الرئيسية » » . من مثلك | ناصر مؤنس

. من مثلك | ناصر مؤنس

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 1 يناير 2016 | يناير 01, 2016

... من مثلك
... من مثلك أيّها السكران؟
وصل إلى صورة موته (الصورة التي التقطت لك قبل الانتقال إلى الآخرة، عندما كانت الآخرة حقيقة وليس مشهداً متخيلاً 
الخيال لا يريد أن ينسخ الوهم الذي تنتجه الكلمات.
في اللحظة التي نظرت فيها إلى صورتك اكتشفت صورة حريق الدار (دار المخطوطات البغدادية)، تذكّرت، حين دخلت الدار أول مرّة، لم تكن تبحث عن مخطوطة أو صحائف الرِقّ أو رسائل باهته الكتابة، كنت تبحث عن ثمرة.

الثمرة التي تذوقتها في نبيذك
وعبق عطرها في حبرك أيّها السكران.
رأيتَ الكلمات التي تقوم مقام النبيذ
والمعاني التي تقوم مقام القدْح
واللغة التي تقوم مقام الإغراء
وصلتَ إلى هذا الالتحام مع الأشياء
والتقيت روح الصمت.

رأيتَ المحبرة، نفذتَ إلى أعماقها
رأيتَ ورقة بيضاء، عبرت إلى بياضها
رأيتَ كرّاسة المسوّدات، لامستَ خيالها
رأيتَ الخرس، وحلمتَ أن تسكنه.
رأيتَ الرماد، عشتَ حريقه.

هل رأيتَ النار أيّها السكران، هل رأيتها أكثر علوّاً، هل رأيتها تحرق الحريق، تقول: إنها رأت الخيال الحي يصل، لا، ليس هذا الذي يتحاشى نظراتك ورأيته يقع في خنادق الحرب وتدعسه أقدام الجنود، هو خيال آخر، يعانق اللهب ويتسلّق النيران، يمشي عليها، ويغيب في عمقها
الشيء الذي لم يلحظه الخيال شكل الثمرة فوق رأسه
الخيال فوق خياله
الجسد فوق ظلّه
حيث يطلّ اليقين المطلق للمجاز.

أيّها السكران، أيّها السكران.
أيّها الذاهب إلى قلب الأشياء
الآخرة لا تطيق الانتظار
وقد خذلتكَ أقاصي أقل نأياً
خذلتكَ المعجزة
وخذلكَ العمى،
العمى الذي أرسل أشباحه
لا يتذكّر غير خيال واحد
رأى صورته معلّقة كثمرة.

ثمرة وحيدة
نقية وصافية
تمنحك هدية لا تقدّر بثمن
تمنحك كلمة
كلمة تنمو وتعطي ثمارها

في الليل،
تستيقظ، تسرع إلى جهاز الكومبيوتر
- هل ما زال الخيال في الشاشة؟
لم تجد غير ريشة سوداء
تسقط في وسط الشاشة وحولها عبارة تقول
(الحبر - نبيذ)
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads