الرئيسية » , » «نعاس» ل موراكامي: الخلاص المنتظر من الحياة المملوءة بالعيوب | قراءة - عبدالله الزماي

«نعاس» ل موراكامي: الخلاص المنتظر من الحياة المملوءة بالعيوب | قراءة - عبدالله الزماي

Written By هشام الصباحي on السبت، 5 سبتمبر 2015 | سبتمبر 05, 2015

قراءة - عبدالله الزماي

    هناك روايات لا تحتاج إلى كثير من الأحداث، تكتفي بحدث صادم واحد ثم تبدأ تسير ببطء لتتأمل هذا الحدث وتفلسفه. هذه الرواية - رواية "نعاس" للروائي الياباني هاروكي موراكامي - من هذا النوع من الروايات، حيث تنتهي أحداثها المهمة منذ أول سطر في الرواية: "ها قد انقضت سبع عشرة ليلة ولم انم بعد".

ماذا يمكن أن يحدث بعد ذلك؟، هذا النوع من الروايات مثل أن يقضي شخص ما سبعة عشرة ليلة من دون نوم، كأن يفيق من نومه ليجد نفسه من دون رأس أو دون ظل أو أن يخرج من فضاء الرواية إلى الشارع والعالم الواقعي.

هكذا تنتهي أحداث الرواية منذ الحدث الأول وكل ما يأتي بعد ذلك ما هو إلا انعكاس لهذا الحدث على نفسية بطل الرواية وتأمل له، فهو يقدم للقارئ من السطر الأول أعقد عقدة يمكن أن تصل لها القصة كأن تنتهي سبعة عشرة ليلة متواصلة من دون نوم.

ثم تسير الأحداث بعد ذلك ببطء ورتابة شديدين، وتغرق بطلة الرواية في أحداث يومية عادية جدا، في المطبخ تعد الطعام وتقرأ رواية وتعتني بابنها وزوجها وهكذا.

هذه الرواية التي كتبها رجل على لسان امرأة ليس من قبيل المصادفة أو العبث أن يجعل بطلة الرواية تقضي وقتها بقراءة رواية "آنا كارنينا" لتولستوي، فهناك آلاف الروايات المشهورة غير هذه الرواية التي تبدأ بجملة: "كل العائلات السعيدة أما العائلات التعيسة فلكل منها تعاستها الخاصة"، هكذا يجعل مؤلف رواية "نعاس" بطلة روايته منشغلة بقراءة هذه الرواية الروسية، معزولة حتى عن عائلتها الصغيرة (زوجها وابنها) اللذين تكاد تخلو الرواية من أي شخصيات أخرى سواهما.

لكن من دون التطرق بشكل مباشر لتعاسة هذه العائلة وإنما اقتصرت الرواية على الحديث عن معاناة البطلة النفسية جراء توقفها عن النوم مدة سبعة عشرة ليلة حتى من دون أن يعرف زوجها وابنها بهذا الأمر.

تنتهي رواية "نعاس" نهاية مفتوحة على عكس رواية "آنا كارنينا" التي قضت فيها بطلة الرواية نحبها منتحرة تحت عجلات القطار، من دون نهاية معلومة لمصير شخص يقضي هذه المدة من دون نوم. إلا أنها خلال هذه المسافة القصيرة بين بداية الرواية التي أعلنت عقدتها الرئيسية وبين نهايتها المفتوحة والغامضة، لم تخل الرواية من تأمل الأثر النفسي لانقطاع النوم، والتفكير في حقيقته ومقارنته كثيرا بالموت.

وكأنها تتساءل بطريقة أخرى: ماذا لو توقف الموت؟ ماذا سيحصل للبشرية لو انقطع هذا الموت عن زيارتها؟ وأصبحت الحياة أبدا!، كانت الرواية نفسية في المقام الأول مهملة الضعف البدني الناتج عن السهر وانقطاع النوم، وكذلك الذهني الذي قد ينتج أمراضا ذهنية وعصبية كثيرة، ولكن ربما أن الروائي تجاوز كل ذلك ليجعل منه أمرا مقبولا وممكن الحدوث، ليتساءل من خلاله أو من خلال النوم "الموت الأصغر" عن حقيقة الموت "الموت الأكبر" حيث يقول: "إن ذلك مرعب حقا! وإذا لم يكن الموت مرادفا للراحة فأين هو الخلاص المنتظر من هذه الحياة المرهقة المملوءة بالعيوب؟".


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads