الرئيسية » , , , , , » ستيفن كوتش: أن تكتب عمّا تعرفه | ترجمة: د. سمر طلبة

ستيفن كوتش: أن تكتب عمّا تعرفه | ترجمة: د. سمر طلبة

Written By تروس on الثلاثاء، 5 أبريل 2016 | أبريل 05, 2016

ستيفن كوتش: أن تكتب عمّا تعرفه
ترجمة: د. سمر طلبة

نصيحة “اكتب عمّا تعرف” هي كليشيه.

إن أكثر النصائح شيوعًا في مجال الكتابة تتلخص في ذلك الكليشيه القديم الذي كثيرًا ما سمعناه في حجرات الدرس، ألا وهو “اكتب ما تعرفه”. وأكرر: إن هذه النصيحة كليشيه، ولسوف نتعامل معها بكثير من الشك، إلا أنها -كمعظم الكليشيهات- فيها شيء من الصحة.

بمعنى آخر: إذا ما حاولنا تفسير هذه النصيحة تفسيرًا حرفيًّا فسيتضح لنا أنها محض هراء، وإذا ما حاولنا تطبيقها دون إعمال خيالنا فلن يعدو ما نكتبه أن يكون سيرة ذاتية سمجة ثقيلة على النفس، أما إذا ما فهمت ذلك الرابط السحري الحميم الذي يجمع بين “ما نعرف” وما نتخيل، فعندئذ فقط يكون لذلك الكليشيه قيمة ومعنى.

فلتصغ معي إلى غابرييل غارسيا ماركيز، الكاتب الكبير الذي لا يستطيع أحد أن يتهمه بأنه من أتباع الحرفية في تفسير ذلك الكليشيه، إذ يقول:

“لو طلِبَ مني إسداء النصح لبعض الكتاب الناشئين فإنني سأنصحهم بأن يكتبوا عن أشياء حدثت لهم بالفعل، فمن السهل على القارئ أن يعرف إذا ما كان الكاتب يكتب عن شيء قد وقع له أو شيء سمعه أو قرأه وحسب.. وإنه لمما يروقني ويضحكني أن قرائي يعجبون جل الإعجاب بما يرونه وليد الخيال في أعمالي، في حين إنه ما من سطر كتبته إلا و فيه شيء من الواقع!”.

وقد قال سومرست موم كلامًا مشابهًا إذ قال:

” لم أزعم مطلقًا أنني ابتكرت أي شيء في أعمالي ابتكارًا بحيث يمكن اعتباره منبت الصلة بالواقع، بل على العكس؛ إنني أحتاج دومًا إلى حادثة حقيقية، أو شخصية لها وجود في العالم الواقعي، كنقطة بداية، ثم أضيف الخيال والإبداع، وشيئًا من الدراما كي أجعل ذلك الشيء الحقيقي يَحمِل بَصْمَتي”.


ماركيز: ما من سطر كتبته إلا و فيه شيء من الواقع!.

بيد أن مقولة “اكتب ما تعرفه” تلك تبدو مضللة، إذ إننا نعرف أكثر بكثير مما يمكننا قوله، وكذا فإن ما يمكننا تخيله هو أكثر بكثير مما “نعرفه”.  وهو ما يلخصه إي. إل. دوكتورو إذ يقول:

“إن المعلمين يطلبون من تلاميذهم أن يكتبوا ما يعرفونه -هكذا وحسب، لكن أنّى لإنسان أن يعرف طبيعة ما يعرفه ما لم يقم بكتابته أولًا؟ إن الكتابة هي المعرفة. فمثلًا ما الذي كان كافكا يعرفه؟ طبيعة العمل في مجال التأمين؟ إن هذا يبين مدى سذاجة هذه النصيحة، لأنها تعني أنك كي تكتب عن الحرب مثلًا فعليك أن تشترك في الحرب. وهو الأمر الذي لا يتأتى لكل إنسان بطبيعة الحال.”

وقد تحدث هنري جيمس عن أهمية الكتابة من واقع الخبرات الشخصية -بأسلوبه الذي صار عَلمًا عليه- فقال:

“ما نوع الخبرات الشخصية المقصودة؟ وأين تبدأ تلك الخبرات وإلى أين تنتهي؟ إن الخبرة ليست شيئًا محدودًا، كما إنها ليست مما يمكن وصفه بأنه شيء تم واكتمل وانتهى الأمر. إن الخبرة هي حساسية هائلة. إنها شبكة عنكبوت هائلة شاسعة مغزولة من أدق وأنعم خيوط الحرير، ومعلقة في حجرات الوعي حيث تلتقط كل ذرة يحملها الهواء ويمر بها من خلالها. إنها المناخ الذي يخيم على العقل فيكسبه طبيعته الخاصة.”


ستيفن كينغ: إن القلب يعرف أشياء، وكذلك الخيال.

ويقول ستيفن كينج كلامًا مشابهًا، بطريقته الخاصة، إذ يقول:

“أعتقد أننا في البداية نقوم بتفسير هذه المقولة تفسيرًا شموليًّا واسعًا حيث يشمل “ما نعرفه” أقصى قدر ممكن من معارفنا. فمثلًا إذا ما كنت تعمل سباكًّا فأنت بالتأكيد تعرف الكثير عن السباكة، لكن معلوماتك عن السباكة ليست هي أقصى ما تعرف، إذ إن القلب يعرف أشياء، وكذلك الخيال.”

حين تكتب فأنت تستخدم الكلمات لتحويل ما لا تعرفه إلى ما تعرفه. بعبارة أخرى أنت تخترع، وتعيد اختراع “ما تعرفه”، وهو ما تلخصه “إيديث وارتون” ببراعة إذ تقول:

“أما عن الخبرة، سواء الفكرية أو الأخلاقية، فإن الخيال يمكنه بسط ما كان محدودًا منها ومده حيث يخلق منه شيئًا عظيمًا، بشرط أن تكون تلك الخبرة قد مكثت طويلًا في العقل واستمر الكاتب في التفكير بها طويلًا. فمثلًا إذا ما تعرض الشاعر لصدمة عاطفية قوية حطمت قلبه فيمكنه أن يكتب العديد من القصائد من وحي تلك الصدمة، كما يمكن أن تلهم مثل تلك الصدمة الروائي بعدة روايات، بشرط أن يكون للشاعر والروائي قلوبًا قابلة للتحطم أولًا وقبل كل شيء.”

إذن فمربط الفرس أن يستطيع المرء أن يتحرك بثبات وثقة منطلقًا مما يعرف، مهما كان ما يعرفه ضئيلًا وقليلًا. فلنفترض أنك قد بدأت من موقف حقيقي أو شخصية تعرفها، فكيف يمكنك تحويل الواقع إلى خيال أدبي؟ إن هذا موضوع يستحق أن نفرد الفصل السادس من هذا الكتاب له، لكن لا ضير من نصيحة موجزة يسديها إلينا -مؤقتا وحتى نصل إلى الفصل السادس- جون إيرفنج، والذي يبدأ من خبرات حقيقية، وفي نيته كتابة سيرته الذاتية، ثم ما يلبث أن يأخذ الأمر مسارًا مختلفًا. يقول إيرفنج:

“أبدأ بقول الحقيقة، وذلك بتذكر الناس الحقيقيين، من أقارب وأصدقاء. وغالبًا ما تكون التفاصيل المكانية جيدة، إلا إن الناس لا يكونون مثيرين بما فيه الكفاية، إذ لا يكون هناك ما يكفي لربطهم ببعضهم البعض. وما يؤرقني ويصيبني بالضجر هو غياب الحبكة التي توحد بينهم، وهكذا فإنني أشرع بالمبالغة، قليلًا قليلًا، وهكذا فبالتدريج أجد السيرة الذاتية تتحول شيئًا فشيئًا إلى كذبة، وبالطبع فإن الكذبة تكون أكثر إثارة من الحقيقة، وهكذا أجدني وقد صرت أكثر اهتمامًا بذلك الجزء من القصة الذي اختلقته بنفسي.. بقريبي الذي لم يكن قريبي في الواقع، وصديقي الذي لا وجود له سوى في الخيال، ثم أبدأ في التفكير في العمل باعتباره رواية، لا يوميات. ثم أقول لنفسي إنني سأقوم بكتابة يومياتي ما أن أنتهي من كتابة الرواية، إلا إن الأمر يسير على المنوال ذاته، إذ دائمًا.. دائمًا ما تصير الكذبة أكثر إثارة من الحقيقة”.

* المصدر: كتاب The Modern Library Writer’s Workshop



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads