الرئيسية » , , , , , , , , , , , » إنجاز ضخم للشاعر والباحث العراقي عبد القادر الجنابي مختارات من قصيدة النثر العالمية

إنجاز ضخم للشاعر والباحث العراقي عبد القادر الجنابي مختارات من قصيدة النثر العالمية

Written By هشام الصباحي on الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015 | أكتوبر 27, 2015

بيير ريفردي (1889 1960)

[ الموسيقيون

الظل والشاعر في الزاوية حيث يحدُث شيء ما. الرؤوس المتجمعة تسمع أو تنظر. العين تمر من الرصيف الى الآلة التي تعزف، التي تقرع، الى السيّارة التي تعبر الليل. بروق مصباح الغاز تقطع الحشد بلا هدف وتفصل الأيدي المتصافحة، كل النظرات المعلقة والضجيج. الناس هنا والكل في الساعة نفسها، عند ملتقى الطرق. الأصوات الموزعة تقود الحركة على الوتر الذي يصر ويموت كل دقيقة. وإشارة السماء، الإيماءة التي تلملم فيختفي كل شيء في ذيل الملابس، في جزء من حائط يخر. كل شيء يتزحلق والضباب يلفّ العابرين، يبعثر الأصداء، يحجب الانسان، الفرقة والآلة.

أندريه بروتون (1896 1966)

[ خرائط على الكثبان

( الى غيسيبّي أونغاريتي)

جدول مواقيت الأنهار الجوفاء والوجنات البارزة، يدعونا الى مغادرة الممالح البركانية الى أحواض مخصصة للطيور. فوق منديل ذي مربعات شطرنجية متوردة، مرتبة أيام السنة. لم يعد الهواء نقياً، الطريق لم تعد عريضة كالبوق المشهور. في حقيبة رسم فوقها ديدان خضراء كبيرة، نحمل هذه الأمسيات الفانية التي هي موضع الركب على مجثى. دراجات هوائية صغيرة مضلعة تطوف فوق بار ألحانه. أُذن الأسماك، متشعبة أكثر من زهر العسل، تسمع الزيوت الزرقاء تنزل. ومن بين البرانس الزاهية التي تضيع عبوتها في الستائر، ميزت رجلاً متحدراً من دمي.

[ منطق

الحجارة الأولى لهذا البيت الذي تحلمين به، لا وجود لها. إلا أن الغبار الأول لم يستقر أبداً على القصور التي كنا ندعم. كانت ثمة نوافذ مزدوجة، لكلينا، أضواء مستمرة وليال جسام، يا لك من عاطفية!

[ موت

الموت يأتي وحيداً، يذهب وحيداً، وهذا الذي أحبَّ الحياة سيبقى وحيداً.

[ نائمون

النائمون بيض معرقون عروقاً شاحبة الخضرة، وشفافون أيضاً شفافية البلور الحجري، أفخاذهم تجعل خيوط النهار يدلفها. كما ليس لهم صلابة الرخام العادي، بل إنهم جد أرقّاء حتى أننا نستطيع نحتهم وصوغهم بسكين.

لكن ما إن نمس أجفانهم حتى يتصدر الليل القاسي والقارس كصخرة من الاردواز.

[ المقص وأبوه

الصغير مريض. سيموت الصغير. الذي منحنا البصر، الذي حبس الظلمات في الغابات الصنوبرية، الذي جفف الشوارع بعد العاصفة. كانت له معدة خدوم، كانت له، كان يحمل في عظامه أجمل الأقاليم اللطيفة ويضاجع بروج الأجراس.


جان فولان (1903 1971)

[ ضوضاء الريح

ضوضاء الريح تحيي الأيام القديمة عندما كان للخبز والنبيذ، وحتى للخبز المنقوع بالنبيذ، مذاق آخر. زمن هائل انتهى به الى التكدس. رقم عدد السنوات لا يبعث أي شيء. كما لو تخرج من غابر الزمان، تظهر فتاة معصوبة العينين كأنها تلعب الغميضة. محاطة بفتيات أخريات يركضن حولها، تحاول أن تعرف اسم الذي يمسكها. وبعد أن سحبت سماطاً مشمساً، منسوجاً بطريقة خاصة، تحزر وتصرخ عندها صرخة رضا فريدة ليس لها نظير.

لويس جنكينز (1942)

[ قصيدة النثر

طبعاً، أن قصيدة النثر ليست قصيدة حقيقية. ويعود أحد الاختلافات الأساسية بينهما الى أن الشاعر لا يقطع القصيدة الى ابيات، إما لأنه جد كسول أو جد مغفل. على أن كل كتابة، حتى قصيدة النثر، تتطلب مقداراً معيناً من المهارة، مثلما يتطلب رمي رزمة أوراق في سلة مهملات عن بعد عشرين قدم، مهارة معينة، مهارة قد تحسن تناسق العين واليد، لكنها لا تؤدي بالضرورة الى القدرة على لعب كرة السلة. مع هذا، تحتاج الى ممارسة وتعطي المرء احساساً بقضاء الوقت، رمي ورقة اثر ورقة في السلة، بينما يطنطن المعلم عن شعر وليام تنيسون.

توم والين (1948)

[ لماذا أكره قصيدة النثر

دخل رجل غاضب المطبخ حيث زوجته كانت منهمكة في إعداد العشاء، وانفجر. كانت أمي تروي لي، كل يوم من حياتها، هذه القصة، حتى اليوم الذي انفجرت فيه. لكنها كانت دائماً تنتبه الى أن هذه ليست قصة. إنها قصيدة نثر.

رأيت ذات يوم رجلاً يُطعم كلباً سندويتشه مقانق. بدت السندويتشه وكأنها إصبع ديناميت. كثيراً ما يجعلني مرأى قصيدة نثر أتقيأ. لست متزوجاً وأعيش في بيت صغير. في وقت الفراغ أحرث حديثة ليلية.

اليكسي ريميزوف (1877 1957)

[صورتي

في حديقة، قرص معدني فوق شجرة، حُفرت فيها صورة: وحش ما قبل الطوفان له قرون عديدة، وعيون ليست في مكانها الصحيح، أما بالنسبة الى التوقيع: اسمي الأول واسم عائلة الرسام.

قلت في نفسي، «كيف زوّقني». «أراد أن يجعلني حقيقياً».

ثم، جاء الرسام، عرفته بواسطة صورته: تتدلى كثمرات من أمامه، ومن خلفه، ومن جيوبه. اختبأتُ خلف الصورة، مختلساً النظر: أسيتعرّف على عمله أم سيمر به مرّ الكرام؟

لكنه، أخذ كمثرة وسدّدها بشكل صائب في منتصف عيني. «جعلني بالتأكيد حقيقياً».

[ مظلة

اخترقتني شرارة بيضاء ضاربة الى الزرقة. ثم، رأيتها: متشحة بالسواد، في يدها مظلة حريرية سوداء، ذات مقبض طويلة ورفيع. وخزت قدمي بالمظلة. فتسمرت في الأرض. سألت: «ما معنى شفاه حمر؟».

باول تسيلان (1920 1970)

[ كنصير المطلقية الإيروسية...

كنصير المطلقية الإيروسية، ومتعاظم متحفظ بين الغواصين، وفي آنٍ رسول هالة باول تسلان، لا أستحضر السحنات المصخرة لغريق جوي إلا بعد كل عشر سنوات (أو أكثر)، ولا أتزحلق إلا في ساعة متأخرة، على بحيرة تحوطها غابة شاسعة، غابة أعضاء المؤامرة الشعرية الكونية البلا رؤوس. من السهل أن نتفهم بأن هنا لا يمكنك النفاذ بسهوم النار المرئية. ففي طارف العالم، ستار ضخم من الجمز يخفي وجود ذاك الانبات البشري الشكل الذي، أنا، الحالم، أخطط، وراءه، رقصة أن تدهشني. لم أنجح حتى الآن، والعيون متنقلة الى أصداغي، أنظر نفسي جانبياً، بانتظار الربيع.

زبيغنيف هربرت (1924 1998) 

[ الكمان

الكمان عار له كتفان نحيفان، بدون براعة يريد أن يستر الكتفين. يبكي من البرد والخجل. هذا هو السبب. وليس كما يظن نقاد الموسيقى، لكي يكون أجمل. هذا غير صحيح.

[ المكعب الخشبي

لا يمكن وصف المكعب الخشبي إلا من الخارج. لهذا فنحن محكومون بالجهل الأبدي حول جوهره.

حتى لو شطرناها بسرعة فإن داخله سيصبح فوراً جداراً يتبعه تحول برقيّ للسرّ الى جلد.

لهذا، يستحيل وضع سايكولوجية لكرة حجرية، لقضيب حديدي، أو مكعب خشبي.

جان دوبان (1927 2012)

[ ممنوعٌ عليَّ أن أقف لأرى

ممنوع عليّ أن أقف لأرى. كما لو حكم عليّ بأن أرى وأنا أمشي. وأنا أتكلم. رؤية ما أتكلّم، والتكلم بالضبط لأني لا أرى. إذن البعث على رؤية ما لا أرى، ما هو ممنوع عليّ أن أرى. وأنّ اللغة، بانتشارها، تصدم وتكتشف. العمى يعني الالتزام بقلب الشروط، ووضع المشي، الكلام، قبل النظر. المشي في الليل، التكلم خلال الضجيج، لكي يذوب شعاع النهار البازغ، ويتجاوب وخطوتي، يحدد الغصن، ويقتطع الثمرة.

[ بين الأحجار المنفلقة

أيها الثعبان، يا صديق الجوع، أقيس بترداد لسانك سريان الجذام. فمن دونك، يا قوّاس الترنيمة القابلة الكمال، لبقيت الثمرة غيمة، ويأسنا هوى عقيماً. إنك الردّ الوحيد على قشعريرة التربة حين يحفر جذر الشمس طريقه في الصخرة. النجم الأخير القلب بين أوراق الشجر، يراك تتألم. أردت أن أستودعك ملكي الأكثر سراً، الأكثر ابتذالاً، وما كان سوى سنونو طائراً على ارتفاع منخفض، حتى تكون الأراضي المحروثة أكثر عمقاً.

[ قصيدة النثر كحيوان جميل

كان يكتب قصيدة نثر، وقد نجح في تزويج زرافة مع فيل. جاء العلماء من كل أنحاء الأرض لرؤية المنتوج. الجسد كان يشبه جسد الفيل لكن له عنق زرافة ورأس فيل صغيراً وخرطوماً صغيراً يتلوّى مثل مغفل مبلل. 

أنت اخترعت حيواناً جديداً وجميلاً، قال أحد العلماء.

أتحبه حقاً؟

أحبّه؟ صرخ العالم، إني أعبده، وأود أن أضاجعه لعلي ابتدع حيواناً جميلاً آخر....

[ دمى السادة البعيدين

يحلم عازف بيانو أن شركة تحطيم استأجرته لإتلاف آلة بيانو بأصابعه...

وفي يوم حفل إتلاف البيانو، وبينما هو يرتدي ملابسه، لاحظ فراشة تضايق زهرة في آنية الزرع خارج نافذته. تساءل ما إذا كان عليه استدعاء البوليس. لكنه في النهاية فكّر بأن الفراشة مجرد دمية يحركها سيدها من النافذة الأعلى.

فجأة كل شيء جميل. فيأخذ بالبكاء.

هوانغ يونغيو (1924)

[ سرعة

شكل المادة المتحركة. للمثال، شخص سيئ يصبح فجأة شخصاً جيداً، وبسرعة بحيث حتى البرق يشعر بالخجل والدهشة.

[ حمار

الجميل فيه هو أنه لم يكتشف أولاً من قبل الرسام هوانغ. ففي وقت سابق، انتبه نابليون، حين نقل جيشه من مصر الى سوريا، وعلى نحو جيد، بضرورة وضع أجمل حيوانين في موقع أمين وسط الجنود العاديين. الأول كان علّامة، والثاني كان حماراً. الأول لأنه يعرف قيمة المصنوعات الثقافية، والثاني ليحملها الى فرنسا.

[ جهل

مما لا شك فيه هو أنّ التاريخ استخلص منذ زمان طويل بأن الجهل فضيلة، لأنه يدل ضمناً على الرضا والقدرة على التمتع في النفس. إن ما جلبنا الى هذا الموضوع هو الجهل عينه.

دافيد إغناتو (1914 1997)

[ منزلي

وأنا أنظر الى ورقة النبات، ليس موضوعي ظلال المعنى التي يحملها العقل، وانما رغبتي في ان اجعله تتكلم وتخبرني، كلوروفيل، كلوروفيل، بسرعة تقطع النفس. سأنعم بها، وبالمقابل سأجيب، دم، والورقة ستومئ برأسها. وبعد ان يتكلم واحدنا مع الآخر، سنجد مواضيعنا لا تنضب، واتصور، حين أشيخ والورقة تذوي وتغدو سمراء، أن فكرة الدفن في التراب ستصبح جد مألوفة بالنسبة إلي، ومن المعلوم سيكون، من خلال الحديث مع الورقة، ان المشي بين الاشجار بعد اكمال هذه القصيدة، هو اشبه بدخولي منزلي.

[ فخور بنفسي

بالنسبة إلى العشب ليس بذات اهمية ان يذبل، فهو مطمئن في هويته. سأنقل هذه الفكرة الى عالم المصاعد صائحاً بهم «ان صعدتم او هبطتم، فانكم دائماً أنتم نفسكم»، والى المسلح: «انك لا تضيف اي شيء الى نفسك بإطلاق النار». المصعد سيصدأ في مكانه، قلقاً، والمسلح سيجيب: «بهذا العيار الناري، سأضيف نفسي اليك. يطلق. تسقط الضحية. انها انا، مع رسالة جاءت من الغابة. الرسالة هي انا، انظروا اني اموت، فخوراً بنفسي».

اليش ديبلجاك ( 1961ـ )

[ من «لحظات عصيبة»

في هذه اللحظة، في عتمة غرفة باردة، يقترب الرعد من بعيد، عبر النوافذ العاصفة والألواح المغبرة، الماء في الوعاء لا يغلي، حيث تلهث السمكة تحت الجليد، حين ترتجف نصف نائم، كما لو من دون أمل، حين قطيع سرب ايائل ترك السبخات الجافة عميقاً في الغابات ويجيء الى الحدائق في المدينة، هذه اللحظة العابرة، حين يشرح البرد خلال عمودك الفقري، حين يتصدع العسل المتجسئ في الجرار، حين فكرة يد امرأة موضوعة على صدغ الميت تقترب اكثر فأكثر، حين تبدأ بالنهوض من اعماق الذاكرة، قرى مدمرة كنت تود ان تنساها، حين يحرق الاحساس بالذنب والحقيقة معدتك، حين تندفع الديوك البرية الخائفة، من النسيج المعلق على الحائط، حين يترك الحراس مواقعهم يصفر واحدهم للآخر، ثاقبين الهواء، حين تكسر حجارة حادة دماغك، اعلي ان اذكرك بأن جسدك المجروح لن يكون متخلفاً عن ظل تلقيه جنبة منعزلة، على الأرض المهتزة، شرق عدن؟

زجيسواف وونتشكوفسكي (1926 2014)

[ دمية من ميلو

حينما كنت خياطاً كنت أزعل من دميتي دائماً. كانت يداها حمراوين، مشعرتين تعوزهما الرشاقة،

لم تكن تشبه فينوس ميلو. وأسوأ ما يكون كانت قياسات فساتينها الحريرية. حينئذ صرخت بها غاضباً: سأقطع تينك اليدين اللعينتين! ذات يوم لاحظت ان دميتي بلا يدين. كانت تضحك بافتخار.

[ العنكبوت

جلسنا على ضفة أرض مبحرة بتجاه محيطات ساكنة. سقط مطر مبيض، والاشجار جرت انهاراً بعيدة. انت قرأت سفر العادات، وأنا عقدت شعرك بعرعر الفرجة الغابية. توقف نبض الشمس السرمدي. المواشي الذهبية التي رعت بأعشاب الأمل ابتعدت حتى مرتفع الشهوة وما كان سوى راع يعيف خلل الغصون الصنوبرية صلاة النشوة. أردت ان اسميك قطاً ناعماً، وسرنا زهرتين باتجاه الأكمة الساخنة. عندها، رأيت كيف يداك الجميلتان قد سحقتا العنكبوت بخفة الحرير. 



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads