الرئيسية » » بلاطة من العالم | عمرو كيلاني

بلاطة من العالم | عمرو كيلاني

Written By Lyly on الخميس، 26 مارس 2015 | مارس 26, 2015

ليست فقط نافذة عريضة ذات زجاج مطلي بدهان بني وعليها شبك حديدي صلب، إنما حاجز زمني بين الزنزانة وغرفة المحقق، الذي يجلس وراء مكتب نظيف مرتب، يشرب الشاي ويدخّن ويسأل عن الشعر.

حين فتح أبو غضب الباب، رأيت عيوناً، مئات العيون، تنظر، قبل أن أنتبه إلى كومة من ثلاثمئة جسد، في الزنزانة ذات الأمتار الاثني عشر طولاً، والستة عرضاً.

كأن صوتاً يقول: لك الآن بلاطة من العالم، عليها يجب أن تشعر بالضآلة، وأنت تأكل وتنام وتتذكر وتتوجع وتتمنى، بين رجل من الزبداني، يئن محتضراً والدم يسيل من رأسه المفتوح، وفتى من إدلب يتساقط لحم رجله التي تعفنت وصارت جاهزة للبتر، والأعضاء التي تنزّ قيحاً، والولد المسلول، والهواء الثقيل، وياسين الذي جنّ بعد أربعة أيام، وكان يفتح يديه ويجري فوق الأجساد كأنه يطير، ويصرخ "عم يستنوني بدي اطلع".

المحيط ليس جغرافيا، بل حدٌّ فاصل بين زمنين، كلما كنت أبتعد عن سورية، كانت تخفت أصوات القنابل والانفجارات، وأسمع نفسي أكثر، أمشي على أرصفة نيويورك ذات البلاطات العريضة، أتذكر البلاطة في فرع الخطيب، بين المباني العالية في الزحام البشري، حيث لا أرى عيوناً، ويفيض شعور بالضآلة.



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads