الرئيسية » , , » سيرغي بونوماريف: الحياة كحقيبة سفر | جوزيف الحاج

سيرغي بونوماريف: الحياة كحقيبة سفر | جوزيف الحاج

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 2 أكتوبر 2015 | أكتوبر 02, 2015

ماذا يحمل المهاجرون في حقائبهم؟ أشياء تافهة، بقايا من حيواتهم السابقة، وحدها تسرد مغامرتهم. أسئلة طرحها المصوّر سيرغي بونوماريف sergey ponamarev وماريلين بومارد على عابري المتوسط في طريق هجرتهم.


حقيبة ظهر هزيلة، وحقيبة رياضية زاهية الألوان، إحتفظت بشكلها المربّع كأنها لم تقطع المسافة بين سوريا وأوروبا.  تذكّر السوري رامي (19 عاماً) بعضاً من أشيائه الموضبة في بقجة قماشية إبتلعها البحر في مكان ما، بين تركيا واليونان: "ملابس إضافية، وفرشاة أسنان، هي آخر ما تبقى لي من ذكريات حملتها من دمشق، فيها أيضاً  تي- شيرت وزجاجة عطر هديتين من والدتي عشية مغادرتي"...

في ليسبوس وإيطاليا وكاليه، أخرج مهاجرون أشياءهم التافهة التي اصطحبوها معهم. من بينها ما لا يحمله عادة مهاجر غير شرعي. هذه الأشياء ربما تُشعر حاملها بالطمأنينة، فتكون عوناً له في بناء حياة جديدة. يستشهد بونوماريف بقول للإيطالي بيكابيا "لا أشياء ضرورية سوى تلك التي لا فائدة منها".

بعد حادثة الغرق التي نجا منها لا يزال رامي يحتفظ بأوراقه الثبوتية وبهاتفه النقّال "كانوا في جيب من النايلون". أكان ذكياً أو عادياً، يبقى الهاتف النقّال ضرورياً في مغامرة الهجرة.  تبادل المعلومات أمر حيوي للتقدّم وتجنب الخطر، ورصد المعابر وتجنّب التيه. يتلقون الرسائل من المهرّب وأخبار أصدقاء الفايسبوك.

محمد عبد الكريم (47 عاماً) تابع مساره عبر هاتفه الذكي من  قعر سفينة النفايات "بلو سكاي إم" التي أقلته إلى إيطاليا. بدا هاتفه الذكي أكثر تطوراً من هواتف الركّاب الأفغانيين والإريتريين.

المال وبعض الأوراق الثبوتية من الضروريات. هناك قلة من الشباب يحملون نسخاً عن شهاداتهم العلمية، مسجلة في هواتفهم.

"ماذا سنحمل معنا؟" تساءل أحمد، الآتي من دمشق مع عائلته: "قبل إقفال الباب، دخلت إلى البيت وتأملت كلّ ما تركناه. لم نحمل سوى الضروري لأطفالنا". 

بعض الحقائب لم تعرف تقشّفاً مماثلاً. يتعثّر سحّاب حقيبة محمد حمصي (23 سنة) قبل أن يستخرج منه وسادة حاكت عليها زوجته جملة "I Love You" بالأحمر. لم يسخر منه أحد لرؤية القطعة المخملية التي لا يحتاجها مهاجر. إنها "أوديسة" حقيقية.

سميرة وميديا، الكرديتان خبأتا في حقيبتهما، بين ثنيات قميصين قطنيين، قطعة مصنفة من الكماليات، رمز رفاهية ولّت:  قلم كحل وأحمر شفاه.  تضحكان كما لو أن عدة الماكياج من البديهيات. علّ هذه اللمسة الأنثوية تعينهما في حياتهما الجديدة. "الماكياج يطمئنهن بأنهن لم يفقدن كل شيء. بحرصهن على أنوثتهن، إحتفظن بالضروري."لاحظ المحلل النفساني لوباستييه، الذي يدرس رمزية حاجيات السفر والإنتقال من حياة إلى أخرى.

مسألة أخرى أدهشت لوباستييه، هي أناقة المهاجرين. تقول آن فان بري، من البحرية البلجيكية: "أنقذنا مجموعة من المهاجرين. بعد ساعات بين الموت والحياة، رتبوا هندامهم، فبدوا في كامل أناقتهم، رغم حاجياتهم القليلة!" "تتناقض هذه الأناقة مع صورة اللاجئ، ما يثير الريبة تجاه معاناتهم"، لاحظ لوباستييه.

الأناقة لا تنفي المعاناة. يروي آخر: "رميت كيس السفر الذي يحوي أدوية شقيقي المصاب بالربو، بعدما كاد المركب أن يغرق".

يبقى المال "لا نتنزه على طرق الهجرة وجيوبنا ملأى". التقى بونوماريف بسوريين لا يحملون أجرة تاكسي. كانوا ينتظرون عند الحدود، من بينهم تاجر دمشقي يدعى نبي، وضعوا حقائبهم الفارغة جانباً، وتحلقوا حول نار خفيفة، بانتظار الفرج.

يخلص بونوماريف: "ما يفسّر أحجام حقائبهم الصغيرة الخاوية، الشبيهة بحقائب تلامذة المدن الأوروبية، المخاطر المحدقة، إذ يضطرون إلى البقاء ساعات في حفرة، مثل رامي، قبل بلوغ الفردوس الأوروبي، الموعود"... 

هكذا هي الحياة على طريق المَهاجر.

 

 






التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads