الرئيسية » , » آخر قصائد حبّ: بول إيلوار جسمي يصرّف عمره في غرامكِ! | ترجمة محمد عيد إبراهيم

آخر قصائد حبّ: بول إيلوار جسمي يصرّف عمره في غرامكِ! | ترجمة محمد عيد إبراهيم

Written By هشام الصباحي on الخميس، 28 يناير 2016 | يناير 28, 2016



يعدّ الشاعر الفرنسيّ السورياليّ بول إيلوار (1895 ـ 1952) من أهمّ الوجوه الشعرية في القرن العشرين. عانى السلّ. تزوّج جالا 1917. تعرّف إلى أندريه بريتون ولويس أراجون، فأسّسوا جماعة السوريالية. حدثت أزمة بين الزوجين، فطلّقها لتتزوّج من بعده الفنان الإسبانيّ سلفادور دالي، وتعيش معه باقي حياته. كان ملتزماً، فانضمّ للمقاومة الفرنسية أيام الحرب العالمية الثانية، ثم انضمّ للحزب الشيوعيّ 1942، مما أحدث قطيعة بينه والسورياليين، فقد كانوا يرون السوريالية حركة تمرد ونزعة حرية، ليس لها أن تنضوي تحت لواء أيّ حزب مهما علا كعبه. 
بعد وفاة زوجته الثانية، نوش، 1946، بدأ شعره يتحوّل نحو مبادئ الحرية السلام العدل، وقام بالتحضير لمؤتمر السلام الذي عُقد 1948، بمشاركة بيكاسو، وصادف هناك زوجته الثالثة، دومينيك لور، التي كتب لها ديوانه "العنقاء" 1951. توفي من أزمة قلبية، بعد سنة من زواجه الأخير، ونظّم جنازته الحزب الشيوعيّ، حضرها بيكاسو مع نفر قليل من صحابه القدامى.   
نرى في قصائد إيلوار، خاصة الأخيرة، التي جُمّعَت بعد وفاته، لغةً غنائية يسهُل تحويلها إلى أيّ عمل إبداعيّ: تشكيليّ، موسيقيّ، مسرحيّ، إلخ. تستحيل اللغة إلى صورة ترى العالم كأنه للمرة الأولى، توازن بين الحياة في القصيدة والحياة في الواقع. وترى المرأة جزءاً من تحوّلات الكون، كانفجار شمسيّ أو اندلاع بركانيّ أو فيضان بحريّ إلخ. كما يرى الطبيعة في تألّقها وسط تجليات النشوء في خيالات إنسان مبدع لم يكن بعيداً عن نشاطات العالم من حوله، حيث شاهد حربين عالميتين وسقوط ملكيات وبزوغ دول أوتوقراطية عظمى حكمت العالم ما يزيد علي نصف قرن. 

ونترجم هنا بعضاً من شعر إيلوار في ديوانه "آخر قصائد حبّ"، فالحبّ فيه أول الدمع وآخر الصمت ومن ثم فجر الأرض: 
         
مستعدّ لنبش القبلات 
محتاجٌ ليسَ لي أن أعيشَ في جهلٍ  
عليّ أن أرى أسمعَ وأُفرطَ في الفعلِ  
أسمعكِ عاريةً وأراكِ عاريةً  
لأنعمَ بمُداعباتكِ.  
سواءً كان أفضلَ أو أسوأ  
أعرفُ سِرّكِ عن ظَهرِ قلبٍ 
أبوابُ إمبراطوريتكِ كلّها 
للعينين اليدين 
للثديَين وفمكِ حيثُ يذوبُ كلّ لسانٍ.  
 
وبابُ الزمن منفَتحٌ بينَ ساقيكِ  
زهرةُ ليالي الصيفِ عندَ شَفتَيْ البرقِ  
عندَ عتبةِ المنظرِ حيثُ تضحكُ الزهرةُ وتبكي 
بينما تحتفظينَ بشحوبِ لؤلؤةٍ ميتةٍ 
بينما تَهِبين قلبكِ وأنتِ تفتحينَ ساقَيكِ. 
أنتِ كالبحرِ ترُجّين النجومَ  
أنتِ حقلُ الحبّ توثّقينَ وتفصلينَ 
بينَ العشّاقِ والمجانينَ  
أنتِ جوعانةٌ للخبزِ عطشَى للسُّكْرِ إلى حدٍّ كبيرٍ.  
والزواجُ الأخيرُ بين الحلمِ والفضيلةِ.   
             
بقُبلةٍ 
بالنهارِ المنزلُ والليلُ بالشارعِ  
عازفو الطريقِ يواصلون    
حتى آخرِ الصمتِ   
تحتَ السماءِ السوداءِ نراهم واضحين.    
المصباحُ ممتلئٌ بأعيننا   
ونسكنُ وادينا  
جدرانَنا أزهارَنا شمسَنا   
ألوانَنا نورَنا.    
عاصمةُ الشمسِ  
بصورتِنا 
وفي حِمَى جدرانِنا  
بابُنا للناسِ.  
حتى حين ننام 
حتى حينَ ننامُ يرقبُ أحدُنا الآخرَ   
هذا الحبّ أثقلُ من فاكهةٍ ريّانةٍ في بحيرةٍ   
مِن دونِ ضِحكٍ ومِن دونِ دَمعٍ دائمٌ للأبدِ   
يوماً بعدَ يومٍ ليلٌ خلفَنا.    
وضعية الحبّ 
1ـ صمتُنا سيُهدّئُ العاصفةَ  
يُذلّلُ ورقَ الشجرِ القاتمَ  
بينَ يَدَيّ يدان خاضعتان 
2ـ هذا القاربُ يدركهُ الضبابُ للأبدِ  
أبعدُ من بعيدٍ يقولُ امقُت 
أقربُ من قريبٍ يقولُ حِبّ 
3ـ عينا هواءٍ وضّاءٍ ملكةٌ بريئةٌ  
ثديان خفيفان فتضحكُ من كلّ شيءٍ 
والبحرُ يبدّدُ الرملَ عن عرشِها.  
حكاية لنهار واحد 
لتُحِط اسمكَ بمزيدٍ من الحنانِ   
فالشارعُ عبثيٌّ والبيتُ مريرٌ    
النهارُ مُزَعزَعٌ والليلُ عليلٌ.  
من تفصيلة لأخرى 
في ساعةِ اليقظةِ قُربَ عُشّ الأرضِ  
يحفرُ شعاعُ الشمسِ ثَقباً للبحرِ   
تنغمسُ فجراً ورقةُ شجرٍ فتوشّي المنظرَ  
ساذَجةً كعينٍ لا تعي الوجهَ   
والنهارُ اليومَ يعتقلُ الراقدين  
يطرحُ عنهم ليلاً ظلالَ الراقدين.   
لكنها 
تعيشُ على شكلِها 
ولها شكلُ صخرةٍ  
لها صورةُ البحرِ  
لها عضلاتُ سبّاحٍ  
والضِفافُ تُجسّدُها. 
يداها تنفتحان على نَجمٍ  
وعيناها تُخفيان الشمسَ  
ماءٌ طَهورٌ يُحرقُ النارَ  
هدوءٌ عميقٌ ابتدَعَ الهدوءَ   
وجَسّدَ الفجرَ والغروبَ.  
لأني على عِلمٍ بأعماقهِ  
أخدمُ قالبَ الحبّ 
لا يبلغُ الحبّ نفسَه أبداً 
أخدمُ البطونَ والملامحُ  
تشحبُ وهي تتحوّلُ.  
مَوسِمٌ رَطبٌ ووَعدٌ حَميمٌ  
وهي في نطاقِ الأزهارِ  
والساعاتِ والألوانِ  
على صعيدِ القوةِ بل والوَهَنِ   
أعدّها خُسرانَ وعيي. 
لكني أنبذُ شتاءَها.    
نحن اثنان 
نحنُ الاثنان نُمسكُ بعضَنا الآخرَ من يدهِ 
نؤمنُ بأنفسنا أننا بالبيتِ وفي كلّ مكانٍ  
تحتَ الشجرةِ الوديعةِ تحتَ السماءِ الكالحةِ   
تحتَ الأسقُفِ كلّها جنبَ المدافئ 
بالشارعِ المُقفرِ في نورِ النهارِ العريضِ  
في أعينِ الناسِ الملتَبسةِ  
قُربَ الحكيمِ والمجنونِ  
بينَ الصغارِ والبالغين 
لا شيءَ غامضٌ في الحبّ 
نحنُ البرهانَ الوحيدَ 
والعشّاقُ على يقينٍ أنهُم في صفّنا.    
يقين 
أتكلّم لأسمعكِ أفضلَ 
أسمعكِ فمعناهُ أني أفهمُ  
تبتسمين فقد حانَ أن تهتكيني 
تبتسمين حتى أرى الدنيا 
أحضنكِ لأُعزّزَ نفسي 
في حياتنا كلّ شيءٍ خليعٌ  
لو تركتكِ فسيذكُر بعضنا الآخرَ  
والفراقُ معناهُ أن نكتشفَ بعضنا الآخرَ.  
هواء حيّ 
حدّقتُ أمامي 
فرأيتكِ وسطَ الحَشدِ 
رأيتكِ في حقولِ القمحِ 
رأيتكِ تحتَ شجرةٍ. 
في نهايةِ أسفاري 
في قِيعانِ عذابي 
في نقطةِ الضِحكِ المتحوّلةِ  
تنبُعين من الماءِ والنارِ. 
رأيتكِ صيفاً وشتاءً 
رأيتكِ في بيتي 
رأيتكِ بين ذراعَيّ 
رأيتكِ بأحلامي. 
ولن أترككِ ثانيةً.   
أغنية 
في الحبّ تحضنُ الحياةُ  
ماءً طَهوراً بعينيهِ الطفلتَين    
وفمهُ زهرةٌ   
تتفتّحُ من دونِ أن تعرفَ كيفَ.   
في الحبّ تملكُ الحياةُ 
جشعَ يدَيْ طفلٍ 
قدمَين تبدآن من النورِ  
وتمضيان إلى النورِ. 
في الحبّ دوماً للحياةِ  
قلبٌ خفيفٌ مستَجدٌّ  
لا نهايةَ فيما لهُ فيهِ  
ها هنا الغدُ ينضو عنهُ ماضيه.   
سَكِينة 
صُنّعَت قِمَمي وَفقاً لتدرُّجي 
أتلوّى في وِهادي 
على يقينٍ أن حياتي مبذولةٌ 
نضَجَت غرامياتي في حديقةٍ شائعةٍ  
بمراحلِ صِدقي وزَلاّتي  
قادرٌ أن أَزِنها كما يزِنُ امرؤ 
قمحَهُ حينَ يُضاعِفُ الشمسَ  
أو بالحَرِيّ التي نفتقدُها بالمزارعِ  
وهبتُ الظلّ هاويةً عميقةً لشَغَفي 
وهبتُ فرحتي لفَهمِ شكلِ  
الجرّةِ الكاملةِ.  


المصدر : بوابة الحضارات
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads