الرئيسية » » الجزء 2: مذكرات ريتشارد دوكنز: شمعة وجيزة في الظلام | عبد الاله مجيد

الجزء 2: مذكرات ريتشارد دوكنز: شمعة وجيزة في الظلام | عبد الاله مجيد

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 28 أغسطس 2015 | أغسطس 28, 2015

تزخر حياة العالم البيولوجي البريطاني ريتشارد دوكنز بالنجاحات على أكثر من صعيد.  فهو يحمل باقة من الشهادات الفخرية منحتها له جامعات راقية في انحاء العالم.  وسُمي باسمه كويكب ونوع من الأسماك.  ونال اعترافاً واسعاً بوصفه مثقفاً شعبياً ومدافعاً عن العقل العلمي وقديساً علمانياً وعدواً لدوداً للمؤمنين وعراباً للملحدين.  وأصابت كتبه من "الجين الأناني" مروراً بعمله الأشهر "وهم الله" الى الجزء الأول من سيرة حياته "شهية للتساؤل" ، نجاحاً منقطع النظير.  وكما يلفت دوكنز نفسه فانها ما زالت تصدر بطبعات جديدة وتحقق مبيعات استثنائية حيث زادت مبيعات "وهم الله" وحده على 3 ملايين نسخة.  على هذا الخلفية أكد دوكنز بثقة "ان هناك مسائل فلسفية عميقة العلم وحده قادر على حلها" ، وليست هناك الغاز بل مسائل علمية تنتظر الحل لا أكثر ولا أقل.  وبحسب دوكنز فان "الحياة بايتات وبايتات وبايتات من المعلومات الرقمية".  فالحرب الثقافية انتهت بانتصار العلم ولدى دوكنز ثقة بأن دوره لم يكن قليلا في هذا الانتصار.  وقال مستعرضاً التغير الهائل الذي شهدته سمعة العلم على المستوى الشعبي ان كتبه كانت بين تلك "التي غيَّرت المشهد الثقافي".  وفي عام 2013 اختاره قراء مجلة بروسبكت بوصفه "المفكر الأول" في العالم.  الأعداء الذين صنعهم دوكنز لنفسه هم في غالبيتهم الأعداء الذين كان يتوقعهم.  فهو بوصفه ملحداً عدو لدود للقائلين بوجود خالق والمؤمنين عموماً و"أعداء العقل" ، كما يسميهم.  وفي السجال العلمي المحتدم حول نظرية النشوء الحديثة يتسم دوكنز بسلاطة لسانه ، كما تتبدى في قوله "ان الايمان يبدو... نوعاً من الأمراض العقلية" وتساؤله "ما الذي قاله اللاهوت ذات يوم مما له أدنى فائدة لأحد؟"  وكما قيل عن الجنتلمان الانكليزي التقليدي فان دوكنز لم يكن ذات يوم فظاً عن غير قصد.  يتحدث دوكنز عن نفسه في نتف هنا وهناك.  وما يراه حين ينظر في المرآة وجه رجل متفهم لطيفاوحتى متسامح حيث يؤكد قائلا "لم أكن ذات يوم ذلك الراديكالي كما جرى تصويري بل أنا في الحقيقة شخص معتدل تماماً".  ويعتبر دوكنز انه ليس مدفوعاً بعداء أهوج للدين بل بانسحار بالعقلانية العلمية وجمال المعرفة ، ويريدنا ان نشاركه اليقين الذي يوفره العقل العلمي.  فالمعترضون على نظرية النشوء هم بنظره "جهلة أو أغبياء أو مجانين أو أشرار" ، ولكن لم يكن قط ثمة ما هو شخصي في عدائه للدين أو رفضه للخطأ العلمي ، كما يشدد.  كُتب الجزء الأول من مذكرات دوكنز "شهية للتساؤل" بالبناء الزمني المعهود ابتداء من الطفولة والمدرسة ثم الارهاصات العلمية والوظيفة الأولى وصولا الى انجاز كتابه "الجين الأناني" الذي به حقق شهرته منظراً نشوئياً مهماً ومساهماً كبيراً في اشاعة الفهم الشعبي للعلم. وصدر الآن الجزء الثاني "شمعة وجيزة في الظلام: حياتي في العلم" الذي يواصل القصة من حيث انتهى الجزء الأول بنشر "الجين الأناني".  ويكتب المؤرخ والسوسيولوجي الاميركي ستيفن شايبن مراجعاً الجزء الثاني من مذكرات دوكنز في صحيفة الغارديان انه مجموعة مفككة واستطرادية من الذكريات والحكايات والملاحق والاقتباسات من معجبين واقتباسات موسعة من نفسه عن نفسه. وكان دوكنز كتب في أوج تألقه بعاطفة متقدة وفصاحة مؤثرة ، ذاع صيته بنقده اللاذع للقائلين بوجود خالق حتى ان نقاداً شهدوا له بالقدرة على اقناع أعداء العلم بغبائهم.  ولكن شايبن يصف الجزء الثاني من مذكرات دوكنز بأنه لا يرقى الى مستوى كتاباته السابقة بل ان "شمعة وجيزة" يتألف من تأملات متناثرة عن الحياة ومجموعة من الفعاليات العامة.  وهو لا يضيف شيئا يُذكر الى دروس العلم وبالمقارنة مع الجزء الأول فانه شحيح بما يكشفه عن حياة دوكنز الشخصية ، كما يرى شايبن.  لدى دوكنز في منتصف السبعينات من العمر رصيد كبير من المعجبين ولكنه يدرك على ما يبدو ان آخرين بينهم محسوبون على حلفائه الفكريين ، يرون انه كان سيحقق رصيدا أكبر بشيء من الاستعداد لأن يكون معلماً وليس واعظاً ، على حد تعبير البروفيسور شايبن الذي يقول ان المرء لا يقرأ دوكنز ليتحول من الايمان الى العلم ، رغم ان هذا جائز ، بل يقرأه لتعزيز قناعاته العلمانية والتسلح ضد "الجانب المظلم" بحقائق مفيدة وايماءات الى نظريات متينة وخزين وفير من الخطابية الساخرة.   
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads