الرئيسية » , , , » روي بيتر كلارك: تلاعب بالكلمات، حتى في القصص الجادّة ترجمة: رؤوف علوان

روي بيتر كلارك: تلاعب بالكلمات، حتى في القصص الجادّة ترجمة: رؤوف علوان

Written By تروس on الاثنين، 29 فبراير 2016 | فبراير 29, 2016

روي بيتر كلارك: تلاعب بالكلمات، حتى في القصص الجادّة
ترجمة: رؤوف علوان

اختر الكلمات التي يتجنبها الكاتب العادي، ولكن القارئ العادي يفهمها.

تمامًا كالنحّات الذي يعمل على الصلصال، يشكّل الكاتب عالمًا من الكلمات. في الحقيقة، لقّبَ شعراء الإنجليزية الأوائل بـ “الصانعين”؛ الفنانين الذين يشكّلون اللغة لخلق قصص، بنفس الطريقة التي قام فيها الرّب – الصانع الأعظم – بخلق السماء والأرض.

يتلاعب الكتّابُ الجيّدون باللغة، حتى لو كان الموضوع عن الموت.

“Do not go gentle into that good night” (لا تستسلم بوداعةٍ إلى تلك الليلة الهانئة)، يكتبُ الشاعر الويلزي ديلان توماس إلى أبيه الذي يُحتضر: “Rage, rage against the dying of the light.” (ثُرْ، ثُرْ! ضدّ موت الضياء).

قد تتعارض فكرة اللعب (بالكلمات) مع فكرة الموت، لكن الكاتب يجد سبلاً ليجمع بينهما. فللتعبير عن حزنه، يعزف الشاعر على اللغة، مفضّلًا كلمة “gentle” على كلمة “gently”، ويختار”night” لتقفّي “light”. ويكررّ من مفردة “Rage”. ولاحقًا سوف يستخدم التوريَةَ:

“Grave men, near death, who see with blinding sight”
“يا من على شفا حفرة الموت، يا من تنظر ببصرٍ معميّ.”

المعنى المزدوج لـ ” grave men” يقود مباشرةً إلى اجتماع اللفظتين المتناقضتين “البصر المعميّ Blinding sight”. تلاعب بالمفردات، حتى تحت ظل الموت.

في الصحف يُعدّ كاتب العناوين الرئيسية شاعرًا بين الصحفيّين، فهو يملأ مساحات صغيرة بمعانٍ عظيمة. خذ هذا العنوان الرئيسي أثناء الحرب في العراق:

Jubilant mob mauls
4 dead Americans

هتافات حشود مبتهجة بتمزيق
4 موتى أمريكان

بشاعة ظروف ملابسات الحادثة أنّ: مدنيّين هاجموا ضباط أمن أمريكان، حرقوهم حتى الموت في مركباتهم، وانهالوا عليهم ضربًا، مثّلوا بجثثهم المتفحمة، وثم جرّوها عبر الشارع، وعلّقوها على ما تبقى من جسر – كل هذا أمام حشود تهتف ابتهاجًا.

حتى تحت وقع مجزرةٍ كهذه، الذي كتَبَ العنوان الرئيسي تلاعب في اللغة. فالكاتب يكرّر الحروف الساكنة (B و R) للتأكيد، ويجعل مفردة “Jubilant هتاف البهجة” تتعارض مع مفردة “dead ” لتعطي تأثير مفاجئ. كلمة Jubilant””، هي من الفعل اللاتيني Jubilare الذي يعني حرفيًا “يرفع صيحات الابتهاج”.

كلمات مثل “حشد / غوغاء”، “موتى/ قتلى”، و “أمريكان” تظهر في تقارير الأخبار طوال الوقت. أما “يمزق” فهو فعل نجِدُهُ في قصة عن كلبٍ يهاجم طفلاً. بينما “هتافات الابتهاج” لفظة مميزة، يفهمها أغلب القرّاء، لكن نادرًا ما تأتي في سياق الأخبار.

كثيرًا ما يحبسُ الكتّابُ مفرداتهم اللغوية في محاولة ضالة لخفض نبرة اللغة كي يفهمها عامّة القرّاء. الكلمات غير الواضحة يجب أن يوضحها فحوى النصّ. فمخزون المفردات اللغوي في قراءة الفرد العادي أكثر من المفردات اللغوية عند المؤلف العادي في الكتابة. ونتيجة لذلك، المؤلفون الذين ينتقون مفرداتهم اللغوية من بحر اللغة العميق يجذبون إليهم اهتمام القرّاء الخاص فيكتسبون لقب “كُتّاب”.

إنّ كتابة المفردات الثريّة لا تتطلب كلمات مبهرجة رنّانة. فأحد أعظم كاتبات المقال في أميركا، وأعني فيشر M. F. K Fisher، عُرفتْ بكتاباتها عن الطعام، لكنها دائمًا تضيف نكهة من التلاعب باللغة إلى جميع أعمالها. خذ ذكرى الطفولة هذه المفعمة بالحياة والتي فيها تصف غرفةً صغيرة مؤثثة إلى جانب المرآب لتأوي أحد العمّال:

الغرفة مهيّئة لتخزين الأدوات، كما أفترض. كانت كبيرة بما يكفي لتأوي سريرًا صغيرًا، الذي كان على الدوام منضدًا، ومقعدًا بمسندِ ظهر متحرك، ومكتب متهالك. كانت الجدران جزءًا من المرآب، مغطّاةً بأوراق صحف لمنع التيارات الهوائية. كان هناك موقد صغير يعمل على الغاز، من النوع الذي يُستخدم في مخيمات لاغونا الصيفية، يتوهج منه ضباب على النافذة برائحة طيبة دافئة. كان هناك ضوء خافت يصدر من مصباح السقف. وهناك رفٌّ من الكتب، لكن ما هي هذه الكتب فهذا ما لن أعرفه أبدًا. تتدلّى بهدوء من عوارض السقف حِزمٌ من أوراق تبغٍ نصف مجففة. كان تشارلز حصل عليها في أحد صفقات بيع غريبة، في ولاية كنتاكي. كان قد جفّفها، وفي كل ليلة كان يحشو أكثر الأوراق هشاشة في غليون بحجم كف يده. كان يمدّ يده للأعلى مشرئبًّا، يقطف وريقة، وثم يجلس مسترخيًا في مقعده القديم ويتحدث إلينا: أنا وأختي آن والجديدة نورا. إلى أن يحين وقت نفث المزيد من الدخان الشهيّ. (من رواية: بين الأصدقاء).

لم تستخدم فيشر استعارات واضحة هنا أو توريات سهلة. إنما جاء تلاعبها باللغة على هيئة مجموعة من الكلمات والصور المحددة بدقة تنقلنا من زماننا ومكاننا إلى الزمن القديم لتلك الغرفة الصغيرة.

إنّ كبحَ فيشر لتلاعبها باللغة يقف على النقيض تمامًا من التلاعب بالكلمات الذي يصل لدرجة الهلوية في Act of the Damned، لـ أنتونيو لوبو أنتونيس:

عند الثامنة صباحًا في ثاني أربعاء من سبتمبر، 1975، انتزعني منبّه الساعة من منامي كما رافعة ميناء ترفع كتلة طحالب لزجة لا تعرف السباحة. طفوتُ على سطح الشراشف، الليل يتقاطر من منامتي وقدماي كأنهما مخالب حديد تحمل مفاصل جثتي على السجاد، بقرب الحذاء المفعم برائحة الأمس. فركتُ بقبضتي عينيّ المتورمتين وشعرتُ بنُدفِ صدأٍ تتساقط من الزوايا. كانت آن متزمّلة، كجثةٍ في مشرحة، ببطانية في أقصى جانب من السرير، لا يظهر منها سوى مقشة شَعر رأسها. هناك قطعة مثيرة للشفقة من الجلد تطلّ من طرف حشية السرير. اتجهتُ إلى الحمّام لأفرّش أسناني والمرآة القاسية تعرض لي العطب الذي زخرفته السنين، كما على كنيسة صغيرة مهجورة.

حتى هؤلاء الذين يفضّلون أسلوبًا أكثر وضوحًا يحتاجون بين الحين والآخر للسباحة في بحر اللغة السريالية – حتى لو للاغتسال من مفرداتنا التي نشعر بالرضا حيالها.

جميعنا يمتلك مفردات بحجم بحيرة اكتسبناها من القراءة لكننا لا ننهل إلا ما هو بحجم بِركةٍ صغيرة. الأمر الجيّد هو أن البحث والجَمْعَ دائمًا ما يُضاعفان عدد المفردات المستخدمة. الكاتب يرى، يسمع، ويدوّن. الرؤية تقودنا إلى اللغة.

“يجب أن يكون بمقدور الكاتب أن يشعر بحميمية تجاه الكلمات، كل واحدة على حدة”، يكتب الشاعر دونالد هول في Writing Well، “يجب أن يكون بمقدوره كذلك التراجع خطوة للوراء، داخل رأسه، للنظر إلى الجُمل المتدفقة. لكن عليه أن يبدأ من كلمة واحدة”.

يحتفي دونالد هول بالكُتّاب الذين هُم من “الأصالة، بما يجعلهم يرون الشيء كمن يراه لأول مرة، مع ذاك يدوّنون رؤاهم في لغةٍ يفهمها جميعنا. إذ فأول صفةٍ يحتاج إليها الكاتب هي الخيال؛ أما الثانية فهو يحتاج إلى الحرفة. خيال دون حرفة لا يصنع إلا فوضى عارمة؛ وحرفة دون خيال، ليس إلا نظام يخلو من حياة”.

تدريبات عملية

1. اقرأ عدة قصص في صحف اليوم، ضع دائرة حول أيّ كلمة مفاجئة، بخاصة الكلمات التي لم تعتد على رؤيتها في الأخبار.

2. اكتب مسودّة بغرض إطلاق العنان لمفرداتك اللغوية. اعرض المسودّة على قرّاءٍ تختارهم واسألهم حول اختياراتك للمفردات وعن مستوى فهمهم لها.

3. اقرأ عملًا لكاتبك المفضل. مُلقيًا اهتمامًا بالغًا على اختياره للكلمات. ضع دائرة على الكلمات التي تلاعبَ فيها الكاتب بخاصة عندما تكون مادة الموضوع جادة.

4. جِدْ كاتبًا، أو شاعرًا، اعتدت قراءة أعماله كمصدر إلهام لكتاباتك، ضع دائرة حول الكلمات التي تثير اهتمامك. حتى لو كنت تعلم معانيها مسبقًا، ابحث عنها في معجم تاريخيا بحث عن جذر وأصل المفردة. حاول تحديد متى كان أول استعمال معروف لها في اللغة المكتوبة.

المصدر: تكوين

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads