الرئيسية » , , , , » روي بيتر كلارك: ضع عملات ذهبية على طول الطريق | ترجمة: عائشة الهاشمي

روي بيتر كلارك: ضع عملات ذهبية على طول الطريق | ترجمة: عائشة الهاشمي

Written By تروس on الاثنين، 25 يناير 2016 | يناير 25, 2016

روي بيتر كلارك: ضع عملات ذهبية على طول الطريق
ترجمة: عائشة الهاشمي
 


كافئ قارئك بالنقاط العالية، في المنتصف على وجه الخصوص

كيف تحافظ على مسير القارئ خلال قصتك؟ كنا قد وصفنا في السابق ثلاث تقنيات تفي بهذا الغرض: الإنذارات، الأحداث المثيرة، ومحركات القصة.

يقدم دون فراي تقنية أخرى من خلال المثال التالي: تخيل أنك تمشي على طريق ضيق في عمق الغابة. تمشي مسافة ميل لتجد هناك لدى أقدامك عملة ذهبية. تحملها وتضعها في جيبك وتكمل المسير ميلًا آخر لتجد، بكل تأكيد، عملة ذهبية أخرى. ماذا ستفعل حينها؟ تكمل المسير لميلٍ آخر بحثا عن عملة أخرى بالطبع.

كصاحبنا السائر في الغابة، يكوّن القارئ كذلك توقعات عما يختبئ له في الطريق. حين يواجه القرّاء معلومات وتفاصيل مملة في البداية على وجه الخصوص، سيتوقعون المزيد من المادة المملة في القادم من القصة. أما حين يقرأ القرّاء سردًا زمنيًا، فإنهم سيتساءلون عن الحدث القادم.

فكر بالعملات الذهبية على أنها أية تفاصيل تكافئ القارئ.

البداية الجيدة بحد ذاتها مكافأة، والكتّاب المحترفون لديهم ما يكفي لوضع شيء برّاق في النهاية؛ مكافأة أخيرة؛ دعوة للقراء ليعودوا لقراءة أعمالهم. ولكن ماذا عن المساحة بين البداية والنهاية؟ دون حافز العملات الذهبية، قد ينتهي الأمر بالقارئ إلى الانجراف نحو خارج الغابة. إلا أنني لم أقابل قط كاتبًا، وإن كان من كبار الكتّاب، كان قد تلقّى المديح لإبداعه في كتابة منتصف القصة، وهو السبب الذي يجعل الاهتمام بالمنتصف قليلًا.

يقول المحرر المعروف بارني كيلغور: “أسهل ما يمكن للقارئ فعله هو التوقف عن القراءة.”

قد تظهر العملة الذهبية على هيئة مشهد صغير أو حكاية:

“انثنى حيوان كبير ذو قرون أسفل السياج ثم عدا نحو السهل، بحوافر تطبّل بقوة. ‘هذا مشهد بديع’ تمتم راعي بقر.”

قد تظهر العملة كذلك على هيئة حقيقة مُفاجئة:

“البرق..  يُخشى أشد الخشية من قِبل أي رجل ممتطٍ في سهل مفتوح، وكثير من رعاة البقر لقوا حتفهم على يده.”

وقد تظهر كاقتباس معبّر:

 “معظم رعاة البقر الحقيقيين الذين أعرفهم ‘قال السيد ميلر’ كانوا ميتين منذ زمن”.

هذه العملات الذهبية الثلاث ظهرت في قصة فائزة تناولت ثقافة رعاة البقر الآيلة للزوال، وهي بقلم بيل بلَندِل الذي كتبها للـ Wall Street Journal، وهي جريدة تأخذ مسألة مكافأة قارئها على محمل الجد، وأحيانًا على محمل الهزل.

 من الموضوعات الشائعة في الدراسات الشيكسبيرية أهمية الفصل الثالث. الفصلان الأولان يقومان بالبناء والتصعيد نحو لحظة تحوي تجليًّا أو فعلًا قويًا. بينما يقوم الفصلان الأخيران بحل التوتر الذي يتكوّن في منتصف مسير المسرحية. بعبارة أخرى، يقوم الشاعر بوضع عملة ذهبية هائلة تمامًا في منتصف مسرحيته. لقد اختبرت صحة هذه الفكرة في أعظم مسرحيات شيكسبير التراجيدية لأجد هذا النمط مكتملًا فيهن جميعًا. في الفصل الثالث من هاملت، يصنع الأمير الشاب مسرحية في قلب المسرحية ليكشف بها غدر الملك؛ وفي عطيل، يحرض الـ “lago ” الخائنُ الشخصيةَ الرئيسية على الاقتناع بخيانة زوجته له؛ وفي الملك لير، يُعرّى الملك العظيم تماما من كل شي ليُترك مولولًا وسط عاصفة.

متسلحًا بأدلة تثبت وجود الذهب في المنتصف، قررتُ خوض تجربية أدبية. مشيت نحو مكتبتي والتقطت أول عمل أدبي عظيم وقع عليه نظري، وكان هكلبيري فِن للكاتب مارك توين. الطبعة الصادرة عن My Riverside تحتوي على اثنين وأربعين فصلاً، فقفزت نحو المنتصف – الفصل 21 – لأرى إن كان الكاتب قد خبأ بعضًا من الذهب. لم يخِب ظني. يروي هَك حكاية مضحكة عن ممثلين شيكسبيريين رديئين يجوبان الأنحاء بمسرحيتهما، مدمرين صيت الشاعر الكبير بتمثيلهما المشين. بذلك أصبحت أشهر مقولات شيكسبير خليطا من عباراتٍ مألوفة: “أكون أو لا أكون، ذلك هو الخنجر المسلول”. أتساءل إن كان استخدام توين لهذين الممثلين التافهين في منتصف روايته للسخرية من المشهد المركزي لمسرحية هاملت محض صدفة.

هذا يجرّني نحو الحديث عن العملة الذهبية المفضلة لدي على الإطلاق، وهو مقطع من تحقيق كتب في عام 1984 بقلم بيتر راينيرسن لجريدة Seattle Times. ظهرت العملة الذهبية في فصل طويل ضمن سلسلة عن صناعة طيارة جديدة هي بوينغ 757. الفصل الذي تناول الهندسة، على سبيل المثال، تضمن تفاصيل لا نهاية لها عن باب الركاب، واحتوائه على خمسمائة جزء تم تجميعهم بواسطة 5900 مسمار.

حالما بدأ اهتمامي بالتلاشي، وصلت إلى مقطع وصف كيفية اختبار المهندسين لسلامة نوافذ قمرة القيادة، والتي تتعرض دائمًا لاصطدام الطيور بها:

”تتعامل بوينغ بحساسية مع ما يتعلق بموضوع اختبارات الدجاج، وتوضح أنها مُلزمة من قبل إدارة الطيران الفدرالي على القيام بها. إليكم ما يحدث:

تخدّر دجاجة حية تزن 4 أرطال وتوضع في كيس بلاستيكي رقيق للتقليل من قوة جذب الحركة الهوائية. يوضع حينها الطائر المحفوظ في كيس بداخل مدفع ضاغط للهواء.يقذف بالطائر بعد ذلك نحو نافذة الطائرة بسرعة 360 عقدة وعلى النافذة تحمّل الاصطدام. يقال بأن هذه التجربة مسببة للفوضى.

لم يحتج الزجاج ذو سماكة البوصة الواحد، والذي يضم طبقتين من البلاستيك، إلى الخروج من الاختبار دون خدوش لاجتيازه، وإنما عليه ألا يُخترق. يُعاد الاختبار تحت ظروف متعددة: تبرّد النافدة باستخدام النيتروجين السائل، أو تُطلق الدجاجة نحو منتصف النافذة أو حافتها. ‘نحن نمنح بوينغ خيارًا،’ يقول بيرفِن مازحًا. ‘إما أن يستخدموا دجاجة تزن أربعة أرطال بسرعة 200 ميل في الساعة، أو دجاجة تزن 200 رطلٍ بسرعة أربعة أميال في الساعة.’ “

 لا يستطيع أي أحد أن يفكر بالسفر عن طريق الطيران أو الكولونيل ساندرز بالطريقة ذاتها مرة أخرى بعد القراءة عن اختبار الدجاجة.

في حين يعلم كتّاب الروايات والنصوص السينمائية قيمة النقاط العالية الدرامية أو الفكاهية في القصة، يواجه الصحافيون خسارة معينة. فأعمالهم تكون مثقلة للغاية لدرجة تدفع بالمحرر المتفاني إلى ارتكاب الفعل الخاطئ للسبب الصحيح.

“هذا اقتباس رائع،” يقول المحرر المعجب للكاتب. “فلنرفعه إلى الأعلى.”

“سيتعلم القرّاء الكثير من تلك الملاحظة. فلنرفعها إلى الأعلى.” وهكذا دواليك. رفع المقاطع الجيدة إلى البداية يكرّم المادة ولكنه قد يضرّ القصة. والنتيجة هي بمثابة إعلانٍ خادع. بذلك ينتهي الأمر بالقارئ إلى ثلاث أو أربع فقرات جذابة، متبوعة بالفائض المسموم الذي ينجرف إلى القاع.

ورشة عمل

1. فكّر باستراتيجية العملات الذهبية. راجع آخر كتاباتك لترى إن كانت مثقلة بالكثير. فتّش عن فُرص ضائعة لخلق بُنية أكثر توازنًا.

2. احمل فكرة العملات الذهبية معك في قراءاتك ومشاهدتك للأفلام. ادرس بُنية القصص باحثًا عن المواضع الاستراتيجية للعُقد الدرامية أو الفكاهية.

3. خذ إحدى المسودات التي تعمل عليها وحدد العملات الذهبية فيها. ارسم نجمة بجانب أي عنصر براق في القصة. بعد ذلك، قم بدراسة مواضعها وفكر بتحريكها في أنحاء القصة.

4. اختبر إمكانيتك في تحديد العملات الذهبية خلال بحثك. حين ترى أو تسمع وقع واحدة منها، ادرسها بعمق حتى يكون لها أفضل التأثير على قصتك.

5. حاول إيجاد المنتصف الجغرافي في بعض من كتاباتك. هل بإمكانك رؤية عملات ذهبية فيه؟


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads