الرئيسية » , , » كتاب الحِرَف الحزينة | ميغيل مالدوناذو

كتاب الحِرَف الحزينة | ميغيل مالدوناذو

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 20 نوفمبر 2015 | نوفمبر 20, 2015

لكنَّ قلبي ليس مغلقاَ وفي جوفي أبكي ما يسقط من مطر في الخارج
خوان رامون خيمينيس
 
الحِرف الحزينة
الذين يمتهنون الحرف الحزينة
يتردَّد أبناؤهم في الإجابة
عن السؤال المزعج الذي يطرح عليهم دوماً
- ماذا يعمل والدك؟
يعلمون جيَّداً
أنّهم سيقبلون بأيِّ عملٍ آخر
مقابل الأجر ذاته
يتحوَّلون إلى حكماء
حين يتوقَّفون عن لوم الآخرين
الذين لا يحبُّون أعمالهم
 
غاسل الصحون
هو الأخير
في السلسلة الغذائية
يأكل أحياناً
بقايا كعكة
تركتها نساء
ندمن على تناول السكّر
من النادمات، وصلت قطعة خبزٍ لغاسل الصحون
لا يهتم
إن تركن فضلات الأكل كما هي
أو انتقلت إليه عدوى مرض ما
من تناوله طعام الآخرين
تحزنه أمورٌ أخرى
كأن يداعب زوجته
بأنامل يده المتجعدة 
بسبب الماء
أن يلمس الأشياء
بيدي عجوز
فقط لمرَّة واحدة في الأسبوع
يشعر أنَّه من جيل النساء اللاتي يلمسهنَّ
ليومٍ واحد في الأسبوع، 
يعود غاسل الصحون شابّاً
 
عامل المنجم
يواجه جداراً أصمّاً
يواجه قساوة العالم
والأحجار العملاقة التي هي الأرض أصلاً
والخرَّامة التي فسدت وهي تحاول اختراق صخور منيعة
يأخذ مقاييس
أطراف الديناميت وحياته القصيرة
لا يعرف شيئاً عن الأشياء الشفافة
عن العشب الطري 
أو القطن الناعم
لن يصل إلا
إلى وردةٍ من حجر بركانيٍّ أسود
وللذهب في جلد النمور
وللمياه الجوفية
                         لن يصل إلاّ
                           إلى الملمس الناعم للأشياء الخشنة
 
الخطَّاط 
لدى الناس قناعةٌ ما
بأنَه يحترف الرسم
ولا أحد يعرف
أنَّه ما زال يتمرَّن في العمل 
ولهذا
وعلى يافطة الملحمة
تُرى وجوه زرافات لا وجوه بقرات
وإن طلب منه حفيده رسماً
يخطُّ له جمبريّاً بقدمين
أو كعك العيد
أو لحماً على سيخ شاورما
يرسم كلمة "ثلج"
بحروف مذابة
يسأل الحفيد
لماذا ترسم دوماً
إطارات وحقناً وبراغي
بدل أطياف 
وقلوب 
ومشاهد طبيعية؟
السيّد الذي يختم الطوابع
ذراعاه لا تتعبان
ليس لديه مشاكل جسديَّة ولا نفسيَّة
يداه
يداه فقط
الملطَّختان بالحبر
ثمَّة مشهد ظالم
يعرض أيادي نظيفة 
تدفع الفواتير
ويدٌ واحدةٌ تتَّسخ
لا يتحدَّث الناس 
مع السيّد الذي يختم الطوابع
يحيُّون الموظفين من الشبابيك الصغيرة 
ويتبادلون الابتسامات
مستثنين السيد الذي يختم الطوابع
وحيد هو
بيد واحدة
متّسخة.
 
الحِرف المُرهقة
الذين 
يسلِّكون شبكة المواسير
يصطحبون الكلاب المشرَّدة للحرق 
ينظِّفون البراز العالق بالتماثيل
يعتنون بأعمالهم ليلاً
ينجزون أعمالاً مفيدةً دون أن يراهم أحد
اعلموا
أنَّه حينما تجري المياه في الأنابيب بشكلٍ جيِّد
وحينما أمسك بيدي كأسا
أفكِّر بكم
دون أن أعرف
إن كان لهذه الحركة
أية قيمة
 
الحارس الليلي
لا ينام نهاراً
لديه عملٌ آخر
عملٌ بسيط
كي لا يخونه النعاس
يختم سجلّات
أو يثبّت الأسعار على المنتجات
يعجز عن متابعة الأشياء
التي تحدث
لا يعرف إن جرت بالأمس
أو إن كان ابنه في الصف السادس
يفكر
هل قال ذلك الشيء، أم لم يقله؟
ينام وهو يحرس
توقظه أيّة قطَّة
يقفز فزعاً
من ضجيج محرِّكٍ
إنَّه الحلم الأكثر توتُّراً
يعود إلى بيته
متسائلاً عمَّا حدث
إن كان ذلك بالأمس
إن اجتاز ابنه الصف السادس
أقال ذلك الشيء
          أم لم يقله؟
 
الحدَّاد
أصحاب الحِرفة الحزينة
لا يريدون أن يرث أولادهم
هذه المهنة
يحلم الحدَّادُ بأطفالٍ
ذوي بشرةٍ رقيقة
ضعفاء لا يقوون على المطرقة
لديهم حساسيَّةٌ ضدَّ النار
لكن هذا نادراً ما يحدث!
ولهذا تجده معتاداً
على إسعاف حروقهم
لا يتوقَّف عن الحلم
بتغيير وجهته يوماً
يتمنَّى أن يُنجبَ أبناؤه
فتياتٍ فقط
وأن يعملن في متجر زهور
        الحدَّاد
              يحلم                 
                بمتجر زهور
 
أمينة الصندوق
هي الأقلُّ اطِّلاعاً في العمل
عليها أن تسلِّم الحسابات كاملة
وحينما تشتدُّ ساعة البيع
تركِّز في العدِّ
تزن كلَّ قرشٍ
تعدَّ النقود ثلاث مرَّات
احتياطاً
لكنَّها تخطئ دوماً
تُعيد للناس مقداراً أكبر من النقود المتبقِّية
ورغماً عنها
تساهم في سداد إيجار منازلهم
أو إهدائهم شيئاً ما
لكنَّ الديون تتراكم عليها
خارج المنزل
وداخل المنزل
تفكّر بأن نقود الصندوق ليست لها
تحاول أن تبدو غير مبالية
لكنَّها تفشل
رغبةٌ بالنقود تراودها 
إذ عليها مسؤوليات كثيرة
     ما بين أمينة للصندوق
                            وسارقة
                                     طوال الوقت
تلك معضلة غير عادلة
لمن لا يملك الخيارات
وذلك "خياره" الوحيد.
 
البائع الجوَّال
ليست أبواب المنازل التي ترفض أن تفتح له
ولا تلك التي تبغضه
ليس توتّره وهو ينتظر أن يُفتح له
بل شعوره بأنَّ أحداً من الداخل يراقبه
ليست الحاجة إلى إقناع هذه السيِّدة
بأن يرحل الآن ويأتي في اليوم التالي
ليست النساء اللاتي يوشكن على الشراء ثم يتردَّدن
ليست المنازل المغلقة
ولا العرق والمناديل
ليست الكلاب التي تنبح عند العتبة
لا
لا يؤلمه سوى
التقرّحات في قدمه
وألّا يتمكّن من السير إلى عمله في الغد.
 
* Miguel Maldonado: شاعر مكسيكي من مواليد مدينة بويبلا عام 1976. من أعماله الشعرية: "قصائد السِّحر الحالي"، "الجسد الخاص"، "القلعة"، "الوظائف الجيّدة"، "توقيف"، "420 ضربة".
ترجمة عن الإسبانية غدير أبو سنينة




التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads