لا يقيمنَّ على الضَّيمِ الأسدْ
لا يقيمنَّ على الضَّيمِ الأسدْ | نزعَ الشِّبلُ من الغابِ الوتدْ |
كبرَ الشِّبلُ ، وشبَّتْ نابه | وتغطَّى منكباه باللِّبد |
اتركوه يمشِ في آجامه | ودَعوه عن حِمَى الغابِ يَذُد |
واعرضوا الدنيا على أَظفارِه | وابعثوه في صحاراها يَصِد |
فِتيَة َ الوادي، عَرَفْنا صَوْتكم | مرحباً بالطائرِ الشادي الغرد |
هو صوتُ ، الحقِّ ، لم يبغِ ، ولم | يحمل الحقدَ ، ولم يحفِ الحسدَ |
وخلا من شهوة ٍ ما خالطت | صالحاً من عملٍ إلا فسد |
حَرَّك البلبلُ عِطفيْ رَبْوَة ٍ | كان فيها البومُ بالأيْكِ آنفرد |
زَنْبَقُ المُدْن، ورَيحانُ القُرَى | قام في كلِّ طريقٍ وقَعد |
باكراً كالنّحل في أسرابها | كلُّ سِربٍ قد تلاقى واحتشد |
قد جنى ما قلَّ من زهْ الرُّبا | ثم أعطى بل الزهر الشهد |
بسط الكفَّ لمن صادفه | ومَضى يَقْصُرُ خطْواً ويَمُدّ |
يجعلُ الأَوطانَ أُغنِيَّتَه | وينادي الناسَ: منْ جادَ وجد |
كلَّما مرَّ ببابٍ دَقَّه | أو رأى داراً على الدرب قصدْ |
غادياً في المدْنِ، أَو نحوَ القرى | رائحاً يسأَل قِرشاً للبلد |
أيها الناسُ، اسمعوا، أصغوا له | أخرجوا المال إلى البرِّ يعدْ |
لا ترُدُّوا يَدَهم فارغة ً | طالبُ العونِ لمصرٍ لا يردّ |
سيرى الناسُ عجيباً في غدٍ | يغرسُ القرشُ، ويَبني، ويَلِدْ |
ينهض اللهُ الصناعات به | من عثارٍ لبثتْ فيه الأبد |
أو يزيد البرَّ داراً قعدتْ | لكفاح السلِّ، أو حربِ الرَّمد |
وهوَ في الأيدي، وفي قدرتها | لم يضقْ عنه ولم يعجزْ أحد |
تلك مصرُ الغدِ تبني مُلكها | نادت الباني وجاءَت بالعُدَدْ |
وعلى المالِ بَنتْ سلطانَها | ثابتَ الآساسِ مرفوعَ العَمَد |
وأصارتْ بنكَ مصرٍ كهفها | حبَّذا الركنُ وأعظمْ بالسند |
مَثلٌ مِن هِمَّة ٍ قد بَعُدَتْ | ومداها في المعالي قد بَعُد |
ردَّها العصرُ إلى أسلوبه | كلُّ عصرٍ بأساليبَ جدد |
البنونَ استنهضوا آباءهم | ودعا الشبلُ من الوادي الأسد |
أصبحت مصرُ، وأضحى مجدها | هِمَّة الوالدِ، أَو شُغلَ الولد |
هذه الهمَّة ُ بالأمس جرتْ | فحَوَتْ في طلبِ الحقّ الأَمد |
أَيُّها الجيلُ الذي نرجو لِغدْ | غدك العزُّ، ودنياك الرغد |
أنت في مدرجة السيلِ، وقد | ضلَّ مَنْ في مَدْرجِ السيلِ رَقد |
قدْت في الحقِّ، فقدْ في مثلهِ | من نواحي القصدِ أَو سُبْل الرشد |
رُبَّ عامٍ أَنت فيه واجدٌ | فادَّخرْ فيه لعامٍ لا تجِدْ |
علمِ الآباءَ، واهتف قائلاً: | أيها الشعبُ، تعاونْ واقتصد |
اجمعِ القرشَ إلى القرشِ يكنْ | لك من جمعهما مالٌ لُبَدْ |
اطلبِ القطنَ، وزاوِلْ غيرَه | واتخذْ سوقاً إذا سوقٌ كسدْ |
نحن قبل القطن كنّا أُمّة ً | تهبِط الوادي، وتَرْعَى ، وتَرِدْ |
قد أخذنا في الصناعات المدى | وبنينا في الأوالي ما خلد |
وغزلنا قبلَ إدريسَ الكسا | ونسجْنا قبلَ داوُدَ الزَّرَد |
إن تكُ اليوم لواءً قائداً | كم لواءٍ لك بالأمسِ انعقد! |