الرئيسية » » وقت متأخّر من القلق | رمزي نايلي

وقت متأخّر من القلق | رمزي نايلي

Written By تروس on الاثنين، 30 نوفمبر 2015 | نوفمبر 30, 2015

وقت متأخّر من القلق
رمزي نايلي


صورة الفاتحة
1
تدخل غرفتَكَ الفاسقة بالذكورة، سكرانَ؛ تستلقي والفراش بعد الشرب يصيبك بدوار الحقيقة. فيدور يُتمٌ ما في خواء ما بعد منتصف الليل، لتأتيك تلك الفكرة المخدوشة من غياهب الضباب الذي يمضغُ يقينك. في تلك اللحظة الخام، حين تسقط كل الأقنعة التنكرية التي وضعتها أو وُضعت لك، تصادف نفسكَ فجأة، فتتعارك مع لذة ما لا تعلم تفاصيلهُ بعد. ولأنك متعب منك، ولأنك تريد معرفة تفاصيل الفكرة المباغتة، ترضى أن تنشنق في فراشك كي لا تقطع كل هذا.

2
تجيء بغير خُطاكَ
كفّكَ مصروعةٌ في الكلامِ
ووجهكَ يبحثُ عن ملامحٍ للصمت
فتُحدِثُ عينكَ في المدىَ
ليخيط أثرُ الريحِ طريقاً لكَ في الغياب. 
بغير جسدكَ تمشي في الفكرة،
- ركبةُ الرصيف دامغةُ في معنى الليل!
فيما المطر قريبٌ من نومك
يبقى ظفرُ الماء مرتخياً في عطشك
ولا مرفقَ يسندُ سيلانَ الحقيقة،
وحدهُ العالمُ يعرفُ مشيئة الناي
من انثقاب حنجرتك بالليل.

3
ثم، فجأةً، تبدأُ في الخَلقِ!
فتخلق أولاً، حانةً في الأوراق ثم تدخلها،
ثم تتعمّد الوقوف طويلا في طابور السكارى، مع أنهُ لا سكّير غيرك سيسهر لهذا الوقت المتأخّر من القلق. ولأن الليلَ قاصر على هذه الأخيلة، فإنه سيتعثّر بأرقكَ كلما قرّر دخول غصّتك، ليسهر كساعة حائط اختلطَت عليها دورات عقاربها، كلما أسرفتَ الشربَ
وحده الحزن يعرف سرّاً لطالما أخفيتَهُ عن القصيدة: 
أنك كنتَ تبحث عن أنثاكَ فتعثّرتَ بالشِّعر وأضعتَ خريطة العالم لتبقى معلّقاً من كتابكَ، 
فتقرأ لليل، ولكْ...

4
واقرأ في الكتاب: جُرْحِيَ
إذ تعرّى كأصابع الغيم يأكل أوتار النوتات..
فلا يشربُ عودي
واشرب من نساء المعنىَ صوتيَ المثقوب 
كخطوٍ هجرته الدروب/ عطالةَ رحلتي 
فترنمتهُ ندبةُ الروح مَقام الطير من قفصي:
- يا رداء المدىَ، ما له صوتي يؤلمني؟
أنثى النص
شوفي،
لم أكنْ في المهد حينَ ناغاني الشعر
كنتُ مقلوباً على رأسي عند زاويةِ القبر
أرقبُ هشاشة عموده
كنتُ أريد رؤية الشعر مقلوباَ، 
مقلوباً بكِ
فصعدتُ إلى الأرض على عجل

لم أكتشف فضيلة الموت إلا عندما جاءني 
عطركِ مبكياً كصفعةٍ على مؤخّرتي
إذ لا يعقلُ أن أتقبّلَّ رتابة القصيدة وحليبُ غيابكِ يغذيّ ذائقتي،
لا يعقلُ أن تُفَسّحَني شطآنها الكثيرةُ، ورملك، في المخيلة، عَصِيٌّ على الكتابةِ
كانَ ينقصني النثر فقط،
فقط قليلٌ منهْ
حتىَ أقول أني: أحبّكِ وأموتْ.

ب
يجب أن أعترف أوّلاً:
أني أضعتُ ملامحي في البار من ليلةٍ سبت قضتْ أن أسقطَ في حفرةِ تعرفُ تفاصيلَ الشوق جيداً،
ثمَّ أنهضُ من جزيئيات الصدم بلا كسور
ثم صادفتني فجأةً عارياً من الشعر والألمِ في منعرجٍ مظلمِ يوصلُ إلى عنوان بيتكِ القديم
و كتحصيلٍ حاصلٍ: كانَ يجبُ أن أسكرَ ليلتهاَ، فكانَ البارُ.
كانَ رهاني أن أسكرَ كثيراً، حتىّ يتجلّىَّ غيابكِ في هيئة سكّيرِ لا تروقهُ موسيقى التانغو
فأقتلهُ بكلّ صحوِ الكراسي والطاولات والكؤوس والقيء والصيّاح،
لكنّي خنتُ ذكراكِ، إذ اتفقناَ – منذُ التفاحةِ- أن من لا يضاعفُ جرعاته وقتَ هطولكِ خائن للحنين
قلتُ، إنني خنتُ صدفةَ السقوطِ، باِنكماشي على حفنةٍ من الصحوِ كانتْ في مزاد تماسكي،
كي أستطيعَ البحث عن وجهي في عيونِ كارعيِ الليل بوعي يترنحُ،
لأني لطالما أفقدُ وجهي حينَ انصهر بالذكرى والخمر.
يجب أن تصدّقي: أنني كلما نظرتُ إلى وجهي ازددتُ توغّلاً في النبيذ،
وجهي الذي تنهشهُ عيونُ متقاعدي الكتابة وساجني الاحتمال.
قلتُ: إن وجهي تقاسمتهُ عيونٌ مخلبية البريق، فلم أستطع إلا أن أراني باكياً في مُقلهم
أهيمُ في صحراء الأرصفة،
زادي من الحَكْيِ ورزمة من التعب، وأعمدة الكهرباء كانت في حلكة المعنى دليلي. أنسجُ من خيال كدماتي غوايةَ الرحلةِ وأزيدُ من شدة الخطوات صوبَ الصحو..

ج
أصحو!
لأمارسَ عادةَ السر: المراقبة!
يجب أن أعترف أنيّ بتُّ أراقبُ كلَّ شيء:
حتى أيَّ شيء تافه وكأنني سألمحُكِ قربهُ أو فيه
أراقب جريان الماء في الوادي.
أراقبُ صوت الآذان وكأنهُ لأول مرة يشقُ الرعشةَ معلناً حروبنا مع السماء
أراقب الوردةَ، كأنما أشواكها ستسرّحُ شَعر المجرة لأول مرة
أراقبُ الموسيقىَ، حتىّ تتماهىَ صلبانُ الكاتدرائيات راقصةً تزفُّ الجرسَ لعروسهِ الأولى في الروح
أراقبُ النار العزيزة، وكأنّ ثلج الكلامِ يستفزُّ صمتَ أمكنتي فتيلية الصراخ
أراقبُ أيّ شيء لا يستأهلُ فطنة مفلس مجنون:
آآآه..
ما كنتِ لتغيبي، حتىَ لا أغدو كلَّ المجانينِ
أنت الموجودة في كل الأشياء
وهكذاَ أتعمقُ في الحفر
الحفر ُفي لغةِ الــ آآآه
ما كان بك أن تغيبي
على الأقل كي لا أكتبَ، 
كي لا أفعل هذا الموتَ المستساغْ
فهاتي طيفَ يدكِ:
وأمسحي معي العالمَ من مخيّلتي، وأتركِي مجراتَ غباركِ
كيما أسكنَ في تفاصيلِها وأحفر من جديد
لأبحثَ في حبيبات الغيابِ عنْ سرابِ الأنثى الأولى
أنتِ المشعّةُ في مرآةِ الخطيئةِ/ أنا ما تناثرَ من زجاج الجنّة
هاتي صوتكِ وأصمتي معي: شاركيني النارَ
وادفنيني في كلامِ السكارى: سخطاً يقصمُ ظهر الإنسانية

د
أمسحُ وجهَ الشعر بِكَفّي: قلتُ، هكذاَ سأُجَمِّلُ وجهَ العالم
وسأجدكِ أجملَ ممّا فعلَ بي الغيابُ.
لم يكن الشعر يدفنُ وجههُ في المرآةِ، ليرىَ جدوى نهوضه باكراً
كانَ يرعى القلق الطريَ لِيُلقمه لِدِيك الاِحتمالات كل فجر
كانَ يصرعُ كلماَ تتعتعهُ النهايةُ نفسها، جروَ اليقين المتربص بوصولكِ الذي لا يجيءُ،
فيما أنت لا تأبهينَ بنا،
نحنُ اليتامى بغير أي قصيدة نرجوهاَ من الألم.
قلتُ لك: إناّ بتنا نغزلُ قَصصك للأطفال ونلحّنُ بِريحِك أغاني محتملة لرعاة ليل محتملين،
بتنا نقولك "لِآنزار" فلا يُمطرُ غيرُ يباسناَ،
فنصابُ بالحقيقة

ذ
يجب أن أعترفَ أنّ لونَ الموتِ هو لوني وقتَ لم أحياَكِ، بطريقةٍ تجعلك الحياةَ،
فكنتُ الميّتَ
كنتُ المسْرِف في الموتِ
حينَ طالعتني صورتكِ في المخيّلةِ تغريني بالزهدِ
فصرتِ الصلاة التي ظلت الملائكةُ تأبى مباركتهاَ،
صرتِ صلاةً كماَ لو أنكِ لم تُمارسي من قبلْ
فبِتُّ أطوفُ بينَ الحاناتِ تتقاذفني أجراس انقراعي بصوتك
كانَ السُكرُ وضوئيِ الوحيد للتقربِ من نور وجهكِ المنبعثِ في الروحِ كأصابعَ تبنّاها النايُ
وحينَ الموسيقىَ تماهتْ لتماهيكِ،
وحينَ الناي أعارني ندباتهِ المسخسخة
أيقنتُ أن الغناءَ رافعي الوحيد إلى روضتكِ، فتشبّثت بسيرته كي أسمى وأُومنَ
فآمنتُ بالموسيقى
قلتُ لكِ:
أني تشبثتُ بالغناء، فنمىَ صوتي، حتىَ تشابكَ معَ الفراغْ
فصوتي الفراغُ
كنتُ حينهُ:
متشبثاً بمقام كتفككٍ، أصعدُ إليناَ في ذلك الحال
مظفوراً بالدهشة، كي لا أسقطَ منّي
كنت البعيدة معي، وكنتُ الخطوة إليكٍ،
أبتّز الدمَ بمسافة حُلمنا المزغّب كي أضمّدَ الطريق لقدوم عشّاقَ مهملين كماَ كل نبوءة
كنتُ الخارج من نشوة الهجرة، وصوتي مولج كماَ كل رحلة في عصيان الريح،
تلكَ الريح التي فيهاَ تعبي وعلبةَ سجائري وسُعالي الذي يكتب أبجدية الأولين،
كنتِ العاليةَ منّي وكنتُ الصاعدَ إلى عمقِ الطينِ فتوازيتُ
لأنكِ كنتِ الحياةَ، فقط.. لأنّك الحياة
هكذا بقيت مُشعّةً في النص

* شاعر من الجزائر من مواليد 1987




التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads