الرئيسية » , , » لويس تيديسكو Luis O. Tedesco

لويس تيديسكو Luis O. Tedesco

Written By هشام الصباحي on الخميس، 26 نوفمبر 2015 | نوفمبر 26, 2015

لويس تيديسكو
Luis O. Tedesco
(1941-....)
ولد الشاعر والناشر المعروف لويس تيديسكو عام 1941 في العاصمة الأرجنتينية بوينس أيرس الساهدة والمتخاصمة مع النوم والتي تعطر موسيقى التانغو أجواءها مجسّدة شقاء كل عاشق مكابر أسلم قلبه لجنّية حلقت به إلى أقصى المدارات وألقته دون هوادة ليتساقط هنا، وبالذات في شارع كورينتس الساهر الذي تكفّل الموسيقي العظيم أستور بياسولا بتحويل صخبه، وعرضه، ورصيفه، وأضوائه، وأشلاء الحب المتناثرة في زواياه ورقصات التانغو المخبّأة في حناياه إلى عطر يفوح من آلة البنديون العريقة.
في تلك المدينة – بوينس أيرس – التي عرفت أيضاً الجنرال بيرون وزوجته إيفا، وعرفت أحذية العسكر، وثورات اليساريين "المونتونيروس" والديموقراطيات المهيضة الجناح، نمت القصيدة في مخيلة الشاعر تيديسكو، وانضمت كنوتة جديدة في رتل تلك الأحداث التاريخية، وما عنوان ديوانه الأخير " ذلك القلب الخالع قميصه" إلا تجسيداً لحدث ذو أبعاد تاريخيه، فلقب "خالعي القمصان" أطلق في حينه على العمال وصغار الكسبة الذين تقاطروا على ساحة القصر الجمهوري (ساحة مايو) ليؤيدوا آنذاك زعيمهم التاريخي الجنرال بيرون، ولشدة القيظ في ذلك اليوم خلعوا قمصانهم وأحذيتهم ووضعوا أرجلهم في بركة الماء المقابلة للقصر الجمهوري ضاربين بعرض الحائط كل الإجراءات التي كانت تحظّر ذلك.


من واقع تلك الأحداث وغيرها استلهم الشاعر توديسكو قصائده، وتحدّث عن ذلك خلال لقائه مع مراسل موقع ((الإمبراطور)) في بوينس أيرس الشاعر لاوتاور أورتيز، قائلاً:
إن ديوان "القلب الخالع قميصه" هو عملياً تكملة لقصيدة " لحم اللغة الميت " التي وردت في ديوان "بين ركام الأعشاب الطفيلية" حيث عالجت طبيعة السلطة القاهرة في الأرجنتين، والتي لا تقتصر على الحكومات العسكرية بل وتطال الحكومات المدنية والديموقراطية المرتبطة بمحسوبيات وبربرية الرأسمالية.
إنه هو.. إنه مشيته..
هو الذي..
حدثُ الذي..
إنه عباءته..
خضم البحر الذي تتجاذبه الضواري.
إنه الذي فقدته الأعالي
غلافه غلاف المُلك المهجور!!
ويضيف الشاعر لويس تيديسكو قائلاً: إن كلمة وطنيّ تفسح المجال أمام الكثير من المغالطات، وتكاد تكون مرتبطة بصورة مباشرة بوطنية المتنفذين "الأوليغاركيين" وتطرفهم الوطني والفئوي والعنصري. ولذلك فإنني أفضّل الحديث عن لغة في تأجج وانفجار بركاني دائم وتنطلق من الجذور اللاتينية ومن القرن الذهبي للأدب لتمتزج بلهجة سكان البلاد الأصليين ( الأبوريجين) وبالتنوع اللغوي لتيارات الهجرة، فأنا أحب التفاعل مع أدب أسكاسوبي، وخوسيه إرناندس، وفلوريس، ومانسي، أي أنني استحضر عملية تهجين في إطار أفضل أنواع آداب اللغة الإسبانية.


وفي حديثه عن اعتماده الكبير على أحداث الواقع يقول الشاعر تيديسكو: " أرى بأنه ليس من المناسب على الإطلاق وضع رقباء وحراس على إمكانيات التعبير الشعري، ولا على وفرة الواقع في الأعمال الشعرية أو تحويله إلى إيحاءات تجريدية أو روحية مكثّفة، فالقصيدة تنبعث دوماً على شفى وحدود اللغة، فأنا اقترح إبقاء الأبواب مشرّعة على مصراعيها أمام الواقع، والإقدام في الوقت نفسه على تفجير أجزاء هذا الواقع في أقصى مكان ممكن من خلال اللجوء إلى ملكة الإبداع النحوي واللغوي، فأنا أبحث عن البعد الأقصى للحقيقة والتحويل.."
رأيتها تعبر.. رأيتها تضحك
ثغر متصنّع منبهر
ولمعة الحرير على الأسنان
رأيتها تضحك كما الموت
مدمّرة.. مذعورة.. قارضة..
دعابات شفاهها الحارقة.


إلى جانب البحث عن الحقيقة بمنتهى أبعادها يتعمد الشاعر تيديسكو في ديوان " ذاك القلب الخالع قميصه" إدانة الربى، والتمييز، وفقدان الأشخاص في عهد الحكومة العسكرية، وغيرها من المآسي التي عانتها الأرجنتين، مستخدماً لهجة فجة ومباشرة أحياناً وساخرة أحياناً أخرى، ويقول في ذلك: " إن عنوان الديوان بحد ذاته استلهم من واقع يكاد يشكّل ملحمة. ومضمون القصائد يرتبط إلى حد كبير بتاريخ الأرجنتين في حقبة الستينات، فالجراح والعيوب الاجتماعية أضحت مرتبطة إلى درجة كبيرة بعقلنا الباطني مثل ومضات البرق الصافية المتجسدة بالبطل الأسطوري خوان مورايرا، وبإيفا بيرون، وصوت آلة "البندنيون"، فكأنما نشهد معركة حامية الوطيس في مجرى التاريخ وفي باطن كل واحد منا أيضاً، وفي مثل هذه القصائد الأخلاقية يجب اعتبار مرتزقة الباطل والشر بمثابة وحوش ضارية ومفترسة حقيقية تلتهم الجسد الاجتماعي.."
رأيت غضبها.. رأيت كظم غيظها..
ترجرج البدانة الساخر
رأيت شفاهها الجريحة
تتوارى في دهاليز العسكر
نزوحها الأولمبي
السيل.. الكآبة اللعينة..
تلوّن الطُعم المهجّن
رأيت سقوط قدمها من دم متصلّب.


إن كل الأحداث المذكورة لم تعن تخلّي الشاعر تيديسكو عن آفاقه العاطفية البعيدة، فديوان "ذاك القلب العاري " نفسه يجسد المعنى العميق لرقصة التانغو، حيث ترقص الأجسام في بخار الشهوة والأيروتيكية وتتحول إلى أوتار يعزف عليها الشاعر حيث يقول " إن كل قصيدة غرام هي قصيدة أيروتيكية شهوانية قاتلة. وإن عبورنا في هذا العالم ما هو إلا رحلة أيروتيكية. بل وأن التاريخ نفسه هو عبارة عن عملية هدم وبناء أيروتيكية، وإن جسدنا هو الذي يفكّر ويشعر، وبذلك فإن الإيروتيكية تعبّر عن نيّة الانصهار والتوحد، ونية التجزؤ بآن واحد".
بعضاً منه أسيراً.. يكرُّ
بعضاً منها مسنوناً يصدّه!!
هو يلحّ.. يقوّض
يحتكّ في الثياب شبه المفتوحة
العفة الحازمة.. الظمأ بصمت
كل منهما شهواني في داخله
كل منهما يمتشق خنجر شبقه


وبالطبع وعلى هامش الأحداث والأيروتيكية والهواجس فإن الشعر يبقى لدى لويس تيديسكو هو الأصل، فالشعر بالنسبة له " إبداع ومخيلة وأحداث الواقع ليست سوى عامل استقرار لملكة الإبداع الشعري المولودة أصلاً في عقل الشاعر، وإن كل ما يمكن أن تقع عليه يدنا يفقد انتماءه إلى الواقع عندما يحوّله الشعر إلى مشهد خيالي.."
لقد أصدر الشاعر تيديسكو إلى جانب ديوانه الأخير "القلب الخالع قميصه" سبعة دواوين أخرى هي:
- أهداف الخوف عام 1970
- الجسد عام 1975
- مشاهد عام 1980
- المملكة العاطفية عام 1985
- الحياة الخاصة عام 1995
- غادة فكري عام 1998
- بين ركام النباتات الطفيلية عام 2000
وكذلك فقد أصدر مجلة " حديث الشعر " التي ما زالت تصدر منذ عام 1998 وتجمع في صفحاتها نتاج أفضل الشعراء والأدباء في القارة الأمريكية اللاتينية والبلدان الناطقة بالإسبانية.
تراكمات الأعشاب المتطفلة
إنه هو..
إنه مشيته..
هو الذي..
حدث الذي..
إنه عباءته.
خضم البحر الذي تتجاذبه الضواري
إنه الذي فقدته الأعالي..
إنه الذي.. إنه قناعه الضخم
الذي.. الهالة الشريدة الهائمة
للندامة المقدّسة
سيد الإقدام.
سيد الاندفاع المتلاشي..
هنا تحت أقدامك تركع الجماهير
أعشاب طفيلية حالمة
أهملها طير المملكة المضيئة
إنه الذي.. إنه مشيته..
إنه الحدث الذي..
المراقب..
إنه الجمهرة بكاملها
إنه استفاقة
البرعم الناقم
تراكم الأعشاب المتطفلة
المتشبثة بالجماع الغامض
لكي يصمد
لكي يتضرّع
لكي لا يتنازل
مِن ذاك، من العامل..
من ذراعه الغليظ المحنّط
الذراع الذي كان
مجنّداً إلزاميا في الخدمة العامة
الذي كان، والذي أراد أن يكون..
الذي لمس القمم سرّاً!!
إنه ابتهاج الغناء
في شرايين الفرح الريفي
ذاك الذي في رقصة "الكويكا"
من العشب المرتدي ثوب العوسج
ذاك الآتي
الذي غناؤه الدامس
ينطلق من المجيء
غلافه غلاف المُلك المهجور!!
* * *


رأيتها تعبر.. رأيتها تضحك..
ثغر متصنّع منبهر
ولمعة الحرير على الأسنان
رأيت حرّاسها.. من أوراق المومسات
رأيت الغابة اللدود.. الديجور..
اللحاء المهفهف المتهالك..
رأيتها البعد بعينه!!
لمست ساق وردتها
المجرى الخجول
مياهها.. إزميلها الحاد
رأيتها تضحك كما الموت!!
مدمّرة.. مذعورة.. قارضة..
دعابات شفاهها الحارقة
* * *
رأيت غضبها ,, وكظم غيظها..
ترجرج البدانة الساخر
الحشرة الطفيلية اللجوج
ظمآى على زهور "الرتم" الصفراء
رأيت شفاهها الجريحة
تتوارى في دهاليز العسكر
رأيت نزوحها الأولمبي
السيل، الكآبة اللعينة..
تلوّن الطُعم المهجّن
رأيت الوباء
غابة الأشجار الرطبة مزروعة
الشرك.. اللجام المرخيّ.. الألم الكثيف
رأيت قناعها
رأيت الجمهرة
والموقع الديموقراطي التجريدي
رأيت ما استفز فيّ شارات الانهزام
الأحمر القاني.. شحوبها
التقدم الإقطاعي لردفيها
رأيت لون النهاية
الصوت الغائب، عذوبتها الداخلية
رأيت صرير حقول القصب القديمة
كأشباح مسمّرة في الموت
كوبر القرى الضائعة في الأقاصي
في الأسحار المحبوبة، في المياه الأولى
رأيت التقاطع المربك
رأيت طواعية حبّها
والشائك، والمبيّت
ومهماز الخائنة الثاقب
أجل رأيت حقدها.. تأخرها
ذعرها في الغلال المتأججة
رأيت سقوطها.. قدمها من دم متيبّس
* * *


دناسة الجسد
هي وهو قرينان..
هي وهو سيدا الحسن والجمال
في السفينة العرائسية السحرية
هي العذراء الظمآى.. تصلّي
جادة.. صادية.. والمنديل الأبيض
ثلوجاً بين شقائق نعمان شفتيها
تلألؤ الذهب.. صليبها الممتلئ
يتدلى في هوة نهديها
هي وهو. مصابان بسهم الحب..
في رحلة الجسد الغيبية.
هو المتيقن من الزينة الخالدة
يصيح على المنبر الدنيوي
كإقطاعي يراقب أملاكه.
* * *


ليس هناك من أحجار زهر ولا تخمينات
في الجسد الذي يتقدم بآن واحد
يحدّث نفسه..
سأترك أثري فيها..
لديّ السلطة.. والسلاح الماضي المتلألئ
ورأس حاد هائج ضارب في الزمان
هي تدعه يمارس.. ترمق دمها..
ترمق المساحات الشاسعة
المنبثقة لتوها
أملاكها في غرفة الدنس
هي سيدة الحسن تلتمس الآلم
هو المتأجج المضطرم يجاريها..
هكذا الأيام.. هكذا الرعشة الشيطانية.
* * *


الفتحة المورّدة
بعضاً منه أسيراً يكرّ..
بعضاً منها ماضي الحد يصدّه
هو يلحّ يقوّض.. يحتك في الثياب شبه المفتوحة
وبقدر ما هي دانية بقدر ما هي سامية ومتسلّطة
وبقدر ما هو عذب ثغرها الصامت البارد.
بعضاً منه متطيراً يتهاوى
بعضاً منها يتساهل بكبرياء
هكذا هو التناغم الثنائي:
العفة الحازمة، الظمأ بصمت
كل منهما شهواني في داخله
كل منهما يمتشق خنجر شبقه
بعضاً منها ومنه صديّ
وثمة من يعلّق على المشهد في "الظلّ".
* * *


هاهما آتيان بعد أن فرغا من القتل.. آتيان من الجرح
وقُطَبُ التشريج متضمخة بالدم
آتيان من ازدواجية ما..
القبلة الولهانة
التي قسمها حد السكين الحانق
آتيان متهيجين، دبقين، متلاصقين، دافئين في الأحشاء
المخروقة إلى النهاية
رطبة من الهوى، محبطة
تحمل جعبتها الساهدة
القلب، الضفائر، في استراحات ذلك الحب، الفتحة المورّدة
يحملان دمه النعومة المرهفة
عباءة ليلة شبقهما
خبز الربّ الملقي على قارعة الطريق..
* * *

لو أنك تقعد ساكناً أيها القلب
لو أن ألمك كان تظاهراً
وكانت زائفة تلك الصرامة التي تصيبني بالجبن
لو أن لعابك الواعظ يرتطم
في قفص اتهام هذا الصدر
لو أن شعوري المنزوع منك
بجنون فسفوري عارم
يصطدم بمكره في القمم
لو أنك تقعد ساكناً أيها القلب
لو أنك تقرّر الصمت
لو أن سفينة شرايينك المتشجنة المهيضة
تدعني أرحل متبخّراً
لو أنك تقعد ساكنا.. دؤوباً
لكانت الحياة هي نبضك الضوئي فقط..
* * *

أحابيل اللغة
أتعلمين؟!
إنه الألم..
الشيء الوحيد الذي تقبله العفة من المنافي
أرقه في أساطير الليل
شفافية جسد الكراهية
ولونها الوحشي الذي يقطر دماً في البعيد
إنه الألم.. المكان المحصّن الوحيد
لصوتي، مأواه، ملاذه
ذلك النغم ذو الأوراق الذاوية
تلك الثمالة التي تقطر في حلقك
الأمس، الازدراء، الكم من مرّة ومرّة
من ثلم مهمازي في مظهرك..
إنه الألم.. رسولك الفرِح
الذي يبقى هنا، الذي ينتظرك
الذي يتحدّث عاشقاً بين فخذيّ!!
* * *

ها هي آتية
تلك الضبابية
مطرّزة الأقنعة
المتقبّلة.. ذات القسمة الضيزى
الكثافة الشاحبة
ذات العينين الفارغتين واليدين المثقوبتين
خلاصة السَحَر.. الحرقة اللامتناهية
المبدِّدة.. المنتصرة..
ذئبة الوحل
كغضب السبات النادم..
الآتية صوبي
كنبضات عنكبوت بطيئة
نور عارٍ، حارق، من الناصرة
المخادعة التي لا تحيد
المتحركة غريزياً
في قطيع أرجلي
ذلك التموج.. ذلك الاختيال
معطفها اللامتناهي.. يكاد يكون بشرة
تحليقها... ثمالتها..
اختناقها في ما هو دان وراكد
شعلة نور متموجة.. جيداء.. شعائرية
شر شف رصاصي
مصقولة متباطئة
الأنثى.. الكلبة
رماد نشيج الأحلام

ترجمة: عصام الخشن / بوينس أيرس

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads