الرئيسية » , » قراءة في كتاب في مواجهة اليأس العربي | عبد الواحد مفتاح

قراءة في كتاب في مواجهة اليأس العربي | عبد الواحد مفتاح

Written By هشام الصباحي on الخميس، 23 فبراير 2017 | فبراير 23, 2017

قراءة في  كتاب في مواجهة اليأس العربي
عبد الواحد مفتاح
يندرج كتاب » في مواجهة اليأس العربي « لكمال عبد اللطيف، ضمن المحاولات الجادة لاستنهاض الأسئلة الحقيقة، المتصدرة لمواجهة ما صار واقع العربي ينعم فيه ويطرحه بسخاء،  من حيرة وغثيان معمم.
كمال عبد اللطيف، لا يتحدث هنا عن يأس عدمي، كما يجنب دراساته بالكتاب، بل عن يأس تاريخي يمنحنا القدرة على التعبير عن كرْبنا بالصورة التي تحول توترنا وانقباضنا أمام ما يجري، إلى مناسبة للمقاومة، ليس بأساليب المقاومة أللفضية، بل بأساليب التعقل التاريخي، القادر على الابتكار وإسداء الأساليب الواقعية للترقي والتطور.
إن ما يميز الطرحات النظرية والرؤى المنهجية التي وسم بها الكاتب مغامرته البحثية، هي أنها صادرة عن مثقف خبر القضايا وقلّب أسبابها، ليصدر عن التحليل والموقف، وهو على عكس ما يرتج فيه المشهد الثقافي من استكانة عديدين لبرجهم العاجي، خاصة في وضعية الأزمة وانسداد أفاق التفكير والعمل العربي المشترك، حيت أننا لم نعد نشهد أعمال بحثية ذات قيمة قادرة على إرساء ما به نستهدي، ونحن نتلمس الطريق مسترشدين بما توضح لنا.
الجدير بالملاحظة والتتبع، أن الكتاب يأتي في ضمن الانشغال العام لهذا الكاتب باستقراء الواقع العربي، ومحاولات الخروج بمدركات نظرية يمكن البناء عليها، لتجاوز الإرباكية العامة التي نَستنْقع داخلها، فالمضيء أن عدد من الخلاصات والمواقف المبثوثة في ثنايا هذا الكتاب، نفهم ضمن مبادئ ركيزة اشتغاله النسقي عليها، في أعمال بحثية أخرى ككتاب (أسئلة النهضة العربية) أو في العمل اللافت للاهتمام (تشريح أصول الاستبداد في فكرنا السياسي) فإن كان الكتاب يقارب منجزه، من خلال عدد من المقالات الرامية لمواجهة جملة من الأحداث الصانعة لكثير من مظاهر الارتباك السياسي والفكري، بحاضرنا وإن كانت تغطي لفترة زمنية محدودة وسابقة لما اندلع بعدها من الربيع العربي، إلا أنها تبقى ذات طابع تحليلي برؤى مخالفة، قادرة على تمثل صلاحيتها على طول المدى المتوسط، بما هي تعلن انحيازها لخيار الحداثة والتحديث السياسي، بل تذهب إلى ما هو أبعد كما يعلن منذ إضاءته الأولى، بمحاولته نقد صورة المخاتلة والتردد والتراجع، التي أصبحت تشكل اليوم سمات بارزة في خطاباتنا السياسية والثقافية .. فدفاع كمال عبد اللطيف عن لزوم الانخراط في الإصلاح، لا يستسهل مطلب الإصلاح، بقدر ما يعمل على محاولة تفكيك أسئلته، وإبراز حدودها التاريخية، بطريقة في العمل لا تتردد في وضع يدها على مظاهر العطب والخلل، فالباحث يواجه وقائع محددة، كما يتصدى لأسئلة مضبوطة، وهو يحاول التفكير بمعيارية الزمني المتوسط، لأنه كما يذهب ويدافع أن صيرورة التدين في زمننا موصولة ببنيات تاريخية محددة، وموصولة في الآن نفسه، بإشكالات تتجاوز الوقائع المرصودة نحو ما هو أبعد منها، أي نحو ما يتغلغل في النسيج الحدثي، السياسي والثقافي، كما يحصل في واقعنا فالتفكير في إشكالية النهضة التي يعبر عنها بموضوع التفكير في الإصلاح، ونتيجة عنه البحث التشخيصي وفهم المآل العربي الراهن في ضوء المتغيرات الجديدة، التي تحملها معالم الصراع السياسي.
فليس من قبيل التشاؤم أو التفاؤل - كما يعلن- أن يتحدث الواحد منا اليوم، عن انسداد الأفاق أمامنا، أمام الحكام والأنظمة، أمام المواطن العادي، فقد تلاحقت الأزمات في عالمنا وبلغ الاحتقان مداه، ولا يبدو أن في الأفق مخرج قريب من المتاهة .. ليس من قبيل التشائم أو العدمية أن نقوم بإقرار هذا المعطى، ونعلنه لأنفسنا وللعالم، دون مواربة ولا خجل، لأننا من جهة معنيون بمآلنا الراهن، ولأننا من جهة ثانية متورطون بصورة أو بأخرى في تركيب وترتيب جوانب من كل هذا الذي حصل، ويحصل أمامنا وفوق رؤوسنا.
إن الجدير بالتتبع داخل هذه الأطروحات والمواقف، بهذا الكتاب هي استنادها على مرجعيات فكرية تَمتح من التنوير كفاءتها، وتُجدِر به نثرها، وحيوية ما به تدافع، فحاجة المجتمعات العربية إلى مبادئ الأنوار وقيم التنوير، حاجة فعلية تتطلبها معركة الإصلاح الثقافي والديني والسياسي بحاضرنا، وهو ما باشر كمال عبد اللطيف الصدور عنه، ليذكرنا أن للمثقف دور حصيف لايمكن التنازل عنه، ولابد أن يقوم به، مهما تكالبت عليه الظروف وحاولوا تغييبه.    
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads