منذ يومين
بلا دهشة حلّ الشتاء. سمعتُ خطواته البطيئة مثل عجوز ثمل حكى ما عنده ولم يعد يشغله في الماضي غير ذاكرة خائنة للاسماء. حلّ يتمهّل هنا ويسترخي على تلة هناك تحت أشجار البتولا العارية. على عادته يبعثر ما نسته رياح الخريف وراءها: اوراق يابسة مطوية على ضميرها واغصان كسيرة. ليس المكان غريبا عليه، فهذه السهول كانت له، والهضاب، والغابة، وانا.
منذ يومين، يهطلُ الثلجُ وديعاً هادئاً كأنه في مهمة عابرة لا يأبه بها، مستسلما للهواء، يسترخي اينما كان. أشجارُ الصنوبر تمد له أكف بملايين الاصابع الابرية الخضراء لتأخذ منه ما تاه في طريقة.
منذ يومين تؤطرني النافذة، في ركن البيت، مثل ايقونة لا ربّ لها ولا عباد. ولكني لا استاء من اوجاع المفاصل، فالموقد كفيل بالزمن والحطب والقراءة.
منذ يومين أدرّبُ عيني على متابعة نتف الثلج من مسافة بعيدة، اتابعها تترنح، تتلوى، ثم تهوي هامدة بلا وزن ولا كيان. أقارن بين احجامها. بعضها يصطدم باخرى فيغدو أكبرا.
الاشياءُ تحت الثلج تفقد ذاكرتها.
منذ يومين امرّن أذني على سماع الفراغ. الفراغ البعيد خلف الجبل.
ما يدهشني أني لست وحدي في هذا الكون!
قبالتي تجثو قطة الجيران على سياج الشرفة مثل نقطة حبر اسود كبيرة على ورق مبلل، مثل وشيعة صوف قبل الغَزْل.
