الرئيسية » » أنا ـ ابنكِ الوحيد جداً يا أمي ـ * جوان سوز

أنا ـ ابنكِ الوحيد جداً يا أمي ـ * جوان سوز

Written By هشام الصباحي on السبت، 12 يوليو 2014 | يوليو 12, 2014

أنا ـ ابنكِ الوحيد جداً يا أمي ـ
* جوان سوز




(1)
الآن 
ـ أنا أشدُّ حزناً منكِ ـ
وأستطيع أن أقول :
لقد تجاوزتُ الأربعينَ قبلكِ .


(2)
الآن أنا وحيد أكثر من الله 
ومنكِ أيضاً , وحيدٌ أكثر من الملائكة
وكذلك الشياطين على هذه الأرض
وحيدٌ أكثر منهم جميعاً .

(3)
الآن
قد أكون الله
ولا أدري .

(4)
ـ أنا وحيدٌ جداً ـ
في جحيم الانتظار
لم أعد أنام في صندوق البريد
وصرت أبحث بين قوائم الموتى
عن اسمٍ جديد يحفظني حقاً .

(5)
ـ أنا وحيدٌ جداً ـ
يدي التي تكتب وحيدة
عيوني التي تبكي وحيدة
قلبي الذي يتألم وحيدٌ أيضاً
وكذلك أذني التي تصغي إلى الحزن .

(6)
ـ أنا وحيدٌ جداً ـ
في كل مرة اكتب
وأكتم دموعي لوحدي .


(7)
ـ أنا وحيدُ جداً ـ
قصائدي وحيدة
وحروفي وحيدة
واسم أمي وحيدة
وأبي الوحيد مثلي سيتزوج من وحيدة مرة أخرى
ـ وسينجب طفلاً وحيداً يشبهني هذه المرة أيضاً
ـ وسيصرخ ذاك الطفل بمفرده وحيداً حين يولد ـ
وسيسميه أبي (وحيد)
ثم يتركه لكتابة الشعر 
وحيداً كما أنا الآن .

(8)
ـ أنا وحيد جداً ـ
أكثر مما ذكرتهم في الأعلى .


(9)
ـ أنا وحيدٌ جداً ـ
في غرفتي الصغيرة :
السجائر التي في يدي 
أشعلها وحيداً
أدخنها وحيداً
أطفأها وحيداً
أرميها وحيداً 
ثم تنتهي علبة سجائري وأنا وحيدٌ بين الفوضى
أشتري علبة أخرى وأبقى وحيداً لم أتجزأ .

(10)
ـ أنا وحيدٌ جداً ـ
النهر الذي جلست معه لأشهر كان وحيداً مثلي
مشعَّل تّمّو الذي كان يجلس معي هناك كل يوم
كان وحيداً هو أيضاً وكذلك القاشوش.

(11)
نحن محكومون بالوحدة يا أمي
نتجاوز الوقت قبل أواننا .


(12)
ـ أنا وحيدٌ جداً ـ
السنونو المهاجرة 
كانت وحيدة أيضاً
لكنها لم تكن تبحث عني 
كانت وحيدة مثلي تطير بلا أشلاء
وكان شيركو بيه كه س يكتب عنها .

(13)
نحن وحيدون يا أمي
في الجهات الأربعة 
وأنا وحيدٌ جداً
أبحث عن جهةٍ أخيرة ووحيدة
تكون الخامسة .

(14)
أنا وحيد جداً 
نبض قلبي وحيدٌ أيضاً
حين تشرق الشمس وتغيب
حين أنام
حين أستيقظ
حين أمشي 
حين أقع 
حين أحب
حين أخون
حين أكره
حين أشتاق
أنا وحيدٌ يا أمي 
ـ وحيدٌ جداً ـ
أصابعي وحيدة
كل النساء اللواتي أحببني
كنَّ وحيداتٍ أيضاً 
وكذلك المراهقات .

(15)
أنا وحيد جداً 
مثل هذه الحياة التي أحترق فيها 
كعلبة الـ بيبسي في قمامة حارتنا
أتذكرينها يا أمي !؟
كيف كان دخانها وحيداً مثلي !؟

(16)
أنا أحترق الآن 
ـ وحيداً يا أمي ــ وحيداً جداً ـ
أصابع قدمي لا تعرف بعضها وتعيش وحيدة
ـ أصابع قدمي تتوحد فقط في حذائي 
ـ وكذلك أصابع يدي ـ تتوحد هي أيضاً ـ لوحدها ـ
حين يشتد الضجر .

(17)
أتعرفين يا أمي !؟
كيف تكون خلطة الانتظار
أتذكرين شقائق النعمان !؟
أنا وحيدٌ أكثر منهما
ـ وحيدٌ جداً ـ
أموت وحيداً
أحمل جثتي وحيداً
ألبس كفني وحيداً ولا أغتسل
أحفر قبري وحيداً
أحمل تابوتي وحيداً
أدفن نفسي بنفسي وحيداً
ثم أخرج من قبري وحيداً أيضاً .

(18)
أنا ابنكِ الوحيد جداً يا أمي
أنا ابنكِ الوحيد جداً يا أمي
أسافر وحيداً
أنسى حقائب سفري وحيداً
أحمل جوازَ سفري المزوّر وحيداً
أحمل هويتي المكسورة وحيداً
اقرأ للموظفين اسمي العربيّ وحيداً
أمرُّ بين المسافرين وحيداً 
أسكرُ في البارات وحيداً
ثم أكسر الكؤوس 
وأنا وحيدٌ أيضاً .

(19)
أنا ابنك الوحيد جداً يا أمي
أتجاوز اللغة وحيداً
أحاور الناشطات وحيداً
أعدهم بالزواج وحيداً
أتزوجهم وحيداً قبل أن أطلب يدهنَّ
أنجب منهنَّ أطفالاً كثيرين
وأتخلى عن وعودي للجميع وحيداً .

(20)
أنا ابنك الوحيد جداً
ـ وصديقُ الوحدة ـ يا أمي .

(21)
ـ أنا وحيدٌ جداً ـ
كل المدن التي زرتها كانت وحيدة مثلي وخانتْ
كل القصائد التي كتبتها وحيداً لم تُقرأ .

(22)
ـ أنا ابنكِ الوحيد جداً ـ
والحياة التي أعيشها وحيداً الآن
ليست حياةً ـ هي موتٌ ـ
بين الفينة والأخرى .

(23)
ـ أنا ابنكِ الوحيدُ جداً ـ
أجوع وحيداً
أذهب إلى مطاعم السوريين وحيداً
أمزح مع العمال وحيداً
آكل الصندويش وحيداً
أدفع لهم وحيداً 
ولا أشبع .

(24)
أنا وحيدٌ جداً يا أمي
والشوارع وحيدة مثلي
المارة وحيدون
والنساء 
والمتسولون
وأصحاب المحلات 
الجميع يسير وحيداً 
ولا يتألم 
إلا أنا يا أمي 
أنا ابنك الوحيد جداً
ابنك الذي كان وما زال
يحيا ويموت وحيداً بمفرده
آلاف المرات في اليوم الواحد .

(25)
ـ أنا ابنكِ الوحيد جداً يا أمي ـ 
أجلس في حديقة السوريين لساعات
أشرب عشرات الفناجين من القهوة
أكتب مئات القصائد لفتاةٍ لا تعرفني
وأمزح مع بائع القهوة بلطفٍ يا أمي .

(26)
ـ أنا ابنكِ الوحيد جداً ـ
أمارس الجنس وحيداً 
ولا أخشى مَنْ يجلدني 
ـ أنا ابنكِ الوحيد جداً ـ
ابنكِ الذي كان وما زال
يتألم باستمرار يا أمي .

(27)
ـ أنا ابنكِ الوحيد جداً ـ
ابنك الذي يكره الموظفين في مكاتب الأمم المتحدة
لأنهم يمنعون التدخين في الأماكن العامة .

(28)
ـ أنا ابنكِ الوحيد جداً ـ
ابنكِ الذي لم يغيّر شيئاً في حياته ـ منذ الولادة ـ
سوى علبة سجائره يا أمي .
ـ أنا ابنكِ الوحيد جداً ـ


* شاعر , كاتب وصحفي سوري .


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads