الرئيسية » , , » بثينة العيسى: الرواية موصّل حراري ممتاز للتجربة البشرية

بثينة العيسى: الرواية موصّل حراري ممتاز للتجربة البشرية

Written By تروس on الخميس، 21 أبريل 2016 | أبريل 21, 2016

بثينة العيسى: الرواية موصّل حراري ممتاز للتجربة البشرية 
إذا كنت تعتقد بأن الكتابة الخيالية لا تكشفُ الواقع، فكّر ثانية.

“أنا لا أستطيع قراءة الروايات؛ إذ بمجرّد أن أعرف بأن ما أقرأه مختلق، أشعرُ بأنني أضيّعُ وقتي”.

 قالها لي قارئ، قبل أيامٍ قليلة، فهززتُ رأسي هزّة العارف، لأنها لم تكن المرّة الأولى، ولن تكون المرّة الأخيرة. هناك دائمًا ذلك الميل للنظر إلى المخيّلة، على أنها أقلّ منزلة من المعرفة، رغم أنّ آينشتاين نفسه، عبقريّ العباقرة، وسيّد علماء القرن، يرى عكس ذلك.

 أنا أؤمن بالمخيّلة كمخلّصٍ للبشرية، مخلّصٍ خلاق قادر على الإتيان بإمكانيات وحلول ووجهات نظر لن تنجح في سبرها بإزميلِ الواقعيّة. وأؤمنُ، فوق ما أؤمنُ به، بخصوصيّة المخيّلة الرواية تحديدًا، بصفتها بوابة للخروج من فقاعة الذاتية الضيقة، والدخول في تجربة الآخر.

 فإذا كانت الرواية برمّتها عبارة عن اختلاق، فهي اختلاقٌ يهدفُ إلى كشف حقيقة الإنسان. الذين ينتقصون من الرواية بسبب “عدم حقيقيّتها” فاتهم أن يعرفوا بأن جاذبية الرواية الشديدة – أصلا – تكمنُ في كونها “تأويلاً” للواقع، وليست مرآة له. لو كان الروائي مجرّد ناقل للواقع، لانتفت الصفة الفنية عن الرواية. وبالتالي، فإن التقليل من أهميّة المخيّلة هو التقليل من قيمة الفنّ عمومًا، الأمر الذي يعني نسف إنتاجنا الإنسانيّ الأجمل.

 إذا كنت تعتقد بأن الكتابة الخيالية لا تكشفُ الواقع، فكّر ثانية.

 رواية (451 فهرنهايت) لـ راي برادبيري؛ رواية متخيّلة عن عالمٍ تُحرق فيه الكتب بدلا من أن تُقرأ. لا تبدو الفكرة مستحيلة تمامًا بالنظر إلى الاتجاه الذي تأخذه البشرية مؤخرا نحو قتل وطمس كل اختلافٍ ثقافيّ ممكن، وكل تلك المحاولات لتحويلنا إلى نسخٍ متشابهة تفكّر بالطريقة نفسها.

 رواية 1984 لجورج أورويل، مثلا، هي مجرّد تأويلٍ مجازيّ لعالمٍ واقعيّ مفرط وبذيء في واقعيّته، عالم تتم فيه مصادرة الإنسان في عالمٍ شموليّ، فاشي، مؤدلج، حتى آخر شبرٍ من فرادتِه. رواية أورويل الأخرى، مزرعة الحيوان، هي بالتأكيد متخيّلة لأن الحيوانات لا يمكن أن تثور، وأن تدير المزرعة بنفسها. ولكنها أفضل تنظيرٍ قرأته لتشريح الثورة.

 لو أنك قرأت خبرًا في جريدة عن شابٍ يقتل عجوزاً مرابية بهدف تخليص العالم من شرورها، فالقصة على الأرجح لن تستغرق من وقتك وتفكيرك ما يزيد عن الخمسة دقائق. دوستوفيسكي منحك فرصة أن تعيش التجربة؛ تجربة القاتل، حمى الضمير والسؤال الأخلاقي، على امتداد مئات الصفحات  في “الجريمة والعقاب”.

 الرواية موصّلٌ حراري ممتاز للتجربة البشرية. هل تعرف لماذا؟ لأنها ابنة المخيّلة.

* الصدى الإماراتية. 



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads