الرئيسية » , » أربع قصائد لشاعر الحداثة البرازيلية مانويل بانديرا | ترجمة وتقديم فوزي محيدلي

أربع قصائد لشاعر الحداثة البرازيلية مانويل بانديرا | ترجمة وتقديم فوزي محيدلي

Written By تروس on الاثنين، 21 مارس 2016 | مارس 21, 2016


أربع قصائد لشاعر الحداثة البرازيلية مانويل بانديرا

ضجة عربة تقطع الصمت كما تقطع نفقاً
  
ترجمة وتقديم فوزي محيدلي
مع أن مانويل بانديرا يعتبر واحداً من أهم شخصيات حركة الحداثة البرازيلية، إلا أن هذا لا ينفي أن شعره مر عبر العديد من المراحل والمدارس المختلفة خلال عمله الكتابي الطويل. لا شك بأن تشكيلة الأساليب والأشكال المعتمدة في أعماله لا بأس بتعدادها، إلا أنه أفضل ما يعرف لقصائده الليريكية البسيطة المتسمة بالحركة والكآبة، سيما وأنه أصيب بالسل وهو في الثامنة عشرة وقيل له أنه لن يعيش أكثر من الثلاثين في أحسن الأحوال (توفي في الثانية والثمانين). تسعى قصائد بانديرا الذي غدا عام 1940 عضواً في الأكاديمية الأدبية البرازيلية الى التعبير عن التجربة والمشاعر اليومية.

يجسد شعر بانديرا أكثر من أي شاعر آخر عملية الانتقال مما قبل الحداثة الى الحداثة (أطلق عليه الشاعر أندرايد لقب "يوحنا معمدان الحداثة"). يقسم شعره، وإن لم يكن بشكل قاطع الحدود، الى مرحلتين. تضم الأولى دواوينه الثلاثة الأولى والمتصفة بمواضيع رمزية، وأشكال بارناسية. تتميز مجموعته الأولى "رماد الساعات" التي نظمت تحت تأثير شبح مرضه بموسيقى رقيقة مصحوبة بالتعبير عن الأسى، بل عن كآبة هادئة تنتظم ضمن قصائد موزونة ومنتقاة. أما ديوانه الثاني "كارنفال" وإن لم يقطع مع الجو الحزين والأشكال التقليدية السابقة، إلا أنه يحتوي على قصيدة "الضفادع" التي غدت، من خلال فقدها الساخر لانشغال الحركة البرناسية بالقواعد، أشبه بمانيفستو حداثوي. أما ديوانه "الايقاع المتحلل" فغدا أكثر اندفاعاً وتجدداً حيث يظهر هنا، وبفعل التطور الطبيعي، بانديرا الحداثوي. هذه النزعة التي بدت جلية تماماً في ديوانه اللاحق "فسق".

يشكل "فسق" بداية للمرحلة الثانية من شعر بانديرا يجمع قصائد كتبت خلال المرحلة التي سميت المرحلة البطولية من الحركة الحداثوية. وقد حضرت النزعة الحداثوية في الديوان من خلال قصيدة "الشعرية": "شبعت من الليريكية الصحيحة/ من الليريكية الحسنة التصرف/ من ليريكية الخدمة المدنية المليئة بملفات وإشارات التقدير للمدير". هنا يبدو بانديرا وقد تخلى، بل هجر، الوزن مختاراً أن يكتب قصيدة النثر. في هذا الديوان ينحو بانديرا بوضوح باتجاه الجمالية الحداثوية ناقلاً العبارة الأدبية البرازيلية نحو المحكية، وتالياً نحو الشفوية مركزاً على المحكية المحلية. كما وأنه استقدم الى الشعر أحداثاً يومية "تافهة" كما في "قصيدة مأخوذة من صحيفة". وأحيا بانديرا الاهتمام بأوجه الثقافة البرازيلية "البدائية" أو الشعبية والتي تجاهلتها كل من الرمزية والبرناسية. كما واستفاد أيضاً من الطقوس الأفرو ـ برازيلية. وفي هذا الديوان حضر أيضاً التهكم والدعابة كرد على الأسلوب البلاغي للشعراء السالفين كما في قصيدة "القصيدة ـ الدعابة".

وعملت الدواوين التي تلت بما فيها "نجمة الصباح" (1936)، "نجمة المساء" (1963)، و"نجمة العمر كله" (1965)، على إرساء مكانة بانديرا كواحد من أهم شعراء القرن في البلاد حيث تابع الرجل الانفتاح على التطورات الجديدة في الشعر البرازيلي. ورغم كتابته قصائد تتبع المدرسة "الكونكريتية" في ديوان "نجمة المساء"، إلا أن هذا لا يعني قطعاً مع الشعر الذي سبقها "بل إضافة لمسات كونكريتية لأسلوبه الشعري المتميز". مهما يكن، بقي بانديرا صاحب صوت ليريكي.

كرّس بانديرا نفسه للأدب منتجاً عدداً مميزاً من الدراسات النقدية والترجمات المكتوبة أساساً في الانكليزية والفرنسية، إلا أن قدرته على استكشاف المشاعر الأساسية للانسان وعلى التعبير عن جوانيته بصدق وهمجية عبر شعر واضح لا يعرف الاسهاب جعله، رغم رحيله عام 1968، واحداً من الشعراء البرازيليين المجلين.

خيبة أمل

أخط هذه الأبيات بحالة شخص ينتحب

مثبط العزيمة... خائب الأمل...

إغلق كتابي، إذا وجدت للحظة، يا من تقرأني

عدم وجود سبب لذرف الدموع.

شعري دم. نشوة متلفة...

حزن مبعثر... ندم لا طائل منه...

عروقي تتألم منه، مراً وحاراً

يتساقط قطرة قطرة من قلبي.

وهذه الأبيات المبحوحة من الألم المبرح

تنفجر كما حياتي بين الشفاه المنفرجة

تاركة مذاقاً مراً داخل فمي

ـ أكتب هذه الأبيات كما شخص يحتضر.

إيرين في الجنة

إيرين السوداء

إيرين الممتلئة الوجنتين

هي دائماً إيرين الحبورة.

تخيّل إيرين تدخل الجنة:

ـ أعذرني، يا الرجل الأبيض!

ويا مار بطرس المبتهج:

ـ هيا، ادخلي، يا إيرين. لست بحاجة

الى طلب إذن.

اجتراح كلمة

أقبّل قليلاً، وأتكلم حتى أقل.

لكني أبتكر كلمات

تترجم رقة أعمق وأكثر ألفة.

استنبطت مثلاً تعبير

"أهيمك"

بدلاً من أهيم بك.

"أهيمك"، يا تيودورا.

عميقاً

البارحة حين استسلمت للنوم

ليلة القديس يوحنا

كانت ثمة سعادة وضجة

جلبة "قنابل" كرزية الفرقعة

أصوات تغني، وأخرى تضحك

مراقبة في نفس الوقت الألعاب النارية.

عند منتصف الليل صحيت

ولم أعد أسمع المزيد من الأصوات أو الضحك

كان ثمة فقط بالونات

تمر متجولة

بصمت

وأحياناً فقط

ضجة عربة

تقطع الصمت

كما تقطع النفق.

أين صار أولئك الذين كانوا قبل قليل

يرقصون

يغنون

ويضحكون

متفرجين على الأسهم النارية؟

ـ كانوا جميعاً نياماً

كانوا جميعاً مستلقين

نياماً ملء جفونهم.



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads