الرئيسية » , , , , , , » كيم أدونيزيو ودوريان لوكس تكتبان عن الشكّ الذاتي ترجمة: د. سمر طلبة

كيم أدونيزيو ودوريان لوكس تكتبان عن الشكّ الذاتي ترجمة: د. سمر طلبة

Written By هشام الصباحي on الأربعاء، 4 نوفمبر 2015 | نوفمبر 04, 2015

كيم أدونيزيو ودوريان لوكس تكتبان عن الشكّ الذاتي
ترجمة: د. سمر طلبة
إننا نعمل في الظلام. نفعل ما نستطيعه، ونعطي ما نملكه. إن الشك الذي يعترينا هو الدافع الذي يمنحنا الشغف، والشغف هو مهمتنا، أما الباقي فهو جنون الفن. (هنري جيمس)

إن ما تعتقد أنك دونه لهو في الحقيقة موجود في داخلك. ( بول فاليري)

إن الشيء الذي يجعلني أستمر في الكتابة عادة وأن شعوري باليأس وعدم الكفاية يتخلله أحيانا شعور مفاجئ بالعجز! (جيمس ل. بروكس)


عليك أن تدرك أنك لست شعرك ولا شعرك هو أنت

في الكتابة- كما في أي مجال آخر- قد تشعر أحيانا أنك لست مؤهلا لأداء المهمة التي أمامك على خير وجه. إن الكتاب جميعا- العظماء وغير العظماء منهم- يعانون من حين إلى آخر من شعورٍ بأنهم لا قيمة لهم، فيشعرون بأنهم كسالى تافهين، يفتقرون تماما إلى الموهبة، عاجزين عن كتابة أيّ شيء له قيمة. فعلى سبيل المثال، طالما عذَّبت سيلفيا بلاث نفسها بتلك الشكوك، وهي من هي في مجال، إذ تكثر في مذكراتها فقرات مثل هذه:

هل أجيد الكتابة حقا؟ هل أستطيع أن أكتب بشكلٍ جيّد إذا ما مارست الكتابة لوقتٍ كافٍ؟ وإلى أي مدى سأضطر إلى التضحية كي أستطيع أن أعرف هل أنا جيدة حقا أم لا؟ والأهم من هذا كله: هل يمكن لامرأة أنانية غيورة نرجسية عديمة الخيال أن تكتب شيئًا ذا قيمة؟

لقد ظلت سلفيا بلاث- في دفتر يومياتها- تحث نفسها وتدفعها دفعا كي تكون أفضل كإنسانة، وكي تبدي اهتماما أكبر بحياة من حولها من البشر بحيث تقوم بتدوين ملاحظات أكثر تفصيلا لتفيدها في الكتابة القصصية (التي كانت تعتبرها “العمل الحقيقي ولا شيء سواه”) وفي كتابة المقالات، كما كانت تحث نفسها على قراءة المزيد من الكتب والعمل بجد أكثر وتحاول دفع نفسها لأن تحسن من نفسها كمعلمة وهكذا، بلا توقف، واستمرت تدفع نفسها نحو تدمير الذات بمحاولاتها الدائمة للوصول إلى الكمال الذي لم يكن لها أبدا أن تدركه. وهكذا، ففي عمر الثلاثين انتحرت سلفيا بلاث تاركة خلفها مجموعة من الأعمال الممتازة والتي بلغت القمة في قصيدتها الشهيرة “إريال”. ويا لها من خسارة تلك التي خسرها الأدب بانتحارها، ويا للأعمال الأدبية التي كان يمكنها أن تبدعها لو أنها عاشت.

إن الكثير منا يميل إلى التركيز على إخفاقاته أكثر من نجاحاته. لكن هذا يعني أن يظل المرء دائمًا في حالة شك في قدراته وموهبته، إذ سيظل دائمًا يذكر المواقف التي لم يبد فيها الكفاءة المرجوة وحسب. لذا ففي المجال الأدبي حيث يكثر أن يتعرض المرء للإخفاق- إذ يرفض الناشرون بعض أعماله، ويخسر جوائز كان يتمني الفوز بها، ويتعرض للنقد، يكون من الضروري بل والمهم أن يتحلى المرء بقدرٍ من تقدير الذات. على المرء أن يهنأ ويسعد بما يحققه من نجاح (وإن كان محدودا)، فإذا حدث مثلا أن امتدح زملاؤه قصيدة كتبها في إحدى الورش الأدبية فعليه ألا يقنع نفسه بأن الناس يجاملونه وحسب (ولكن إذا ما تأكد أنَّ الورشة تقوم على المجاملة فعليه أن يلوذ بالفرار بأسرع ما يمكن، فالنقد الموضوعي الصادق هو دليل على أن الناس يحترمون ما تكتب ويأخذونك على محمل الجد)، وإذا لم تنشر إحدى المجلات الأدبية عملا أرسلته لها فلا تقل لنفسك إنهم لم يفعلوا ذلك إلا لأنهم لا يفهمون ويفتقرون إلى الذائقة الأدبية السليمة، وإذا ما تم امتداح العمل الذي اشتركت به في مسابقة ما دون أن تفوز بجائزة فضع نصب عينيك دائما أن هذا يعني أن شِعرك أفضل من شعر آخرين كثيرين لم ينالوا ما نلت من تقدير غير رسمي.. ولا تجعل هاجسك وهمّك الأول والأخير أنك لم تأت في المرتبة الأولى ولا حتى فزت بالجائزة الثانية. إن كتابة الشعر ليست مسألة منافسة رغم الطابع التنافسي لعملية النشر والسعي لتحقيق التميز والحصول على تقدير جمهور القراء واعتراف النقاد. أما إذا كنت لا ترى في كتابة الشعر سوى المنافسة فلن تجد السعادة فيه.


كيم أدونيزيو

وينبغي أيضًا أن نذكر هنا أنَّ عليك أن تدرك أنك لست شعرك ولا شعرك هو أنت، فلا يجب إذن أن يتوقف تقديرك لذاتك على مدى نجاحك في نشر أعمالك أو على رأي أحد الناشرين أو الكتاب الذين يعجبونك فيما تكتب. فإذا ما كتبت قصيدة عن شيء ما حدث لك ولم تعجب القصيدة النقاد فلا تأخذ الأمر على محمل شخصي، لكن هذا هو ما يحدث بالفعل في أحيان كثيرة، إذ يرى الناس قصائدهم باعتبارها معادلا لأنفسهم، وبناءً عليه فإن النقد والرفض الذي يجدونه يحطمهم تمامًا، فيبدؤون في التشكيك في قدراتهم ثم الإيمان بأنهم دون المستوى، أو قد ينحون باللائمة على معلميهم، أو مراجعيهم، أو زملائهم، ويملأ الامتعاض نفوسهم، والحقيقة هي أن الشعر الجيِّد هو مزيج من أشياء عدة هي؛ الوعي، والموهبة، والمثابرة، والمثابرة، والقدرات اللغوية (الأصيلة والمكتسبة)، والحظ، والمثابرة، والمعرفة، والخيال، والمثابرة… إن هذه الصفات لا تعني بالضرورة أنَّ من يتحلى بها سيصير إنسانا أفضل، إلا أنَّ الأمر يختلف فيما يتعلق بالشعراء، فنحن نؤمن أن الشعراء ليسوا مجرد بشر، بل هم أكثر نبلا من البشر العاديين. إنهم أناس تربطهم باللغة علاقة بالغة الخصوصية، تتمثل في حاجتهم الملحة ورغبتهم القوية في استخدام اللغة بطريقة مختلفة. إن الشعراء- كسائر الناس- من الممكن أن يكونوا أنانيين قساة نفعيين استغلاليين، ومثلهم أيضًا يمكن أن يكونوا مفتقرين إلى التوازن والاستقرار والإحساس بالمسؤولية، لكن -كسائر البشر أيضًا – يمكن أن يكونوا عكس هذا تمامًا. إن هويتك وما تتسم به من صفات لهي عوامل تؤثر تأثيرًا بالغًا فيما تكتب من قصيد، لكن عليك ألا تتماهى مع قصائدك لدرجة أن تنزف أنت الدم إذا ما مزقها أحدهم أو طعن فيها.

إنني أعرف كاتبًا يصر على أنه لا خير يرجى منه. لقد نشر عدة روايات ومجموعات قصصية، كما كتب نصين تم تحويلهما إلى أعمال تلفزيونية، وفاز أيضًا بعدة جوائز. يمكننا القول إنه لا علاقة مطلقًا بين رأيه في أعماله وبين رأي الآخرين فيها، والذي يتجسد في ذلك الواقع المشرف والإنجاز الذي حققه. من المؤلم أن ترى شخصًا يعاني مثل هذا الشعور، لكن الأكثر صعوبة وإيلامًا هو محاولة الاعتراف بأنك أنت أيضًا لديك نفس المشاعر حيال نفسك وكتاباتك.

إن المرء يشعر كثيرًا بأنه تعوزه الموهبة، أو أنه قد بدأ متأخرًا وفات الأوان على تحقيق أحلامه الأدبية، أو أنه لن يستطيع أبدًا أن يعبر عما يريد قوله بالطريقة التي ينشدها. ويظل المرء في تشكك، متسائلا عما إذا كان ما يفعله هو محض هراء ومضيعة للوقت وحسب، كما يقول لنفسه إن الحياة تمضي والناس يعيشونها بينما هو قد حبس نفسه بين أربعة جدران متخيلا أنه كاتب بينما هو لا يفعل شيئًا سوى إضاعة حياته. كما يهتف به صوت من أعماقه يذكره بأنه لم يعد أحد يقرأ الشعر وعليه فإن العالم لن يهتم بقصيدة جديدة تضاف إلى ذلك الكم الهائل من القصائد الموجود فعلا فيه. ثم يبدأ المرء في الندم لأنه قد اشترى كتابًا لحثه على الكتابة ويقول في نفسه إن الكتاب لا غناء فيه بل هو مجرد مضيعة للوقت والمال، ثم يبدأ في تقريع نفسه لأنه قد اعتقد في لحظة ما أنه يمكنه أن يصير أديبًا. ينبغي أن تعلم أنه لا علاقة مطلقًا بين كل تلك الأفكار السلبية وبين قدرتك على كتابة قصيدة فعلية. ستكون مع كل هذا قادرًا على الكتابة، بالطبع ما لم تسمح لتلك الأفكار والمشاعر السلبية بأن تسيطر عليك تمام السيطرة بحيث تشل حركتك وتفكيرك كلية. وهكذا فإذا ما أردت أن تكتب الشعر فعليك أن تعترف لنفسك أنك تفعل هذا لأنك ببساطة تحب أن تفعله، ثم تتوقف عن تثبيط همتك وتدمير معنوياتك. لا تستسلم للشك، بل اشعر به، واعترف بوجوده، ثم توقف عن جلد نفسك، وابدأ في الكتابة.

وإليك تمرينًا أكلف طلابي به أحيانًا: اجلس ودع ذلك الصوت اللحوح الذي يبث الأفكار السلبية بداخلك يقول ما لديه. احص عيوبك ونقاط القصور التي تراها في نفسك، وكل ما تجده من أسباب تجعل الكتابة مستحيلة من وجهة نظرك، وكل عقبة يمكنك التفكير فيها. أي باختصار، اقنع نفسك، كتابةً، بأنه يستحيل عليك أن تصير كاتبا.


دوريان لوكس

ثم بعد هذا امنح نفسك الفرصة للرد على ذلك الصوت السلبي اللحوح. قل له- كتابةً أيضًا- لماذا تريد أن تكتب، وما الذي تنوي الكتابة عنه، وحدّثه عن طاقاتك الإبداعية الرائعة، واعمل على تصديق ما تقول. اعثر على تلك المساحة الإيجابية بداخلك، والتي تكمن في قلب رغبتك في الكتابة. تأمل تلك المساحة وتعرف عليها جيدًا. مم تتكون هذه المساحة؟ ربما كانت تتكون من ذكريات القصص والحكايا التي كان والداك يقرآنها لك في طفولتك، والتي كنت تنظر إليها وكأنها نوع من السحر. ربما كانت تتكون من تلك المتعة التي تشعر بها عند قراءتك قصائد تشبه شيئًا ما في حياتك، أو تتناول خبرة مرت بك، أو تملؤك كلماتها نشوة. أو ربما كان قوامها ذلك الرضا الذي تشعر به حين تنجح في قول ما تريد قوله بالطريقة التي تريدها بالضبط، وماذا عن تلك الحرية الرائعة التي تشعر بها وأنت تتجوَّل في أرجاء مخيلتك وكتابة ما يخطر لك، دون قيود أو حدود؟ ماذا عن إغواء خلق عالم تكون أنت المسيطر على مقدراته والوحيد الذي يمكنه جعل الأشياء تحدث فيه على هواه؟ وهي أشياء لا يمكن لك مطلقًا أن تجربها في حياتك الواقعية؟ في كتاباتك يمكنك أن تجد الحب في أي وقت تشاء، ويمكنك التحدث مع الموتى، وأن تعيش طفولتك من جديد، وأن تمحو ما فعلته في حياتك الواقعية وندمت عليه، فكأنه لم يكن أبدًا. يمكنك أن تصير راقصًا، أو حتى راقصة، بل وحجرًا يلقى في النهر. يمكنك أن تسرق وأن تقتل وأن تقع في الحب وأن تعيد صياغة محادثة وقعت بالأمس بحيث تغير مجراها تمامًا. أيا تكن تلك المساحة الإيجابية بداخلك والتي تغريك بالكتابة، صِفها وتحدث عنها إلى ذلك الصوت في داخلك.. ذلك الصوت المزعج الذي يريد إفساد متعتك.

يمكنك فعل هذا، ليس مرة واحدة وحسب ولكن كلما أردت أن تنقذ نفسك من فخ التشكيك في قدراتك. استخدمه كعلاج، أو كتمرين إحماء حتى تستطيع الكتابة حين تشعر بأن الكتابة متعسرة، أو لتوليد مادة خام جديدة تصلح لتحويلها إلى قصيدة.

 المصدر تكوين




التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads