الرئيسية » , » آني ديلارد: عندما تعجز عن متابعة الكتابة.. ترجمة: علي سيف الرواحي

آني ديلارد: عندما تعجز عن متابعة الكتابة.. ترجمة: علي سيف الرواحي

Written By تروس on السبت، 26 ديسمبر 2015 | ديسمبر 26, 2015

آني ديلارد: عندما تعجز عن متابعة الكتابة..
ترجمة: علي سيف الرواحي

الكتابة تتطلب جميع مواردك الذهنية والإبداعية.

عندما تجد نفسك غارقًا في تأليف كتابك ومندمجًا في كتابته وتكون عارفًا تمام المعرفة ماذا ستكتب لاحقًا ومع ذلك لا تستطيع المتابعة. وعندما تدخل كل صباح للكتابة وتجد نفسك وجهًا لوجه مع كتابك ولكن تدير ظهرك له، اعلم حينها أن المشكلة تكمن في أمرين. إما أن بنية الكتاب قد تشعبت بحيث أفضى خط السرد أو منطق القصة إلى خلق خطٍ رفيع يفصله من المنتصف، أو أنك تقترب من ارتكاب خطأ قاتل، وتكتشف أن كل ما خططت له غير صالح. إذا تابعت على هذا النحو فإن كتابك سينفجر أو سيتداعى، وقد لا تعي أن ذلك يحدث بالفعل.

في مدينة بريدجبورت بولاية كنيتيكت الأمريكية، في صبيحة يوم إبريلي من العام 1987 تهدم مبنى إسمنتي من ستة طوابق كان على قيد البناء، وقد نتج عن ذلك مقتل 28 رجلا. ولكن قبل أن يتهدم المبنى أطلت امرأة من نافذتها في الشارع المقابل وقالت لأحد المارة “أنظر إلى ذلك المبنى إنه يهتز” ثم أجابها الرجل، وفقًا لما نقلته صحيفة (هارتفورد كوران)، “أرى أن رأسك أنت هو الذي يهتز”.

ولا تلاحظ إلا العامل، عاملك الوحيد والمحبوب، العامل الذي تبجله وتعتمد عليه، تلاحظ أنه لم يذهب إلى عمله. هو لن يتحرك قيد أنملة من أجلك أنت، رب عمله. لديه من الخبرة ما يكفي ليعرف أن مصيبة على وشك الحدوث، يشعر بها في كل خلية من خلايا جسمه التي ترتعش خوفًا. هذا هراء، تقول أنت، المكان آمن تمامًا. ومع ذلك فإن العامل لا يطء موقع العمل ولا يعيره حتى نظرة واحدة. الاضطراب في قلبه شاهد على ذلك. يعتذر منك، الجوع أفضل من الموت.

ماذا تفعل حينها؟ عليك أن تعترف أولًا بأنك عاجز عن فعل أي شيء. افرش أمامك كل ما بنيته حتى اللحظة وابحث بعين إضافية عن جميع الخيوط الدقيقة التي قد تكسر خط السرد. اعثر على تلك الخيوط وفكر بها، قلبها في عقلك لمدة أسبوع أو سنة. وابحث عن حل تلك المشكلة العصية. أو اعرض الجزء التالي من عملك أو الجزء الذي يعاندك في الوقت الحالي، اعرضه على اختبار قاسٍ. لأنه يحتوي على عنصر غير مكتمل أو خاطئ، وقد يأوي مكونات دخيلة تودي بعملك. وعندما تجد هذا الخلل وتتقبل وجوده، سيعني ذلك أن عليك البدء من جديد. من أجل ذلك ينصح الكتاب المتمرسون الكتاب النشء بتعلم هذه الحرفة والمهارة الضرورية.

في كل صباح تجد نفسك تصعد السلالم وتدخل مكتبك، تفتح أبوابه الفرنسية وتضع طاولة الكتابة والكرسي في منتصف الهواء. ترى أن الطاولة والكرسي يطفوان لمسافة ثلاثين قدمًا فوق الأرض، ويعانقان في طوافهما عنان أشجار القيقب. جميع قطع الأثاث في مكانها الصحيح، تذهب لجلب ترمس القهوة. تخرج منكمشا مرة ثانية من خلال الأبواب الفرنسية وتجلس على الكرسي مطلًا على سطح المكتب. يصبح في مقدورك رؤية النهر بكل وضوح من مكانك في فصل الشتاء. ثم تسكب لنفسك قدح قهوة. تحلق العصافير من تحت كرسيك، وفي الربيع عندما تتفتح أزهار شجر القيقب، يحد المنظر من خلال قمم الأشجار هسيس طيور صفراء وهمس يداعب الأغصان العالية تتناغم في طيرانها. وفي هذا المحيط الرائع عليك أن تعمل. وعملك هو أن تجعل عجلة الكتابة التي تشغل محرك المخيلة تستمر في الدوران والتي تجعلك بدورها محلقًا في قمة الإبداع والإنتاج.

عملية تأليف كتاب هي تجربة ممتعة ومشوقة. وهي في الوقت نفسه عملية صعبة ومعقدة وتتطلب أن تضع فيها جميع مواردك الذهنية والإبداعية. وهي من أجمل هبات الحياة التي تعبر عن جوهر الحرية فيها. ولا تكمن حريتك ككاتب في التعبير عن كل ما يجول في خاطرك، يجب عليك أن تنتقي أفكارك بكل حرص. وهي حرية ستأخذك إلى أقصى حدود قدراتك، وأنت محظوظ إن امتلكتها لأنك ستخلق قدرك بيدك، وتختار عناصر إبداعك وتحدد مهامك وتوازن حياتك من أجل تحقيقها. في الدول الديمقراطية المتحضرة بإمكانك كتابة ما تشاء عن أي حكومة أو مؤسسة، حتى لو كنت لا تملك إثبات ما تكتبه.

من كتاب: The Writing Life لـ آني ديلارد. 


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads