الرئيسية » » يوم ماتت حمارتي | شيخة حسين حليوى | من مجموعة سيّدات العتمة

يوم ماتت حمارتي | شيخة حسين حليوى | من مجموعة سيّدات العتمة

Written By هشام الصباحي on الأحد، 3 يناير 2016 | يناير 03, 2016



يوم ماتت حمارتي



لا أحد يسألها عن تاريخ زواجها. نادرا. ولكنّها تقول: تزوجت يوم ماتت حمارتي.
ماتت أمّها لا تذكر متّى. مات أبوها بعدها بعاميّن. ظلّت ترعى أصغر إخوتها. يفصلهما عامان.
كلّ الأخوة والأخوات المتزوّجين يسكنون على مسافة أمتار من صباحها.
-       فدوى، املئي جرّة الماء من العين.
-       حاضر
-       فدوى، ألا ترين تعبي مع أطفالي؟ احملي أحدهم.
-       حاضر.
-       فدوى كم أنت كسولة!  من سيشتري لي الملح والطحين؟
-       حاضر
فدوى...فدوى...حاضر...حاضر
قضاء حاجات الإخوة المتزوّجين أرحم عندها من زواجٍ محتمل. تعرف أنّه سيحصل قريبا. لن يمهلها أخوها الأكبر حتّى تُتمّ ثمانية عشر عاما. ولن يسألها عن رأيها.
والحمارة الطيّبة رفيقتها في الطريق وفي الغياب.
كم مرّة نامت على التراب تحت ظلّ الحمارة الواقفة لساعتيْن وأكثر؟ تغنّي لها ما تحفظه من أغاني الأعراس والمآتم. تحكي لها نوادر حصلت وأخرى لم تحصل. نادرا ما تركبها وإذا فعلت ذلك مضطرّة تعتذر منها بحنان واضح.  زوجة أخيها رأتها من بعيد تحملُ جرّة الماء على رأسها وبيدها الخالية تربت على ظهر حمارتها وتمشيان على مهل. أسرّت لزوجها أنّ أخته صارت حديث النسوة.
في المستوطنة اليهوديّة التي تشتري من دكانها كلّ ما يحتاجه أفراد الأسرة يعرفونها بصاحبة الحمارة. تلك التي تخاطب حمارتها أكثر مما تخاطبهم.
 لا تعود قبل المساء إذا خرجت تقضي حاجة ما. ومرّات أكملت طريقها إلى بيت عمّها وباتت عندهم ونسيت على ظهر حمارتها الخميرة والحليب المجفّف.
-       ما أدري شنو سرّ هالدّابة؟ وين تروحي معاها؟
تعرف أنّ الأمر يزعجُ أخوتها. قد يعتقد البعض أنّها مجنونة أو مختلّة أو مصابة في عقلها. مَن يُغنّي لدابة؟ ومنْ يتزوّج فتاة جميلة بصوت دافئ تغنّي لدابة؟
هذا العريس القادم من قرية بعيدة لم تتوقّف كثيرا عند دمامته. ولا عند جلفه وغبائه. ثمّة ما يزعجها في صنمه. يمشي كالصّنم، يجلس كالصّنم ويسخر منها ومن حمارتها.
-       ودتش تطلعيها بجهازتش؟ ههههه
غمزها أخوها بغضب. إيّاك أنْ تردّي. صرنا بسببك موضوعا للسخرية.
العرس يقترب وهي تودّع كلّ يوم حجرا من حجارة طريقها. توسّع مكانا لصخور قادمة ستسكنُ روحها. تحفظ ملامح حياة قصيرة عاشتها دونَ تعقيدات كثيرة. إلاّ صديقتها الصامتة تزدادُ تعلّقا بها ويزدادُ غضبُ أخيها.
-       غدا تزفّين إلى زوجك. تصيرين امرأة عاقلة تُكلّم الناس فقط. فهمتِ؟
لا يعرف أنّها ستكلّم الحيطان حتّى يموت زوجها الأخرق.
تهزُّ رأسها وتسكت.
حزنها على حمارتها الميّتة يوم زفافها غطّى على حزنها الأكبر على حياة تسرّبت من بين يديها.
كلّما سخر زوجها منها وتندّر على علاقتها بالدّواب كانت تردُّ:
تزوّجتك يوم ماتت حمارتي.
وتهمس لنفسها: لم تمت. حمارتي قُتلت.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads