القارئ ....The Reader..(2)
في يوم عيد ميلاد( مايكل) وفي إحتفال المدرسة والطلاب بهذه المناسبة ،
يغادر مايكل الإحتفال ويذهب سريعا الى حبيبته ، لكنها كانت في حالٍ حزين ، تناكفوا
مع بعضهم ، تصفعه هي ، يتألم فيقول لها , أنا جئتكِ وتركت أصدقائي المحتفلين بيوم ميلادي،
فبدلا من ذلك تقومين بصفعي ومناكفتي ، لماذا أنا الذي ينفذ دائما ، لماذا أنا الذي
يسمع دائما صاغراً ومطيعاً ، فتقول له مثل لهجة الأم الآمرة الناهية ، هو كذلك الحال
يجب أن تستمر عليه . بعد هنيهة تعد له الحمّام
، وتخلع ملابسه ، تغسله من مفرق رأسه وصدره ومرورا بعضوه بالصابون والشامبو وبقطعة
قماش خشنة بكفها ، حتى أصبح ذهبيا ناصعا ، كما طفولتنا الناصعة أيام زمان ونحن خارجون
من طشت الغسيل الذي تعدهُ لنا إمهاتنا . بينما تجففُ له جسده بالمنشفة كانت في أقصى
غايات الحزن وكأن شيئاً ما سوف يحصل في علاقتهما. تضاجعه هذه المرة بطريقة أخرى، يتعريان
، تقوم بالجلوس على خرطومه الصبياني ، يخترقها بقوة عظيمة ، حتى تبكي ولانعرف لماذا
تبكي ، من النشوة العارمة ، من السعادة حين تفوق العقل ، من عضوه الذي دخل فيها كالأسفين
، من رائحة الطفولة التي فوقها تهتز بضاضة ونعومة ، فتبين فيما بعد ، إن هذه المضاجعة
هي الأخيرة ، إن هذا اللقاء ، هو اللقاء الأخير والى الأبد ، إن هذه اللحظات الضاحكة
الباسمة الملتهبة جمرا ونارا من اللذةِ والتأوه سوف تستحيل الى رماد القهر ، الى ذكريات
تعذب الطرفين ، الى قصة حبٍ فريدة لايمكن لها أن تنسى على مر تأريخهما ، بل إنها سوف
تؤرّخ ويتناولها الأجيال جيلاً بعد جيل ، وبالفعل ها نحنُ في القرن الواحد والعشرين
نشهد على هذه القصة الحزينة والمفجعة بكل تفاصيلها ، هذه اللحظات الجنسية والحب الصارخ
سوف تجعل من هذا الطفل في يوم ما إنسانا كاملاً يحملُ من الإنسانية الفياضة التي لايمتلكها
فتىَ شجاعا مثله . ينتهي الحب والشوط الجنسي ويسحب خرطومه من جوفها الذي لايزال دافئاً
، ويظل فوقها قليلاً بينما هي في غاية الأسئ ورأسها الى السقف ، وكأنها تناغي شيئاً
مبهما لانعرفه . بينما هو فوقها تطلبُ منه أن يغتسل مرة أخرى ويذهب الى أصدقائه وحفل
ميلاده .
يذهب وفي الشارع تدور الكاميرة حيث الطفل نشيطا قوياً سعيدأ وكأنه فرّغ
كل سموم أطفال هذا الكون من خصيتيه ، وكأنه خلع كل أحزان أطفال العالم البائسين ، أنه
خارج من بيتٍ كله عطف أمومي و حب وجنس لايوصف، بل الجنس اللذيذ بشكله الآخر الذي نراه
مبهراً ساحرا . ينطلق في الشارع ويشق الأسفلت بساقيه سريعا حتى يصل الى حفل ميلاده
ويرمي نفسه في حوض السباحةِ مع الأصدقاء النزقين .
في اليوم التالي جاء الى شقتها بسعادةٍ غامرةٍ للقائها المعتاد ، وبشبق بادٍ على محياه وهو يطوي
الدرب فرحا غامراً ، وبإنتعاظٍ منتظرٍ بعد حينٍ من الوقت ، يدخل شقتها فلم يرَ غير
الذكرى السابحة في هواء شقتها وغير التأوه الجنسي الذي تركته هنا وهناك وذابت كالثلج
، غير الزوايا التي عرف بها الحب والجنس سيان ،غير يديها الحانيتين وهي تغسل له جسده
الأبيض الجميل ، غير الحزن الأبدي الذي سيبقى في وصاله مادام حياً ، لقد رحلتْ والى
الأبد . حزمت أمتعتها وخرجت من البيت ، فتبين فيما بعد إنها متهمة في قضيةِ قتلٍ لليهود
أيام الحرب العالمية الثانية 1943، حيث كانت
تعمل حارسة في أحد سجون النازية ( سجن شفيتز) .
يفترقان لفترة طويلةٍ ، ثم تنقلنا الكاميرا حيث هو في كلية القانون
1956 وقد نبت عوده وشاب وأصبح مدخناً شرهاً، وفي الحلقات التدريسية لممارسة مهنة المحاماة ، يأخذوهم الى أحد المحاكمات الخاصة
، فتبين أن هذه المحاكمة لستةِ نساءٍ ألمانيات كنّ حارسات في عام 1943 في (سجن شفيتز)وتسببن في قتل 300 إمرأة يهودية حرقاً ، وأثناء
مناداة القاضي باسمائهن يسمع بإسم ( هانا شميت) فكانت هي إحدى المتهمات في هذه القضية
، فعرف حينها لماذا تركته وغادرت ذلك اليوم الأخير وأوصته أن يعتني بنفسه ، وكانت هذه آخر كلماتها اليه بعد المضاجعة الأخيرة
الممتعة التي لاتفارقه أبدا , والتي لايزال طعمها في الروح والجسد وفي قوة الإنتصاب .
بعد أكثر من عشرين عام الدولة الألمانية تريد أن تحاكم نساء على جريمة
إرتكبت في ذلك الوقت ، وقد إكتشفت هذه القضية عن طريق إمرأة كاتبة يهودية كانت محتجزة
في 1943 مع امها حينما كانت طفلة ونجت هي وامها بأعجوبة . وفي المحكمة تتعرف الكاتبة
على النساء الست الحارسات في سجن ( شفيتز) ، ومن ضمنهن ( هانا شميت) . القضية هذه يدور
محورها حول الحارسات الستةِ حيث كانت كل واحدة منهن تقوم بإختيار عشرة نساء كيف ما
إتفق وإرسالهن من السجن الفرعي الى السجن الرئيسي ( شفيتز) لغرض إعدامهن ، ولغرض تخفيف
الزخم الحاصل من كثرة المساجين في السجن الفرعي هذا ، ويتم إرسالهن على هيئة طوابير تسمى طوابير الموت
، وهكذا بين فترة واخرى يتم إرسال النساء اليهوديات الى الإعدام عن طريق الحارسات .
يتم الحكم عليها( هانا شميدت) بالمؤبد ، بينما بقية الحارسات باربعة سنين
، وذلك لخجلها أن تقول أنني أميةُّ ، حينما وجه لها القاضي تهمة كتابة التقرير بخصوص
النساء اليهوديات والحريق الناشب في السجن والذي ماتت فيه السجينات دون إخراجهنّ منه
وهو يحترق ، مما أدى الى قتل ثلاثمئة سجينة يهودية عدا أم وطفلتها التي كبرت وكتبت
هذه الرواية المروّعة ، تحملت الموضوع برمته على كاهلها ، أنه الكبرياء أحيانا الذي
يؤدي بالمرء الى هذه التهلكة .
مايكل يذرف دموع القهر أثناء إصدار الحكم وهو العارف بأنها لاتقرأ ولاتكتب
، كلمة منه بحقها لأنقذها من ذلك. فلم محير يجعلنا نقف مع الجلاد مثلما حصل في رواية
مجنون سونيا لديستويفسكي والشاب الذي قتل العجوز في سبيل المال . ولذلك كنت أنا صاحب المقال أتعاطف مع ( كيت )
وأريد أن يطلق صراحها رغم ماحصل من جرم بحقها ، لأن الذنب هو نتيجة الجهل الحاصل عندها
ولذلك الراواية جعلت بطلة القصة لاتقرأ ولاتكتب ، إشارة إلى أن الجهل هو الذي أدى بهذه
المرأة أن ترتكب هذه الجرائم . تنتهي هي في السجن بينما مايكل يتزوج ويرزق بطفلة جميلة
ثم ينفصل عن زوجته لعدم حصول التوافق العاطفي بينهما ، والمرض النفسي الذي أصابه ،
وحبه الكبير الى ( هانا شميت) الذي لايستطيع نسيانه حتى مماته ( ماالحب الاّ للحبيب
الأولِ) . وهي في السجن يقوم بأرسال كاسيتات لها مسجلة بقرائته لأجمل الروايات العالمية
، وهناك في السجن تتعلم القراءة والكتابة عن طريق هذه الكاسيتات والروايات التي يبعثها
اليها ، وتتعلم كيف ترسل له الرسائل . حتى أكملت العشرين عام وصدر أمر إطلاق صراحها
. مأمور السجن يبعث اليه بكونه الوحيد الذي تعرفه ، يأتي اليها قبل يوم من إطلاق سراحها
، فتراه بعد كل هذه الفرقة القسرية الطويلة ، وتقول له بحزن عميق ، لقد كبرت يافتى
، هو يبدو على محياه يحملُ كل أحزان العالم ، تسأله وهي في هذا العمر الذي تجاوز الستين
: ألم أعد أنفع أن تقرأ لي ونتبادل الحب والجنس كما أيامنا الخوالي ؟ يهز رأسه حزناً
بدموع حسيرة ، لكنه يقول لها ، لقد جهزتُ لك منزلا بسيطا تستطيعين أن تكملي بقية حياتك
فيه . يغادرها على أمل اللقاء بها غدا وهي مطلق سراحها . في الليلة ماقبل إطلاق سراحها
، وضعت الكتب التي كانت تقرؤها تحت أرجلها ووضعت حبل المشنقة على رقبتها ، وكأن هذه
الكتب والأشرطة لم تعد تنفعها بشئ ، هي الوسيط بين موتها وحياتها ، وتركل الكتب بأرجلها
لتبقى معلقة في الحبل . صباحا جاء لزيارتها ليجد غرفتها في السجن خالية من حبيبة العمر
الجميلة الناصعة والأم الحنون ، يبكي بحرقة الأطفال ولايدري أن يبكي على أم حنون أم
على حبيبة ، أم على جنسٍ لذيذٍ لم يذقه طيلة حياته حتى مع زوجته التي طلّقها فيما بعد
وظلّ وحيداً هيّاما بذكرى (هانا شميت) . لم يبق منها شئ سوى وصيتها له ، وهي علبة معدنية
صغيرة ، كانت تجمع فيها مالها طيلة هذه السنوات ، توصيه فيها أن يعطيها الى السجينة
الناجية الوحيدة مع الأعتذار منها . يذهب الى اليهودية الناجية الوحيدة هذه ويخبرها
بالموضوع ، ترفض أن تأخذ المال ، بل أخذت العلبة المعدنية منه كذكرى ، ويطلب منها الأذن
في إقامة جمعية خيرية يهودية لمحو الأمية ، بهذا المال ، وبأسم ( هانا شميت ) وتوافق على ذلك . في نهاية
الفلم يظهر هو وإبنته أمام شاهدة قبرها ليخبرها بحقيقة هذه المرأة الحنونة العظيمة
، حبه الأول والأخير ومعلمته في كيفية إختيار الأوضاع الجنسية التي ظلّت تسري في بدنه
حتى مشواره الأخير ، لكنّ مخالب القدر جعلها ضحية النازية ومجرميها .
هــاتف بشبوش/عراق/دنمارك