجسدهِ الذي أضناهُ المجَازُ اللاعنُ الملعون، نحو تجلِّيات الله الأخيرة، قبل قيامة الماء الأخير.
حومي قرابةَ دهرينِ وكارثة، على طيبِ أوجاعهِ، وحطِّي على رسغهِ، كحمامةٍ تحطُّ على الفخّ المستعرِ بالرَّغبة الضَّروس.
*   *   *

مدنٌ ناحرةٌ لشجرها، شجر ناحرٌ لثمارهِا. ثمارٌ نحرٌ، وجنائزُ ترتمي في رحابِ القلقِ الدَّافنِ لنكثهِ الأرعنِ في خلسةٍ بائرةٍ، طواها الليلُ على تدرُّنهِ الجزل. أليسَ هذا ما تناءى إلى خاطر الوقتِ الذي دبَّجَ خيالكَ فراديس لصولاتها...؟.
دوِّنْ على جسدها فتوحكَ الكبرى بأحبارِ الملائكة. دوِّنْ، فقلائلُ التَّخمينِ المُباركِ، ما أفضى بكَ إليها. دوِّنْ، فما مِنْ وازعٍ أفلحَ في لطمِ فوائحها بفوائحهِ، إلاّ ماؤكَ الحكيم. ما مِنْ ريحٍ أفلحتْ حرثها بأقاويلهِ، إلاّ صوتكِ الرَّجيم.
*   *   *
انظري إليهِ كيفَ يطعمُ نهديكِ دمعَ عشبهِ ولآلئ صياحهِ الجهورِ...!. كيفَ يستوقفُ ثغركِ بعنقهِ الصَّائدِ بواكيرَكِ...!. كيفَ يرفعُ براحتيهِ عجينكِ إلى كبرياءِ فحولته الرَّاصدةِ ثغوركِ التَّائقةِ لرميها بغرَّاتٍ مائيّةٍ لجوادهِ النَّاريّ..!. انظري كيفَ يحيطُكِ بعزائمِ اللهيبِ الفائرةِ في هذيانه. كيفَ يُجهشُ في مديحِ قدِّكِ بميسمهِ المتَّقد...!. كيفَ يرتِّبُ شتاتكِ وفقَ مشيئةِ شتاتهِ المكتنزِ بنفائسِ الغيب...!. كيفَ يديرُ طواحينكِ بمائه، ومطاحنكِ بعظامهِ...!؟.
انظري.
*   *   *

انظر إليها، ما إن تفرغْ من إلهاءِ يقينكَ، حتّى تباغت صوابكَ بمشجبِ الزَّئبقِ الشَّكَّاكِ النَّمَّامِ الخائن، وتنعركَ بدغدغاتِ الولهِ الجائعِ للرَّقصِ المزبِّد...!. انظرْ، كيفَ ترشدُ بفحيحِ الهيجانِ لعابها لتسلُّقِ قامةِ حقولكَ، فتتعثَّرُ ببيضِ طيركَ المترنِّحِ المشدوهِ لرؤيةِ بزوغ الزَّهرِ في سماوات الثَّلجِ الذي استباحَ غنجها...!. كيفَ تمسكُ بقبضةِ الشَّهوةِ عنقَ خيالكَ، كضاريةٍ أمسكتْ فريسةً كنزاً...!. كيفَ تداري هطولها الصَّارخَ عن أعينِ الليلِ الحاسدِ المتواطئ على الليلِ الحامدِ لنزقها. انظر، كيف تحيلُكَ مِزَقاً وارفةَ الكلامِ الآبق، عاصمةً آثامكَ عن الارتماءِ في شركِ التَّوبة، مُطلقةً في عينيكَ تعويذةَ الذي ما أشركَ الصَّلصالَ في سجودهِ لربِّهِ..!.
*   *   *

اسرحي في جنونهِ هانئةً بما خصَّكِ بهِ منِ اللعبِ المقدَّسِ في ممالكهِ العصيِّةِ على الإنس والجنِّ الواطئين اقترابَ تخومها. تداني من خرائبهِ، صاعقةً خُبثَ السُّكونِ الغائرِ في أصقاعِ موتهِ الرَّافلِ بحطامِ وطنه. قفي قبالةَ رؤاهُ الحائرة به، ستستحضرينَ أرواحَ عصاةِ الكلام، الذين فشلَ الكلامُ في إرضائهم ليعدلوا عن الانتحار، حتّى بعد أن أعدمَ، على مرأى من الحروف، كُلّ مجازاته، تورياته، كناياته، استعاراته... قرابين لهم. ضمِّخي كفَّيكِ بحِنَّاءِ زهوهِ الرَّصين، طاردِ الضَّوءِ، طريدِ المجهول، شريدِ الأبعاد، وشريكِ المنتهى في تدبيرِ أحوالِ الغيب. زهوُهُ الذي تهافتت على تقمُّصهِ الآلهةُ الزُّورُ والآلهة الحقائق، فردَّهم على أعقابهم مكلَّلينَ بالخيبةِ، وما بدَّلَ تبديلا. سوحي في بوحِ جسدهِ، واكتفي بهِ قصيداً، واتركي يقينهُ وشأنَ مكابداتهِ لجحيمٍ آخر.
*   *   *

ما إن انتهى منها، انتحر...
ما إن انتهت منهُ، انتحرت...
ما إن انتحرا، حتّى عاودت الحكايةُ بِدءها...
*   *   *
هكذا...
*   *   *
دمشق- 26/12/2005      


 
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads