الرئيسية » , , , , , , » ريتشارد هوغو: في الدفاع عن صفوف الكتابة الإبداعية (2/5) | ترجمة: رنين منصور

ريتشارد هوغو: في الدفاع عن صفوف الكتابة الإبداعية (2/5) | ترجمة: رنين منصور

Written By تروس on الثلاثاء، 26 أبريل 2016 | أبريل 26, 2016

ريتشارد هوغو: في الدفاع عن صفوف الكتابة الإبداعية (2/5)
ترجمة: رنين منصور

من أجل أن تستعمل اللغة بشكل جيد، فأنت تحتاج إلى التضحية بالنفس، بل والعزوف عن الأفكار المألوفة.

لا يسمح نظام الدكتوراه بتخريج الكثير من الناس الذين تعتبر أساليبهم الكتابية مخزية فحسب، بل إنه يزدري النوع الجيد من الكتابة الذي يتبعه بعض الباحثين. عندما كنت طالبًا في المرحلة الجامعية، كثيرا ما كنّا نسمع عن باحث ناشر كتب أبحاثه بوضوح ويشار إليها على أنها شائعة.

   يبدو أن الباحثين يفترضون أنّ من يستطيع القراءة، فإنه حتمًا يستطيع الكتابة. من المحزن أن ترى أحدهم يحمل شهادة دكتوراه حديثة منذ أعوام قليلة ومن الطبيعي بعد فترة من العمل المضني، ثم تراه يباشر بتأليف كتاب. إنه أمر يتطلب مواجهة الصعاب لأن الباحث لا يعرف أمرًا واحدًا بسيطًا عن الكتابة؛ كما هو الحال في رمي كرة السلة. يجب أن تكون محافظا على لياقة بدنك وتواظب على التمرين لتبلي بلاءً حسنًا. إنه ليس مكافأة طبيعية على الدراسة، والحصول على التعليم لا يعني بالضرورة أنه يمكنك الكتابة بشكل جيد وقتما تشاء.

   نتمتع نحن – الكتّاب الإبداعيين- بمميزات لأننا نستطيع كتابة الجمل التقريرية، وإننا نستطيع كتابة الجمل التقريرية لأنه لا يعنينا كثيرا أن نكون على صواب دائما مقابل أن نصون اللغة. أجد بعض الكلمات الجميلة التي لها وقعها في النفس وتحمل معنى. وإن كان أحد هذين الخيارين ممكنًا، سأرّجح أن أعني ما أقوله عن قول ما أعنيه. من أجل أن تستعمل اللغة بشكل جيد، فأنت تحتاج إلى التضحية بالنفس، بل والعزوف عن الأفكار المألوفة. لم يتخذ (جورج غاريت) موقفه عبثًا عندما اقترح أن يأخذ جميع مدرّسي الأدب دروسًا في الكتابة الإبداعية، حيث قال: “ربما يكتسبون على الأقل قدرًا من التواضع المعروف.”

   إننا نتمتع بمميزات لأننا نتلقى الدعم من أولئك المهدّدين بقدراتنا الذهنية الفذة. يبحث الباحثون عن الحقائق الكاملة والتي لن يصلوا إليها أبدا. يهتم الكتّاب الإبداعيون بالإمكانيات المتاحة أمام المتلقي.

   وإننا نتمتع بمميزات من نواحٍ أخرى. تعد المكافأة التي نحصل عليها مقابل عملية التدريس فورية وحقيقية نسبيا. عادة ما أجد طلبة قدامى ينشرون كتاباتهم في مجلات أدبية. في (آيوا) التي أقمت فيها سنة كاملة، كلا من (مايك ريان) و(مورا ستانتن)، واللذان فازا مؤخرا بمسابقة مجموعة (ييل) للشعراء الشباب، تواجدا في القاعة التي درّست فيها، إلا أنني على يقين بأنهما لم يتعلما سوى القليل في هذه السنة. تواجد كل من (جيمس ويلتش) و(ديف ماكيلروي) و(ريك ديمارينيس) في القاعات التي درست فيها في (مونتانا).  وإن كنت فاسدًا بما يكفي لأرجِعَ القليل من الفضل الذي لا أستحقه إلى نفسي، فذلك لأن الغرور يسبب العمى. أعتقد أن حوالي أربعين من طلبتي القدامى ينشرون كتاباتهم الآن. يستطيع الكثير من الكتّاب الإبداعيين سرد قائمة بالأسماء أكثر مما أستطيع سرده أنا.

   قارن ذلك بالسمات التي يتميز بها الأستاذ الأكاديمي. وأقصد هنا الأستاذ الأكاديمي الجيّد الذي يتمتع بمهارة شديدة في القاعة الدراسية وتشعر بطاقته أثناء التدريس والتي تتولد من حبه للمادة الدراسية، فضلا عن أن محاضراته المحفزة تبث في الطلاب أكثر مما يعتقدون لهم القدرة على تلقيه. وإذا لم يكن هذا الأستاذ محظوظا بما يكفي ليدرس في أحد المدراس والتي يصل عددها إلى اثنتي عشرة أو أكثر، فإنّ لديه في أحسن الاحوال دراية عامة عما يدور في عقول طلبته. والدليل الملموس في ذلك ضعيف جدا. يمكن لأحدهم خلال سنوات من الآن أن يحصل على شهادة دكتوراه من مكان ما ويؤلف كتابا نقديا. شهادة واحدة، بل ربما اثنتين. ينال الأستاذ الأكاديمي الجيّد القليل بعد فترة طويلة من العطاء.

   ملاحظة جانبية: المدرّسون حالهم حال رجال الشرطة ورجال الإطفاء وموظفي قسم الخدمات، حيث يتوجب عليهم التقاعد بعد عشرين سنة والحصول على معاشٍ تقاعدي. قد تختلف المخاطر التي نواجهها، ولكنها حقيقية. يبذل معظم المدرّسين أقصى جهودهم خلال عشرين سنة.

   لست متأكدًا إذا كان الانتشار المفاجئ لدروس الكتابة الإبداعية هو أحد المميزات. وربما يكون هذا سبب تدهورنا. ويتحول ذلك إلى أمرٍ محزن في قسم اللغة الإنجليزية. يزيد الإقبال على التسجيل في صفوف الكتابة الإبداعية، بينما يقل في صفوف الأدب. لا أدري تماما سبب ذلك ولست متأكدًا من صحّة هذه النزعة.

   يوجد أكثر من مجرد حقيقة صغيرة في التفسيرات التي يقدمها بعض الأساتذة الأكاديميين. إنهم يشيرون إلى نرجسية الطلبة المتزايدة والعزوف عن المعرفة النابع من الشعور بالأنا والكسل والدرجات المرتفعة سهلة المنال في صفوف الكتابة. وفيما يتعلق بالكتابة الإبداعية، خصوصًا في صفوف المرحلة الجامعية، فإننا نتلقى أكثر من مشاركتنا لمهووسي الأنا الذين لا يرغبون في الكتابة أكثر من رغبتهم في القراءة. حتما إننا لا نلحظ وجود الكتابة الإبداعية في معظم المدارس المتخصصة في الدراسة الأكاديمية فقط أو أنها تُدَرّس على مضض. ويعاني الكتّاب الإبداعيون في تلك المدارس بالإضافة إلى الكثير من جامعات الدولة المرموقة من وضع يشبه وضع المساجين اليابانيين في الحرب العالمية الثانية.

   وبالنسبة للدرجات، إن كان سيخبرني أحدهم بكيفية تصحيح الكتابات الإبداعية، سأكون ممتنا له. الوحيدون الذين يشعرون بضرورة تصحيح الكتابات الإبداعية هم الإداريون البعيدون تماما عن صلب الموضوع. يعطي الكثير من مدرّسي الكتابة الإبداعية درجاتٍ مرتفعة لسبب واضح. إذا كنت تكتب، فإنك ستدرك مدى صعوبة هذا الأمر. لا يتمكن الكثير من الأشخاص الذين يدرّسون الكتابة الإنشائية لطلبة سنة أولى في الجامعة من الكتابة بشكل يفوق مستوى طلبتهم بشكل كبير، وليست لديهم أدنى فكرة عن مدى صعوبة الكتابة الجيّدة. والسبب الآخر للدرجات المرتفعة في صفوف الكتابة الإبداعية هو أن معظم مدرّسي الكتابة الإبداعية يقللون من أهمية الدرجات ويحاولون أن يخبروا الآخرين بأنّ عليهم أن يصلوا إلى حقيقة أن الدرجات لا تعني شيئا. عندما يطلب مني أحد الطلاب درجة ما، فإنني أحاول أن أخبره بأنني لا أهتم لأمر الدرجة ولا بد أن يكون هو كذلك. سأعطيك التقدير “أ” إذا وعدتني بألا تشعر بالوضاعة، لكنني أخشى أن يكون ذلك تصرفا ساذجا حيث يتوجب علينا أن نحسّن من الطبيعة البشرية.

.. يتبع.

المصدر: تكوين


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads