الرئيسية » , , , , , , , , , » الشاعر الأميركي روبرت لويل العائد إلى الشهرة بعد رحيله كان هذا يوماً آخر من الإذلال

الشاعر الأميركي روبرت لويل العائد إلى الشهرة بعد رحيله كان هذا يوماً آخر من الإذلال

Written By هشام الصباحي on الخميس، 8 أكتوبر 2015 | أكتوبر 08, 2015

نيويورك ـ أحمد مرسي
ربما لم يحقق شاعر أميركي في سن مبكرة النجاح الذي حققه روبرت لويل بعد صدور مجموعته الشعرية الثانية «قلعة اللورد ويري» في . فقد حصل على زمالة غوغنهايم وجائزة بوليتزر. وقد دشّنت مجلة «لايف» نجوميته كشاعر هام بنشر تحقيق عنه، مما حفز أحد منتجي هوليوود على الاتصال بناشره ليستفسر ما إذا كان الشاعر يفكر في احتراف العمل السينمائي. وقد جاءه الرد: «لا، لم يراوده التفكير في هذه المهنة، ولكنه يشكرك على السؤال». ولم يعرف لويل بعد ذلك الحياة بعيداً من الأضواء، بما قد يعنيه ذيوع الصيت سلباً أو إيجاباً.

وقد كتب ايدن كاروث في مجلة «هادسون رييو» في يقول «إنني أحسد لويل. فأينما أذهب وسط أشخاص معنيين بالأدب لا ألتقي إلا بآخرين يحسدونه... لندع الجميع يقولون ما سيقولونه، إن لويل هو شاعرنا الرائد. وهذه حقيقة. فهو يتمتع بقوة، وتأثير، وشهرة واسعة. وكتبه، على سبيل المثال، تطبع بصورة دائمة، وتوزّع بصورة مطردة ـ ويا لها من بهجة».

ولكن شهرة لويل لا تدين لعمله الشعري وحده. ولكنها تتعلق إلى حد كبير بحياته أو حتى حيواته الأسرية. فقد كانت زيجاته الثلاث إعصارية، ولكنها تأثرت أكثر من كل شيء بقصص الاكتئاب المرضي، مقترناً بتدفق شعري غير اعتيادي. وعندما كتب أو أعاد صياغة قصائد سافو، ومونتال، ورامبو، وييون، وباسترناك وبودلير، من بين آخرين، في كتابه «مستنسخات» في ، لم يهتم أحد بما إذا كانت القصائد ترجمة أمينة، أو تشويهاً، أو كما تمنى لويل نفسه، بل كان سك شيء جديد مسألة جدل مفرط. وفي الوقت الذي وافته المنية في ، في الستين فقط، كان قد أنفق أكثر من عشرين سنة، إن لم يكن في مقام بابا أميركي، فعلى الأقل، كأحد كاردينالات الثقافة الرفيعين. وكما كتبت الشاعرة اليزابيت بيشوب، في تحية لمجموعته «دراسات حياة»... «وسط أسوأ قرن حتى الآن، أفرزنا شاعراً رائعاً».

ومنذ وفاته، تنازل لويل عن مكانته الآمرة في الأدب الأميركي التي تمتع بها في حياته، وفي الوقت نفسه، أمّنت سيلفيا بلاث مكانتها، بينما كان الزمن رفيقاً بأدريين ريتش، وبصفة خاصة ببيشوب نفسها.

ويقول أنطوني لين، في دراسة طويلة عن الشاعر نُشرت الشهر الماضي، وكانت بشيراً بظاهرة بعث لويل الذي تجلى في عدة دراسات، بمناسبة صدور مجلد أعماله الشعرية الكاملة بعد أكثر من ربع قرن على وفاته، إن انطفاء بريقه بعد وفاته ليس مجرد تغيير الموضة، «وإذا كان ظل لويل لم يعد محورياً في رأينا في الشعر، ربما كان ذلك لأن الشعر نفسه ليس محورياً في حيواتنا، أو أياً كانت الظروف، ليس محورياً للطريقة التي نتوصل بها إلى أصوات أخرى في محاولة إكساب تلك الحيوات طاقة محددة. وهو، يستطيع المرء أن يقول، ليس إلى حد كبير شخصية مفقودة، بمعنى أنه آخر شخصية من نوعها. وعندما عمل كمستشار غير رسمي ليوجين مكارثي في حملته الانتخابية الرئاسية في ، كان هناك شيء من السخرية مما كان، أساساً، رفقة ثقافوية، لكن لم يعتبر شيئاً غريباً أن يتفق شاعر مع شخص يسعى إلى السلطة. ويتساءل لين: هل لا يزال ذلك الحال نفسه؟ إذا سعى شخص له سجل لويل إلى رفقة مرشح رئاسي ديموقراطي في ، هل سوف تدعوه المباحث السرية، على سبيل المثال، لكي يغادر المكان من أقرب نافذة؟

ثم يقول: الآن قد أتيحت لنا الفرصة لنتطلع من جديد على ذلك التألق. وينصح القارئ بالتوجه رأساً إلى قسم الشعر بمكتبته ليبحث عن كتلة مكعبية لعضلة لفظية: وجيروكس (تحرير فرانك بيدارت ودافيد غيوانتر).

ويصف الناقد، عن تصفّح الكتاب لا بتجربة غواية. ولكن بالتعرّض لهجوم. «ليست القضية هنا مجرد قوة سطوره الضاربة، حيث يمكن تعبئة حتى الطيور ـ المغرّدة التي تحدو الربيع لقضية الانذار بالسوء (الغابة/ منشوطة في حبال الحلوق ذات الريش الحادة الصوت)». وهناك أيضاً حجم نتاجه المذهل، تلك المجلدات الهزيلة التي تتراكم في جسد من ضخامة أعمال وورد وورث. وهي حسب ترتيبها الزمني: «قلعة اللورد ويري» () و«طواحين أسرة كاانوه» () و«دراسات حياة» () و«مستنسخات» () و«من أجل قتلى الاتحاد» () و«بالقرب من المحيط» () و«تاريخ» () و«من أجل ليزي وهارييت» () و«الدلفين» () و«يوماً بعد يوم» () و«القصائد الأخيرة» ()، وهناك أيضاً «أرض الاختلاف» () الذي لم يسمح لويل بإعادة طبعه في حياته، والذي طبعه المحرران كتذييل. وقد احتلت جميع هذه الكتب الشعرية بالاضافة إلى الحواشي صفحة من القطع الكبير.

يقول فرانك بيدارت، تلميذ الشاعر وأحد أكثر حوارييه إخلاصاً ومنفذ وصيته الأدبية في مقدمة المجلد: «كان روبرت لويل قبل أي شيء صانعاً جسوراً ـ في الشعر، أحد صانعي القرن العشرين العظام. وقد اشتهر ككاتب «اعترافي»، لكنه سخر من المصطلح. وتكمن جسارته وحيلته الواسعتين، وإقدامه، لا في صراحته، بل في فنه. وأعرب عن أمله في أن تساعد أعماله الشعرية الكاملة في إبراز ممارسة لويل كفنان، وطبيعته كصانع.

ويشير بيدارت إلى الحيرة التي ألمت بالنقاد عندما أصدر الشاعر في ثلاثة كتب شعرية من السوناتان ـ «الدلفين» و«تاريخ» و«من أجل ليزي وهارييت»، من بينهما مجموعتان انبثقتا عن كتّاب سابقين يدعى «المفكرة». وقد نشر الملحق الأدبي للتايمز الانكليزية مراجعة غير متحمسة مزيّنة برسم يصوّر مفرمة لحم تفرم كتباً ويديرها رجل يحدّق في القارئ، على نحو شيطاني، يبتسم نصف ابتسامة. ومع ذلك يعتقد بيدارت أنه بالتمعن في أعمال لويل يكتشف المرء أن إعادة التفكير في العمل، وإعادة تخيّله، وإعادة كتابته كان شيئاً أساسياً بالنسبة له منذ البداية المبكرة، ومتخللاً حتى النهاية. فلم يكن ذلك انحرافاً جديداً، خصوصية شاذة من جانبه، فقد انبثقت بعمق شديد من طبيعة ما كان يفعله كشاعر، وكيف تصوّر عمله ككاتب.

وفي سوناتا عنوانها «راندال غاريل»، كتاب «تاريخ»، يظهر شبح الشاعر غاريل لروبرت لويل.

مر الحلم مثل مدمّة من الخيزران المشقوق،

شرائح من الغبار أذهلها سحب إلى أسفل؛

صحوت وأدركت أني كنت أمسك بسيجارة؛

تطلعت، لم يكن هناك أحد، ربما لم يكن هناك أحد؛

نمت سنوات قبل أن أستيقظ مرة أخرى؛

إذ كنت أتحسس الأرضية، وأنفض الملاءات. رأيت

لا شيء كان يحترق. استيقظت، رأيت

أني كنت أمسك بسيجارتين مشتعلتين...

جاءوا من هذا الطريق، أصدقاء قدامى، عشّاق الموت القدامى.

الليلة كان راندال، لا تزال شرارته متقدة وإن كانت متواضعة،

لا يزال رسغه المتآكل مسنوداً مثل هرة. «ما الذي أخّرك طويلاً، هل

كنت تسابق حجر رحى طموحك الآخذ في البرودة؟

إنك لم تكتب، لكنك كنت تعيد كتابة... لكن قل لي،

كال، لماذا عشنا؟ لماذا نموت؟».

لا شك أن تأكيد غاريل، إنك لم تكتب، ولكنك أعدت الكتابة» يسجل حقيقة، وإن كان لا يخلو من سخرية. لقد كان جاريل شخصية حاسمة بالنسبة للويل. وفي مقابلة مع فريدريك سيدل، بمجلة «باريس رييو»، في يقول «إن جايل أديب عظيم، وهو رجل واسع الاطلاع، وأفضل ناقد في جيلي، وأفضل شاعر محترف».

وقد قال بيدارت للشاعر ذات يوم أنه يعتقد أن مراجعته لنص «دراسات حياة» ـ بين الطبعتين الانكليزية والأميركية ـ إذ صدرت الطبعة الانكليزية أولاً ـ تمخضت عن تحسينات هامة، وبصفة خاصة في الفواصل. فابتسم لويل في سعادة وقال ان راندال ساعده فيها.

وفي مقابلة «باريس رييو»، يقول لويل إنه في قصائده المبكرة كان يبدأ عادة بكتابة قصيدة بشعر مرسل، ثم يدخل القوافي بعد ذلك. «وكان أقصى ما آمله في البداية ألا تكون الصياغة المقفاة أقل جودة من الشعر المرسل». ولكنه اكتشف أن في وسعه، مع بذل جهد أكبر، أن يجعل النص المقفى أفضل. ولكن بيدارت يرى أن هذه الرواية بقدر ما تتعلق بصعوبات القافية في قصائده المبكرة وتعامله معها، فهي تلقي الضوء أيضاً على مراجعته لأعماله، كما أن هذه التجربة المبكرة قد وضعت النموذج لحياته كشاعر. وهي تفسر لماذا كان على استعداد المرة بعد الأخرى لممارسة النقد الذاتي الذي كان يعتقد في بعض الأحيان أنه مهين. وقد أمضى بيدارت أوقاتاً كثيرة مع لويل عندما كان يعمل في قصائد سنواته العشر الأخيرة. وفي مرات كثيرة كان يقول في نهاية اليوم، مثيراً دهشة أي كان موجوداً، «حسناً، كان هذا يوماً آخر من الاذلال».

وبينما يعتبر بيدارت ولع لويل بمراجعة كتابته ميلاً إلى كمال لا يتحقق، بما في ذلك عدم تردده في تدوير أو إعادة استخدام قصائد منشورة من قبل. يجيب لويل عن سؤال وجهه إليه سيدال، في مقابلة «باريس رييو»، حول تدوير فقرات من قصائد قديمة: «إن جميع قصائدك إلى حد ما هي قصيدة واحدة، وهناك دائماً كفاح للحصول على شيء يتوازن ويأتي صحيحاً، بحيث تكون جميع أجزائه جيّدة، ويتضمن التجربة التي تقيّمها. ومن ثم، إذا توافرت لك بضعة سطور تسطع في قصيدة، أو بدأت تسطع، ولكنها تفشل وتغطي وتفرق. ربما كان شكلها الحقيقي في قصيدة أخرى.. وربما تكون قد أخطأت الالهام الحقيقي في القصيدة الأصلية. وأن هذه السطور تنتمي إلى شيء آخر كلية. ولا أعتقد أن هذا (إعادة استخدام مقاطع قديمة) ينتهك التجربة».

ويعتقد الناقد والشاعر الانكليزي جيمس فنتون (عودة روبرت لويل ـ The New York Review Of Books) إن إفراط لويل في سنواته الأخيرة في مراجعة وإعادة استخدام شعره كان ينال من صبر جمهور قرائه العريض في ذلك الوقت. كما خلق بذلك مشاكل لأي محرر قد يتعرّض لجمع أعماله في المستقبل. مما أدى إلى صدور أعماله النثرية الكاملة في ، بعد وفاته بعشر سنوات. لكن قصائده الكاملة ظهرت أخيراً فقط، وفي الوقت نفسه، وبإجماع الآراء، تعرّضت أعمال أكثر الشعراء شهرة في زمنه لكسوف جزئي.

لم تكن المشكلة في رأي فينتون هي عدم وجود مجموعة كاملة محرَّرة... ففي وسع القارئ أن يقرأ لويل في مختارات وفي أنثولوجيات، والقصائد الهامة هناك إما أن تحتفظ بقوتها، أو لا تحتفظ بها. وفي وسع المرء أيضاً، وبدون صعوبة تذكر، أن يشتري مجموعاته المفردة باستثناء «أرض الاختلاف». وينصح الناقد الانكليزي قارئ لويل بقراءة مجموعته الهامة الأولى «قلعة اللورد ويري» ()، أول أهم أعماله، وعدم محاولة قراءة مجموعته الثانية «طواحين كااناه» (). ويمكن الوقوع على جوهر أعماله في مجموعاته «دراسات حياة» ()، و«من أجل موتى الاتحاد» ()، و«بالقرب من المحيط» (). وإذا لم يعثر القارئ على شيء في هذه الكتب فالأرجح أنه لن يجد شيئاً ذا أهمية كبيرة. من المجموعات الشعرية اللاحقة. «وإذا أعجبت بهذه الكتب الأربعة، كما أعجب بها أيما إعجاب، بتحفظات كبيرة، سوف ترغب عندئذ في شراء بقية الكتب».

وفي محاولة، لا تخلو من قسوة، لتفسير أفول الشاعر السريع على أثر وفاته، يقول جيمس ينتون؛ إن لويل شاعر غير ـ معصوم. فهو غامض دائماً، وفي بعض الأحيان لا يمكن النفاذ إليه، وفي أحيان أخرى مسطح. إن حقيقة أنه كان لا يستطيع مقاومة ميله إلى المراجعة لا تجعله كمالياً ناجحاً. وهو ليس مثل الدبور الذي يعلك مادة في شكل لب متجانس ليصنع بنية أصيلة كلية. ولكنه أقرب إلى كائنات بحرية معينة تجمع شذرات من هناك وهناك، ولكنها تحتفظ، أو يبدو أنها تحتفظ بشيء من شكلها الأصلي. أشياء قالها أناس آخرون، رسائل خاصة، قصص كتبها أشخاص آخرون، قصائد شعراء آخرين ـ كل أشكال المواد يمكن استخهدامها. «إن لويل ليس شاعراً مثالياً. ولو قصدته بحثاً عن شاعر يبلغ حد الكمال فالمؤكد أنك سوف تشعر بخيبة الأمل. فهو يمكن أن يكون مهملاً، ربما أكثر إهمالاً في شعره عنه في نثره. لكن «ينبغي أن تبحث عن القطع» التي تسطع في قصيدة، أو بدأت تسطع». وعليك دائماً أن تختار، لكن، كما قال لويل، «لا أعتقد أن ذلك ينتهك التجربة».

ويقترح جيمس فينتون في ختام دراسته الأكاديمية الصارمة، بعد أن سبق السيف العذل، أنه كان من الأصوب أن يُستبعد كتاب «مستنسخات» (فضّلت هذه الكلمة على الترجمة الحرفية ل`Imitations، ما لم يكن لويل يقصد أن القصائد التي نسبها إلى شعراء آخرين أبعد ما تكون عن الأصل) من المجلد، لمجرد تقليص حجمه، وربما حتى للتمكين من ضم صيغة واحدة من المفكرات، ولا يفوته أن ينوّه بأن «الأرشيف المتاهي» الذي أعده ديسالس هاريسون ينبغي أن يُحفظ بعناية، أينما كان، لأن النصوص والمذكرات عن القصائد في حاجة إلى مراجعة شاملة وتصحيح. «ويا له من عار كبير، لأن العمل في جميع مواطن قوته، وفي كل ما فيه من قابلية للخطأ، يستحق شيئاً أفضل من هذا».

ويا لها من مفارقة مثيرة للسخرية، وبالتأكيد البلبلة بين تقويم جيس ينتون لروبرت لويل، وتقويم هايدن كاروث، الذي كان أول من كتب عن الشاعر في مجلة «نيويوركر» قبل توزيع مجلد الأعمال الكاملة.

وتعميقاً لهذه المفارقة، يطيب لي أن أختتم مراجعة المراجعات هذه باقتباس أسطر من مقال تشارلس ماكغرات في «نيويورك تايمز»: إن هذا الكتاب في الواقع يستعيد لويل ـ ليس لويل الذي يبعث على الشفقة بل الصنّاع (أي المعلم). والقصائد الكاملة، إذا قرأتها تقريباً حسب الترتيب الزمني، تقدّم نوعاً آخر من البيوغرافيا، قصة كيف يعثر شاعر عظيم على صوته ويصقله».

ويقول ماكغرات في مكان آخر «ولو أن لويل لم ينشر كلمة أخرى بعد «من أجل موتى الاتحاد» لكان لا يزال يستحق مكاناً في الأنتولوجيات، لكنه في الواقع استمر ليكتب قدراً كبيراً ـ إلى حد أن النقاد والأكاديميين، أولئك الذين لم يستبعدوه، لا يزالون يحاولون الالمام بكل ما كتب... وعلى عكس كثير من الشعراء المعاصرين، لم يكتب لويل شعراً عن الشعر أبداً، ولم يقلق إزاء عدم قدرة الكلمات على أن تعبّر عما تعنيه.



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads