الرئيسية » , » عفت بركات تهييء الروح للتمرد على المألوف | مدحت عبد الدايم

عفت بركات تهييء الروح للتمرد على المألوف | مدحت عبد الدايم

Written By Unknown on الخميس، 20 يوليو 2017 | يوليو 20, 2017

عفت بركات تهييء الروح للتمرد على المألوف
تهيء الشاعرة عفت بركات الروح لعاصفة، تبدو نذرها جلية منذ الصفحة الأولى لكتابها الشعري حيث يطالعنا ذلك الإهداء الذي ينطوي على صخب روحي ونفسي خفي وإن تسربل بسرابيل السكينة والهدوء
(إلى إمي نبض القلب الذي توقف) و" إلى زوجي الذي غمرني بمحبته"
هل كان ذلك الإهداء يعبر عن فراغ روحي أم يعبر عن حاجة الشاعرة إلى تلك الملاذات الروحية المضمخة بالحنان؟ قبل أن تلج إلى " اتساع جرح" فترصد كاميرا روحها ذلك الحنين إلى صدر يدفعها إلى مقاطعة تواريخ خدشت روحها .. ذلك الصدر هو ذاته الذي يؤهلها لإقامة فرح، ويقلبها بين أقمار لنشوة تتهيأ ويدسها في حليب دائم، إن ريشة عفت أو كاميرا إحساسها المرهف تضعنا وجها لوجه أمام ذلك الصدر الذي ينتظر معجزة ليبرأ من صمم، ويتسع لثوراتها على اللاشيء، باحتماله وسعته ورحابته، ولعل أهم ما يحمد للشاعرة في هذا الإطار أنها تختزل ذلكم الرجل أو ذلكم الحبيب في التعبير عنه بالصدر .. الذي "حين يبتهج  تنكشفُ غماماتٌ وترقصُ أنجم
 تتخفف الشاعرة من أثقال المجاز المكرور، وتنفخ في شخوص قصائدها قبسا من روحها .. تفر من اللغة التقليدية والنحوت المعتادة، تلجأ إلى الاختزال والتكثيف، تقيم لقصائدها مسرحا خفيا وظاهرا،  في قصيدتها " لا تعلقُ بضوء"  تضعنا الشاعرةُ أمام مفرداتٍ تشكلُ مادةَ معجمِها الخاص الذي يحيلُ إلى دلالاتٍ تُوَشِّي قصيدتَها بما تنطوي عليه تلك الروحُ المؤرقة، فها نحن أمام مفرداتٍ من نوع:  حوائط ، وحشة، البحر، الزبد، اليود، الأرق، الخوف، الضيق، مشاحنات، الجرح، الانهيار، الألم، العهود المؤجلة...  مقابل: صباحات، الفرح، الانتصار، الضوء، الاتساع، الانبات، الاشتعال
 في قصيدةٍ تحملُ عنوانَ " منشغِل" تقطرُ روحُ الشاعرةِ بذلك الشجن الذي لا يغادر تجربتَها والممتدَ عبر قصائدَ عديدةٍ ترتبطُ بالبحر والميناء وتحملُ في طيها أصداءً بعيدةَ لجرحٍ ينشرُ ظلالَهُ فيمتدُ ويتمددُ في فضاءِ التجربةِ الثرية:
"هل ستُجدي قلاعٌ هذه المرة
إذ يؤذنُ حبٌ على مهجتي
ولا أقيمُ صلاة"
لمَنْ :
خُصلاتٌ لآخرِ الظَّهر
تختبئُ عمداً ؟
لمَنْ :
عينان حائرتان تنتظران غائبًا
لمْ يأت بعد ؟
لمَنْ :
جسدٌ يصولُ ثم سريعًا ينسحبْ ؟
 لمَنْ : ألوانٌ مؤرقةٌ،
ومِشيةٌ تُغيظ ؟
لمَن : هذا الهمسِ لبحر لمْ يكفّ عن رحيل ؟

ويستمر هذا التساؤل الذكي عبر قصائد أخرى لن تخفى على قاريء الديوان، ليشكل السؤال مادة القصيدة ويخلق عالمها الرحيب، فكل سؤال يرسم صورة ويرفع بنيان القصيدة ويضيف إلى رحابتها رحابة جديدة، كما هو الحال في قصيدة " اصطياد قوس قزح"
والتي تبدأ بــ
لماذا :
أرادَ المطرُ زلزلة الروح
قبل أن يقدمني إليك
على أطباق قوسِ قُزح ؟
.... و "كيف خانك ذكاؤك
حين تصالحتَ علي جسدٍ
يقيمُ اغتيالك ،
......
و "أم أنَّك اصطنعتَهُم جِسرًا لبقاءْ
(فهل أبلغك اللهُ
خِصامَ الفرا شات ؟)

(أ أنت قادرٌ حقاً على
ممارسةِ
نبوةٍ ؟)
في قصيدة ( لا تكتمل) التي أعدها من أبرز قصائد المجموعة لو جاز هذا التعبير، ومن أبرز القصائد التي ترسخ وجود شاعرة لها أسلوبها ولها قصيدة تمثلها ولغة طيعة المنال نفخت فيها من روحها المبدعة المهيئة لتجربة طازجة:
( ثمة غاباتٌ جديدةٌ بين أحرفي
وزهورٌ كثيرةٌ ،
وأمنياتٌ مبللةٌ ،
وأفقٌ :
ينتظرُ نساءً
يستدعين
برقًا ،
هل لك أن تمنح بحَّتي الساحلية
بعضا من وله)

 نحن إذن أمام عبارات تم صكها بعناية أو بعفوية مقصودة، لتنحت طرقا جديدة في التعبير بأسلوب رائق ومبتكر:
(فقط :
لا تتناولني الآن
هناك ماءٌ
لابد أن ينفجر؛
ليخصبَ
سماءً)

( آهٍ لو باحت " روديكا"
أيةُ خريطةٍ تلك ..
التي جعلتني مُحرمةً)
(دعك من أشباحٍ صورتني ،
وانتظر قليلا
لا تهتف كأرشميدس)
 (ها أنا:
لوحةٌ لم تكتمل بعد ،
نعم :
لديَّ ماءٌ كثيرٌ يخُصب ؛
بينما
المتاريس
ثقيلة)

عفت التي تدعو لعدم الامتثال لغياب، مسكونة بالشعر والبحر والملائكة، تمتزج بزبد البحر، بثورات جائعة، وفرح دائم، ذلك أن قصيدتَها عالمٌ مسرحي ينفتح على تراجيديا هامسةٍ وصور أسطوريةٍ لجسدٍ متأجج برقص الجنيات، جنياتٍ مخموراتٍ بعناق، وتكتظ قصائدها بالتشكيل ( فدافنشي يعيدُ اكتشافّ ألوانٍ أكثرَ دفئا) ويطل بيكاسو بلوحته "آنسات آفينيون" كما تطل كرنفالات الطبيعة بالسحب والرعود والبروق والأمطار والرياح والأصداف، ما يجعل من قصائد الديوان عرائسَ تختالُ في مواكبِ الشعر،
والأمر كذلك ثمة مفردة جديرة بالتوقف أمامها سيما أنها تصدر عن شاعرة يرتبك البحر لموسيقى عينيها.. هذه المفردة هي مفردة (الدفء).. ( الدفءُ الذي لم احتمله) ... ( الدفءُ الذي أغرى المقاعدَ) .. (يعيدُ اكتشافَ ألوانٍ أكثر دفئا) ( الدفء الذي لخصتهُ الشواطيء) (الدفءُ الذي أغاظَ الموج)
ولعل تلكم القصائد التي نحن بصددها تؤصل وترسخ أقدام شاعرةٍ اختارت طواعيةً مفردات فضائها الشعري الذي أراه حكرا عليها .. ذلك أنها لا تعيد أصوات من رحلوا أو عبدوا الطريق أمام قصائد مغلقة على صاحبتها .. تحتاج إلى شروح يضيق عنها هذا المقام وهذه الورقة المقتضبة .. في وجود من هم أكثر مني قدرة على قراءة تجربة عفت بركات ووضعها في بؤرة الضوء التي تليق بمنجزها.






 

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads