الرئيسية » » لماذا لا تغلق الحقيبة؟ | أنتونيو فيرنانديث مولينا | ترجمة عن الإسبانية: كاميران حاج محمود

لماذا لا تغلق الحقيبة؟ | أنتونيو فيرنانديث مولينا | ترجمة عن الإسبانية: كاميران حاج محمود

Written By هشام الصباحي on الأحد، 16 أغسطس 2015 | أغسطس 16, 2015

نهايةُ النزهة

كان المتنزِّهون يتنعّمون بمنظر الطبيعة. كانت الشمس ساطعةً والحرارة معتدلة. بعض الحيوانات الوديعة كانت ترعى في المرج المُعشِب، وفي الوسط بينها، يقف رجلٌ بجانب حقيبة مفتوحة، كانت فارغة.
- "لماذا لا تغلق الحقيبة؟"- سأله أحد المتنزِّهين، مُتدخِّلاً بفضول.
لم يُعره الرجل اهتماماً. إلا أنّ ذاك عاود السؤال مُصِرّاً مرةً تلو أخرى.
أخيراً، أغلق الرجل بغتةً الحقيبةَ بحركةٍ حاسمة. في اللحظة نفسها، اختفى الضوء فجأةً، وقبَع المتنزِّهون في الظلام، ثمّ سرعان ما بدؤوا يشعرون باختناقٍ وكأنّ الهواء ينقصهم.



الخدعة

- "... وحقيقةً، سأقطع رأسه، أيّتها السيّدات وأيّها السادة".
وانحنى الساحر مُحيِّياً الجمهور الذي انفجر ضاحكاً.
خرج أحد الأطفال إلى الساحة المفروشة بالرمل. كان على الأرجح الطفل الأبشع، والمُرتديَ أسوأ الثياب، والأكثر بؤساً وهِجراناً بين جميع الأطفال الذين كانوا يحضرون عرض السيرك.
راح الساحر يفترّ عن أسنانه لجمهور الساحة من حوله، بينما كان الطفل يُبقي على ابتسامةٍ جامدة، مُحرّكاً رأسه المُنحني انحناءةً طفيفة. أمسكه الساحر من شعره باليد اليُسرى، ورفع إلى أعلى باليُمنى سكّيناً.
- "يا للفظاعة!"- صيحته الوحيدة تلك كانت مُفعمةً بالطاقة وصادقةً، إلا أنّ القهقهات محتها على الفور، بدون انتقالٍ تمهيديّ.
- "سيّداتي سادتي، إنّ هذا لأمرٌ في غاية البساطة. حضراتكم سوف تظنّون أنّكم ترون ما لا ترونه...، إنّ براعتي عظيمة، فلم يكن سُدىً أن كان جدّي جلّاداً، وأبي... 
الطبول... أيّها العازفون".
بدأ قرعُ الطبول، فنفّذ الساحر ضربةً قاطعةً، فتدحرج رأس الصبيّ على الأرض. التقطه، ووضعه في قُفَّةٍ؛ وباليد الأخرى، سحب الجسد نحو الداخل.
شعر الجمهور بهولٍ رهيب استمرّ لبضع لحظات؛ ولكنّهم، بعدها، انفجروا بهتافاتٍ جيّاشة وتصفيق قويّ عصف بالمكان، بينما في تلك الأثناء، كان بعض عمّال السيرك يغطّون بالرمل خطَّ الدم الذي سال من العُنق المبتورة.


نفق الزّمن

كان ذاك الكاتب الكهل، يتوق إلى أن يُسمّوا أحد شوارع قرية زوجته باسمه، إذ سيكون ذلك أعظم من أيّ شرفٍ آخر له؛ زوجتُه التي كانت الحبّ الأكبر في حياته. في تلك القرية، حيث أيضاً أمضى طفولته يتيماً، كانت تتسكّع -إلى جانب أخرى حزينة- ذكرياتٌ كثيرة من أبهج ذكرياته.
لم يكن لدى أحدٍ في ذلك المكان أدنى فكرةٍ عن مدى أهميّة أعماله، وفقط عندما فرضت الحقيقة نفسها، بعد أن أصبح عجوزاً جدّاً، كرّسوا له شارعاً باسمه.
لكن عندما حصل ذلك، كان الكاتب في مكانٍ بعيدٍ مدعوّاً إلى بيت صديقٍ عالِم. وتمكّن هذا الصديق من أن يبتكر لأجله نفقاً زمنيّاً يتّسع لشخصٍ واحدٍ، وكان يصلُح لمرّةٍ واحدةٍ لا غير. ثمّ دعاه لاستخدامه كي ينتقل إلى الحقبة الزمنيّة التي يرغب. وهكذا، دخله الكاتب، وإثرَ تحوّله إلى طفلٍ، كان يجوب شوارع طفولته في قرية زوجته؛ وهناك، كان يرجم بالحجارة لوحة الشارع الذي كان سيُخصّص باسمه لاحقاً، بعد مرور الزمن.


* شاعر وكاتب وناقد تشكيليّ ورسّام من إسبانيا (1927-2005). القصص الثلاث هي من مجموعة "آثارُ البهلوان" (2005)، وقد نُشرتْ لاحقاً في أنطولوجيا للقصّة الإسبانيّة القصيرة جدّاً، صدرت عام 2012 عن دار كاتيدرا (Cátedra)


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads