قصائد للشاعر مارتن إسبادا - ترجمة نزار سرطاوي Poems by Martin Espada - Translated by Nizar Sartawi
قصائد من الشعر الأميركي
الشاعر مارتن إسبادا
إعداد وترجمة نزار سرطاوي
– مقدمة
مارتن إسبادا شاعر ومترجم وكاتب مقالات ومحرر ومحام ذو أصول بورتوريكية كرّس الكثير من أعماله للبحث عن العدالة. وقد تركز اهتمامه بصورة خاصة بحقوق المهاجرين إلى الولايات المتحدة. تحتفل قصائدة بتجربة الطبقة العاملة من المهاجرين من أميركا اللاتينية بقدر ما ترثو لحالهم، كما تتناول تكيفهم مع الحياة في الولايات المتحدة. كذلك تتحدث عن الصراع الذي تخوضه الشعوب في أميركا الوسطى والجنوبية مع حكوماتها الدكتاتورية، وعن فقر الناس وعجزهم إزاء تلك الحكومات.
ولد إسبادا في بروكلين، نيويورك، في الأول من كانون الثاني / يناير عام 1957. شارك في الحراك السياسي في سن مبكرة متأثراً بوالده، الذي كان أحد القيادين في المجتمع البورتوريكي وحركة الحقوق المدنية. حصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ من جامعة ويسكنسون-ماديسون، وعلى شهادة الدكتوراه الاحترافية في القانون من جامعة نورث إيستيرن في مدينة بوسطن. عمل لعدة سنوات محامياً للمستأجرين ومشرفاً على برنامجٍ للخدمات القانونية.
في عام 1982 أصدر إسبادا كتابه الأول في الشعر السياسي بعنوان "باليرو ولد الثلج المهاجر" ثم أتبعه بجموعة شعرية بعنوان "أبواق من الجزر التي طردوا منها" (1987)، ومجموعة أخرى بعنوان "العصيان دائرة يَدَيْ العاشق" (1990). بعد ذلك صدرت له مجموعات أخرى منها "فلكي من المايا في مطبخ الجحيم" (2000) و "جمهورية الشعر" (2006) و "كرة المشاكل" (2011). ىالإضافة إلى ذلك قام إسبادا بجمع وتحرير مجموعتين من الشعر اللاتيني وشعر التشيكانو، صدرتا تباعاً في عام 1997 وعام 2000.
حظي إسبادا بالتكريم من عدد من المؤسسات الثقافية والأكاديمية فقد حصل على الزمالة من مؤسسة ماساتشوسيتس للفنون (1984)، والمنحة الوطنية للكتابة الإبداعية (1986 و 1992)، والمؤسسة التذكارية لجون سمبسون جاجنهايم (2006)، وغيرها. كما فاز بالعديد من الجوائز الأدبية منها جائزة باترسون للشعر (1991)، جائزة مركز غوستافوز مايرز للكتاب المتميز (1998)، جائزة بوشكارت (1999)، جائزة كتاب الناشر المستقل (1999)، جائزة أنتونيا بانتوجا (2003)، جائزة باترسون للإنجاز الأدبي المستمر (2007)، الجائزة الأدبية للمركز الثقافي الوطني الهسباني (2008)، جائزة ماساتشوسيتس للكتاب (2012)، جائزة ميلت كيسلر للكتاب (2012)، وجائزة لاتينو العالمية للكتاب (2012). كذلك فقد اختير أميراً للشعر لمدينة نورثامبتون لعام 2001.
يعمل إسبادا حالياً أستاذاً جامعياً في قسم اللغة الانكليزية في جامعة ماساتشوسيتس أمهرست، حيث يقوم بتدرس الكتابة الإبداعية والشعر اللاتيني وأعمال بابلو نيرودا.
-------------------------
– مدينة من زجاج
(إلى بابلو نيرودا وماتيلد أوروتيا)
بيت الشاعر كان مدينة من زجاج: زجاج التوت البري، زجاج الحليب، زجاج الكرنفال، أقداح حمراءُ وخضراءُ صفاً صفاً، بريقٌ أسودُ من النبيذ في زجاجات، سفنٌ من القناني، حديقةُ حيوانٍ من القناني، ديكٌ، حصانٌ، قردٌ، سمكة، نبضُ ساعاتٍ يطرق على كريستال، نوافذُ تضيئها جبال الإنديز البيضاء، مرصدٌ زجاجيٌ من فوق مدينة سانتياغو.
حين لقي الشاعر حتفه، جلبوا تابوته إلى مدينة الزجاج. لم يكن ثمّة باب: الباب كان ألفاً من الخناجر، وراءَ الباب عالمٌ قديمٌ متهدم، الزجاج هو الآن نِصالٌ، فؤوسٌ، قطعٌ فخاريةٌ، غبار. لم تكن ثمّة نوافذ: أصابع الهواء امتدت نحو الزجاج مثل وجهِ حبيبٍ مفقود. لم تكن ثمّة حديقةُ حيوان: القناني كانت أنصافَ أقمار وأرباعَ أقمار، حصاناً وقرداً تُستَأصَلُ مع كل ساعة، مع كل مصباح. آثارُ حذاءٍ مغزولةٌ في رقصةِ تانغو مجنونةٍ على الأرض.
أرملةُ الشاعر قالت لن نمسحَ الزجاج. آثاره موجودةٌ هنا. صحافيون، مصورون، مفكرون، سفراءُ داسوا فوق الزجاج الذي كان يتصدع مثل بحيرة متجمدة، وجنودٌ أيضاً، كانوا قد نهبوا مدينةَ الزجاج، عادوا للحديث باسم الجنرال، ثلاثةُ أيامٍ من الحداد الرسمي أُعْلِنَ عنها في نهاية اليوم الثالث.
في تشيلي، نهرٌ من الزجاج كان يغلي، ثمّ برد، وتصلّب، وارتفع في أوراق، ليتحطم ويرتفع من جديد. ذات يومٍ بعد سنوات، جاء الجنود راكبين ليجدوا أنفسهم في مدينة من زجاج. تحولت بنادقهم إلى زجاج كرنفالي؛ ذابت الرصاصات، وهي تلمع، في أيديهم. من حديقةِ حيوانِ الشاعرِ سمعوا القرَدَةَ تصرخ؛ من مرصد الشاعر سمعوا قصيدةً إثرَ قصيدةٍ مثل أذان الصلاة. احترق لسان الجنرال بقطعٍ فضّية لا تراها العين. لسانُ الجنرال كان بلون زجاجٍ من التوت البريّ
-------------------------
–
مدينة من زجاج
(إلى بابلو نيرودا وماتيلد أوروتيا)
بيت الشاعر كان مدينة من زجاج:
زجاج التوت البري، زجاج الحليب، زجاج الكرنفال،
أقداح حمراءُ وخضراءُ صفاً صفاً،
بريقٌ أسودُ من النبيذ في زجاجات،
سفنٌ من القناني، حديقةُ حيوانٍ من القناني،
ديكٌ، حصانٌ، قردٌ، سمكة،
نبضُ ساعاتٍ يطرق على كريستال،
نوافذُ تضيئها جبال الإنديز البيضاء،
مرصدٌ زجاجيٌ من فوق مدينة سانتياغو.
حين لقي الشاعر حتفه،
جلبوا تابوته إلى مدينة الزجاج.
لم يكن ثمّة باب: الباب كان ألفاً من الخناجر،
وراءَ الباب عالمٌ قديمٌ متهدم،
الزجاج هو الآن نِصالٌ، فؤوسٌ، قطعٌ فخاريةٌ، غبار.
لم تكن ثمّة نوافذ: أصابع الهواء
امتدت نحو الزجاج مثل وجهِ حبيبٍ مفقود.
لم تكن ثمّة حديقةُ حيوان: القناني كانت أنصافَ أقمار
وأرباعَ أقمار، حصاناً وقرداً
تُستَأصَلُ مع كل ساعة، مع كل مصباح.
آثارُ حذاءٍ مغزولةٌ في رقصةِ تانغو مجنونةٍ على الأرض.
أرملةُ الشاعر قالت لن نمسحَ الزجاج.
آثاره موجودةٌ هنا. صحافيون، مصورون،
مفكرون، سفراءُ داسوا فوق الزجاج
الذي كان يتصدع مثل بحيرة متجمدة، وجنودٌ أيضاً،
كانوا قد نهبوا مدينةَ الزجاج،
عادوا للحديث باسم الجنرال،
ثلاثةُ أيامٍ من الحداد الرسمي
أُعْلِنَ عنها في نهاية اليوم الثالث.
في تشيلي، نهرٌ من الزجاج كان يغلي، ثمّ برد،
وتصلّب، وارتفع في أوراق، ليتحطم ويرتفع من جديد.
ذات يومٍ بعد سنوات، جاء الجنود راكبين
ليجدوا أنفسهم في مدينة من زجاج.
تحولت بنادقهم إلى زجاج كرنفالي؛
ذابت الرصاصات، وهي تلمع، في أيديهم.
من حديقةِ حيوانِ الشاعرِ سمعوا القرَدَةَ تصرخ؛
من مرصد الشاعر سمعوا
قصيدةً إثرَ قصيدةٍ مثل أذان الصلاة.
احترق لسان الجنرال بقطعٍ فضّية
لا تراها العين. لسانُ الجنرال
كان بلون زجاجٍ من التوت البريّ
-------------------------
كل الناس الذين هم الآن أشجار حمراء
حين أرى القيقب الأحمر،
يخطر ببالي إسكافي
وبائعُ سمكٍ متجول
أحمرُ مثل أوراق الشجر،
أقدمت ولاية ماساتشوستس على إعدامه.
بالصعقة الكهربائية
حين أرى القيقب الأحمر،
تخطر ببالي زهرة الفلامبويان الحمراء،
شاعران يشبهان الفلامبويان
مقيدان بالسلاسل في معصميهما
لأنهما تخيّلا خليج سان خوان
بدون الزوارق الحربية لسلاح البحرية.
حين أرى الفلامبويان،
تخطر ببالي جدتي
واسمها كتلان رمز اللون الأحمر،
حرب في إسبانيا
وعُمّالٌ بلا أسماء
زحفوا ببنادقَ محطمة.
حين أرى جدتي
واسمها كتلان رمز اللون الأحمر،
يخطر ببالي مُنظِّمو نقابات
في قبورٍ بلا شواهد،
يتحسسون جذورَ
الأشجارِ الحمراء.
حين أقفُ فوق جبل
أستطيع أن أرى الأشجارَ الحمراءَ لقرنٍ من الزمان،
وأتصوّر أوراقَ الأشجارِ الحمراءَ أيدي
فوضويين محكومين، الزهورَ الحمراء
عيوناً وأفواهاً لشعراءَ مقيدين بالسلاسل،
أكاليلَ زهورٍ حمراءَ في أعالي الأشجار لنتذكرها،
أراها ترفع أغصاناً
كالبنادق المحطّمة، كل الناس
الذين هم الآن أشجار حمراء.
-------------------------
جمهورية الشعر
(إلى تشيلي)
في جمهورية الشعر
قطارٌ حافل بالشعراء
يتدحرج جنوباً تحت المطر
كما تتمايل أشجارُ الخوخ
وتركلُ الخيولُ الهواء،
وعصابات القرية
تتبختر عبرَ الممر
بالأبواق، بالقبعات المستديرة،
يتبعها رئيس
الجمهورية،
مصافحاً كلَّ يد.
في جمهورية الشعر،
يطبع الرهبان الأشعار عن الليل
على مربعات من شوكولاته الدير،
المطابخ في المطاعم
تستخدم القصائد لوصفات الطبخ
من ثعبان البحر إلى الخرشوف،
والشعراء يأكلون مجاناً.
في جمهورية الشعر،
يقرأ الشعراء للقِرَدَة
في حديقة الحيوان، وجميع الثدييات العليا،
شعراءَ وقردةً على حدٍّ سواء، يصيحون فرحاً.
في جمهورية الشعر،
يسئأجِر الشعراء طائرةً مروحية
ليقصفوا القصر الوطني
بقصائدَ مدوّنةٍ على بطاقاتٍ صغيرة،
وكلّ من في الباحة
يندفعُ للاستيلاء على قصيدة
ترفرفُ من السماء،
وقد أعماهم البكاء.
في جمهورية الشعر،
الحرسُ في المطار
لا يسمحون لك بمغادرة البلاد
حتى تقولَ فيها قصيدة
وتقول هي: آه! رائع.
-------------------------
حين يكون الجلد سوطاً
في الليل،
مع زوجتي
نجلس على السرير،
أستدير بعيداً عنها
لأفك
حزامي
كي لا ترى
أباها
يفك
حزامه
-------------------------
-------------------------
City of Glass
For Pablo Neruda and Matilde Urrutia
La Chascona, Santiago de Chile
The poet’s house was a city of glass:
cranberry glass, milk glass, carnival glass,
red and green goblets row after row,
black luster of wine in bottles,
ships in bottles, zoo of bottles,
rooster, horse, monkey, fish,
heartbeat of clocks tapping against crystal,
windows illuminated by the white Andes,
observatory of glass over Santiago.
When the poet died,
they brought his coffin to the city of glass.
There was no door: the door was a thousand daggers,
beyond the door an ancient world in ruins,
glass now arrowheads, axes, pottery shards, dust.
There were no windows: fingers of air
reached for glass like a missing lover’s face.
There was no zoo: the bottles were half-moons
and quarter-moons, horse and monkey
eviscerated with every clock, with every lamp.
Bootprints spun in a lunatic tango across the floor.
The poet’s widow said, We will not sweep the glass.
His wake is here. Reporters, photographers,
intellectuals, ambassadors stepped across the glass
cracking like a frozen lake, and soldiers too,
who sacked the city of glass,
returned to speak for their general,
three days of official mourning
announced at the end of the third day.
In Chile, a river of glass bubble, cooled,
hardened, and rose in sheets, only to crash and rise again.
One day, years later, the soldiers wheeled around
to find themselves in a city of glass.
Their rifles turned to carnival glass;
bullets dissolved, glittering, in their hands.
From the poet’s zoo they heard monkeys cry;
from the poet’s observatory they heard
poem after poem like a call to prayer.
The general’s tongue burned with slivers
invisible to the eye. The general’s tongue
was the color of cranberry glass.
--------------------------
All the People Who are Now Red Trees
When I see the red maple,
I think of a shoemaker
and a fish peddler
red as the leaves,
electrocuted by the state
of Massachusetts.
When I see the red maple,
I think of flamboyán’s red flower,
two poets like flamboyán
chained at the wrist
for visions of San Juan Bay
without Navy gunboats.
When I see the flamboyán,
I think of my grandmother
and her name, Catalán for red,
a war in Spain
and nameless laborers
marching with broken rifles.
When I see my grandmother
and her name, Catalán for red,
I think of union organizers
in graves without headstones,
feeding the roots
of red trees.
When I stand on a mountain
I can see the red trees of a century,
I think red leaves are the hands
of condemned anarchists, red flowers
the eyes and mouths of poets in chains,
red wreaths in the treetops to remember,
I see them raising branches
like broken rifles, all the people
who are now red trees.
--------------------------
The Republic of Poetry
(For Chile)
In the republic of poetry,
a train full of poets
rolls south in the rain
as plum trees rock
and horses kick the air,
and village bands
parade down the aisle
with trumpets, with bowler hats,
followed by the president
of the republic,
shaking every hand.
In the republic of poetry,
monks print verses about the night
on boxes of monastery chocolate,
kitchens in restaurants
use odes for recipes
from eel to artichoke,
and poets eat for free.
In the republic of poetry,
poets read to the baboons
at the zoo, and all the primates,
poets and baboons alike, scream for joy.
In the republic of poetry,
poets rent a helicopter
to bombard the national palace
with poems on bookmarks,
and everyone in the courtyard
rushes to grab a poem
fluttering from the sky,
blinded by weeping.
In the republic of poetry,
the guard at the airport
will not allow you to leave the country
until you declaim a poem for her
and she says Ah! Beautiful.
-------------------------
When Leather is a Whip
At night,
with my wife
sitting on the bed,
I turn from her
to unbuckle
my belt
so she won’t see her father
unbuckling
his belt
-------------------------